سورية تتشبّثُ بتحرير إدلب والمعرقلون كُثرٌ!: د. وفيق إبراهيم
تخضع منطقة إدلب السورية لاحتلال مزدوج من تنظيمات إرهابية وقوات تركية، تتعاونان لمنع الجيش العربي السوري من تحريرها .
هذا الظاهر لكن الحقيقة تكشف أنّ سبعة أطراف تحتلّ إدلب.
هذا الوضع المستمرّ منذ سنوات لم يعد مقبولاً لأنّ الدولة السورية التي تواصل عملية تحرير مناطقها المحتلة تدريجياً وصلت مرحلة تحرير إدلب.
المعطيات المرتبطة بهذه العملية هي اتفاقات سوتشي وأستانة التي تجمع بين تركيا وإيران وروسيا في إطار تفاهمات تحتلّ إدلب بعض نقاطها وتركز على تنظيف مناطق خفض التوتر من المسلحين وإخراج الإرهابيين من إدلب.
هذا الأمر لم تنفذه تركيا التي تعهّدت سابقاً وتهرّبت.
أما الطرف الأساسي لهذا الموضوع فهو الدولة السورية التي منحت اتفاق سوتشي وأستانة مهلة لتنفيذ المطلوب بشكل سلمي او عبر المتعهّد الملتزم بذلك مع الروس والإيرانيين.
لذلك يجب ان تكون روسيا وإيران من الأطراف المساندة للدولة السورية عسكرياً وسياسياً.
وهما كذلك بكلّ تأكيد لكنهما تفضلان منح الأتراك مهلاً إضافية لضرورات صراعهما مع الأميركيين أيّ أنهما لا تريدان إعادة دفع الترك نحو الجانب الأميركي، وذلك بعد ولادة تناقض عنيف بين الطرفين يكاد يدفع علاقاتهما التاريخية الى الانفجار.
فإذا كانت سورية ومعها إيران وروسيا من الأطراف العاملة على تحرير إدلب، فمن هي القوى المعرقلة؟
الجانب التركي أولاً، لذرائع ضعيفة تتوارى خلفها طموحات واسعة بضمّ وإلحاق مناطق سورية في عفرين، وأخرى قريبة من الحدود التركية وتتذرّع تركيا بعنصرين: التصدّي للمشروع الكردي وحماية المدنيين في إدلب وعفرين.
لجهة الأميركيين فإنهم يعملون بقوة على منع تحرير إدلب لعرقلة احتمال بدء التحرير السوري لشرقي الفرات ولمنع حلّ الأزمة السورية عموماً.
وهذه الأهداف يعمل عليها الأميركيون عبر دعم جبهة النصرة الإرهابية بفتح طرقات للإرهاب الداعشي والقاعدة للانضمام اليها في إدلب والتذرّع بحماية المدنيين من قصف الجيش السوري والطيران الروسي وغارات حزب الله.
الطرف الرابع الحريص على المدنيين كما يزعم، بعد الأميركيين والأتراك والإرهاب نفسه، هم السعوديون الذين يربطون بين احتمال تحرير إدلب وانتهاء الأزمة السورية الأمر الذي يدفعهم إلى تمويل الإرهاب بأشكال مختلفة ودعم قسد الكردية في الشرق والجنوب وبعض العشائر العربية في تلك المنطقة. المهم بالنسبة للسعوديين استمرار الأزمة السورية بما يتيح عودتها الى أداء دور مهمّ في مرحلة الحلّ السياسي بديلاً من تركيا.
والإمارات بدورها تحاول عرقلة تحرير إدلب استجابة لطرفين حليفين لها هما السياسة الأميركية والسعوديون، لذلك تلعب المخابرات الإماراتية دور الكشاف الممهّد للدورين الأميركي والسعودي عبر التواصل مع مختلف أنواع التنظيمات الإرهابية والإمساك بها عن طريق التمويل والتسهيلات اللوجستية والتسليح وشراء بعض رجال العشائر.
لجهة الأوروبيين فليسوا فريقاً واحدا، لكنهم يعملون بتوجيهات الأميركي في محاولة لكسب بعض فتات النفط والغاز في الشرق السوري أو لكي يجسّدوا قوة داخلية تفرض أدواراً لهم في عمليات إعادة إعمار سورية التي يقول الخبراء انّ أكلافها قد تتعدّى الـ 400 مليار دولار، هذا ما يفسّره وجود بضع مئات من قوات فرنسية وبريطانية وألمانية وأوروبية أخرى ترابط قرب القواعد الأميركية شرق الفرات وفي الشمال.
«إسرائيل» بدورها تتباكى على المدنيين في إدلب وتحذّر من تهجيرهم الى أوروبا وقتلهم بالقصف الجوي الروسي والسوري، فهل نسيت «إسرائيل» انها هي التي قتلت مئات آلاف المدنيين في فلسطين وسورية ولبنان ومصر والأردن؟ وهل نسيت قتلها للمدنيين المحاصرين في غزة المحاصرة؟
إنّ هذه الاطراف السبعة تختلقُ مناخات الخوف على المدنيين في إدلب وهي التي صمتت على ذبح مئات آلاف المدنيين في سورية والعراق ذبحاً بسكاكين الإرهاب من تنظيمات القاعدة وداعش والنصرة وحراس الدين والتنظيمات التركمانية إلى حدود التواطؤ بتغطية الإرهاب وتسهيل أموره اللوجستية وإلى درجة أنّ سيطرته على النفط السوري لا تزال تتمّ منها خلال استعمال طريقين لبيعه وتحت المراقبة الأميركية: كردستان العراق والحدود التركية.
وهذا يكشف مدى الترابط بين السياسات الأميركية والاوروبية والتركية العاملة بعنف على إطالة أزمة سورية لتحقيق مكتسباتها الاستراتيجية والاقتصادية.
لكن للدولة السورية مشروعها التحريري المستند الى إيمانها العميق بضرورة تحرير المناطق المحتلة مع الأخذ بعين الاعتبار انسجام التوقيت مع حركة التحالفات والاعتماد على قوة الجيش السوري الميدانية والتغطية الضرورية من الحليفين الروسي والإيراني، فهناك حذر من إمكانية حدوث تفاهم مفاجئ بين تركيا والأميركيين على منطقة عازلة شمالي سورية او التوصل الى ان يكون الأتراك بديلاً من المشروع الكردي في شرقي سورية.
وهذا ممكن في حالة فشل الأميركيين في حماية شرقي الفرات بطريقة مباشرة او بواسطة الأكراد وعندها قد يعودون الى الخيار التركي، ولن يتأخر أردوغان بالموافقة وعلى قاعدة أنّ بوسعه تحييد الروس بعلاقات بلاده الاقتصادية معهم مع الاستفادة من حالة الحصار التي تعاني منها إيران.
على مستوى سورية فإنّ ولادة هذا الاحتمال يحرّرها من ممارسة لعبة انتظار حليفها الروسي، وتستطيع بذلك فتح معركة إدلب مع حلفائها في حزب الله وإيران وروسيا وقد تنجح في تحريك الأكراد في تركيا بما يؤدّي الى لجم طموحات العثمانيين الجدد.
إدلب الى أين؟
إنّ تحريرها لم يعد بعيداً مع دولة سورية متشبّثة بكلّ بقعة من وطنها وتحالفات ترى أنّ مصالحها مرتبطة بانتصار الدولة السورية على كلّ أعدائها.
(البناء)