معادلات السيد القاهرة
غالب قنديل
نادرا وعلى مر العصور ما تكثفت عناصر القوة والقدرة بيد قادة ورموز تمكنوا من تحويل كلماتهم ومواقفهم إلى عناصر تغيير وتأثير في التوازنات والحسابات وقد اقتضى الأمر من المقاومة ومن قائدها السيد حسن نصرالله مسيرة حافلة بالتضحيات واختبارات القوة في إدارة الصراع وقيادة النضال التحرري في لبنان والمنطقة حتى يستجمع في رمزية الحضور عناصر القوة والمصداقية التي ساهم في تشكلها ورسوخها حزب مناضل بذل الكثير وحقق العديد من الإنجازات خلف قائد اول ما اختصره في سلوكه وكفاحه هو المصداقية العالية والابتعاد عن ألاعيب البروباغندا والالتزام بقول الحقائق في مخاطبة الأعداء والأصدقاء وفي إدارة الصراع بعبقرية فذة.
حمل خطاب السيد دلالات جديدة على هذه الحقيقة في ذكرى السيد مصطفى بدر الدين احد كبار قادة المقاومة ومؤسسيها منذ كانت نواة في مجموعة صغيرة وقد ربط قائد المقاومة ذكراه بواقعتي الصمود والردع في حرب نيسان وبعملية انصارية والمفاجأة الصاعقة التي تلقاها العدو عشية هروبه الكبير.
قيمة حرب نيسان التي مرت ذكراها قبل أيام انها انتجت معادلة التفاهم التي صاغها القائد حافظ الأسد واملاها على وزير الخارجية الإمبراطوري المتنمر وارن كريستوفر وفرض عليه إعلان نص التفاهم في بيان رسمي لوزارة الخارجية الأميركية من واشنطن قبل نشره من دمشق وكان الأسد مستندا إلى صمود حزب الله وإنجازاته الباهرة في الميدان وقد كان هذا الرئيس العربي المقاوم يعتبر حماية المقاومة وإعادة بناء الجيش اللبناني أثمن ما حققته الرعاية السورية لتسوية الطائف فقد كانت عين حافظ الأسد دائما على مركزية الصراع العربي الصهيوني في هذا الشرق فهي قضية المصير وهي عهده التاريخي لشعبه وامته حتى لحظة رحيله التي شهد قبلها انتصار المقاومة ومعادلاتها وهروب العدو الصهيوني من لبنان.
أمس كشف السيد امام اللبنانيين اهداف التهويل بعدوان صهيوني جديد ومدمر عبر رسائل السفراء والموفدين الغربيين وقال لهم مخاطبا المستويين الشعبي والرسمي إن الغاية هي إخافة لبنان لاستدراجه إلى تنازلات تخدم اسرائيل وتطال الحقوق البرية والبحرية اللبنانية وهو في مجابهة تلك الحملة نصب معادلة الردع مستندا إلى عبارة في خطاب سابق وقبل بضعة أشهر عندما صاح “تم الامر” في معرض الحديث عن امتلاك المقاومة ما يكفي من الصواريخ الدقيقة ردا على غارات العدو التي تلاحق الإعلان عن شنها في سورية وزعم العدو لاستهداف قوافل تنقل لحزب الله أسلحة كاسرة للتوازن وفقا للتعبير الصهيوني ومعنى “تم الأمر” ان ذلك السلاح بات لدى حزب الله وعلى العدو ان يحتار في التقييم والتفسير والتحسب والتوقع.
ما أعلنه السيد يومها أشاع خرسا صهيونيا كاملا وجاء امس البناء عليه صاعقا مرتين حيث ألمح قائد المقاومة إلى وجود بنك اهداف لدى المقاومة ينطوي على مفاجآت تتخطى مستودعات الأمونيا من حيث الفاعلية والأثر التدميري وفي الوقت عينه أكد معادلة سبق له إشهارها عن قدرة المقاومة على تحقيق وثبة الجليل بعد تدمير الوحدات الصهيونية المعتدية على أرض الجنوب .
يعرف القادة الصهاينة وبدقة صحة هذه المعادلات ويعلمون بالتأكيد جدارة حزب الله بفرضها في الميدان بما بات لديه من القدرات العسكرية وبما تراكم لقادته ومقاتليه من الخبرات التي يحاول الصهاينة استخراجها بناء على وقائع دحر غزوة التكفير في سورية وهو ما سوف يفرض عليهم إعادة النظر بأي مغامرة محتملة.
ينبغي التذكير بان إسرائيل غارقة في خيبة كبيرة بعد ما حصدته سورية والمقاومة من انتصارات على غزوة التكفير الأميركية الصهيونية فقد توقع الصهاينة وتمنوا إغراق حزب الله والتخلص منه في تلك المعركة التاريخية الكبرى وصحروا بذلك كثيرا خلال السنوات الماضية وهم تمنوا وتوقعوا تدمير قدرات الجيش العربي السوري.
بعد سنوات من الرهان الصهيوني كان الحاصل معاكسا ولم تنفع جميع المحاولات الصهيونية الأميركية في الحد من قوة التحول النوعي الحاسم الذي حققه محور المقاومة مجتمعا بعدما توسع وبات يضم وحدات الحشد الشعبي العراقي والقوات الشعبية والنظامية المقاتلة في اليمن وهذه حقيقة لم تتبلور بعد بتعبيرات سياسية صريحة لكن العدو يعلم انه مكره على وضعها في ميزان الحرب القادمة بعد فصول ملحمة الدفاع عن سورية التي تشير التطورات إلى انها تتحضر لفصل جديد في استكمال مسار التحرير التام لترابها الوطني فما يجري في محيط إدلب وعلى مقربة من الحدود السورية العراقية وما يشهده الشرق السوري ليست سوى مؤشرات لأحداث كبرى تضع زمام المبادرة بيد المحور في خطوات أرست قواعدها زيارة الرئيس بشار الأسد إلى طهران.