تفوق صيني بقوة النموذج
غالب قنديل
كان الكلام الصيني في العقود الماضية عن الهيمنة الاميركية والاستعمار الأميركي لبلدان العالم الثالث سمة مميزة لخطاب سياسي عالمي تطرحه دولة عظمى طموحة تسعى لتعزيز مكانتها الدولية وتحسين صورتها المتميزة امام شعوب العالم .
لكن العشرين عاما الماضية والسنوات الأخيرة بالذات شهدت تحولات كبيرة ومتسارعة في نحت الصين لنموذج خاص في العلاقات الدولية يبنى على المصالح المشتركة ويقيم شراكات اقتصادية وسياسة مبنية على احترام المصالح والخصائص الوطنية للشعوب ومضمونه الرئيسي هو التكافؤ في المصالح والمنافع.
بعدما راكمت الصين احتياطيات مالية هائلة وبنت مرتكزات راسخة تعزز قدراتها الانتاجية والتسويقية عالميا في اعقاب ثورة صناعية ضخمة ومتجددة حققتها جيوش صينية من العلماء والمهندسين الذين امتلكوا ناصية التكنولوجيا وانشأوا لبلادهم بنية عملاقة راسخة ومتشعبة تحركت الصين لتنسج شراكتها مع دول العالم الثالث بعيدا عن الايديولوجيا والنمطية المتحجرة.
كأنما درس الصينيون بإتقان تجاربهم وتجربة الاتحاد السوفيتي السابق على مستوى العلاقة بالعالم الثالث وتعلموا منها ضرورة احترام الخصوصية القومية للشعوب الأخرى وعدم استنساخ نموذجهم لدى الشركاء بل السعي التراكمي لبلورة الشراكات الندية بمضمونها التقدمي انتاجيا وعلميا وتقنيا واعتبارها كفيلة بتوليد ما يوازيها سياسيا وثقافيا.
يستقطب النموذج الصيني بتفوقه وبتوسع حصاده الاقتصادي والتكنولوجي والأخلاقي وبما يحمله من الامكانات والفرص لدول العالم الثالث مزيدا من الاهتمام ولذلك تتحول حركة الحزام والطريق الصينية الى قطار تلتحق به قاطرات جديدة رغم المساعي الأميركية الحثيثة لإعاقة الدينامية الصينية ولكسر ومحاصرة جسورها المتشعبة والممتدة في سائر قارات العالم ولاسيما في اسيا وافريقيا وبالأخص في اميركا اللاتينية.
لا تشترط الصين على اي شعب او دولة اعتناقا لأيديولوجيا معينة مقابل الشراكة وهي الدولة العظمى التي يقودها الحزب الشيوعي وبينما تفاخر الصين بنموذجها الاشتراكي الخاص المتميز لكنها لا تسعى الى تصديره او نقله وهي تسعى لترسيخ شراكات في التنمية والتطور الاقتصادي والمصالح التجارية والمالية المشتركة مع الدول الكبيرة والصغيرة على السواء.
هذا النموذج القائم على تجسيد دقيق للشراكة واحترام الخصوصية وربط التمويل بالمردود المنتج ونقل التكنولوجيا الى الشعوب والمجتمعات التي تحتاجها بدون شروط تمس سيادتها واستقلالها هو النقيض الجذري لنموذج الهيمنة الاستعمارية الذي بناه الغرب بقيادة اميركية منذ الحرب العالمية الثانية وجعل منه اداة اخضاع واستغلال ونهب والحاق سياسي للشعوب والبلدان.
ليس غريبا ان تظهر في قلب النخبة الاميركية مقارنات موجعة بين سياسة صنع الحروب وتصدير الموت والخراب الى العالم الذي بلغ ذروة غير مسبوقة في العقدين الماضيين وبين النموذج الصيني الذي يكسب المزيد من الشركاء في طريق البناء والتقدم والاستقلال.
اننا ندعو النخب العربية الشابة والمتعلمة للتحرر من استلابها الأميركي والأوروبي وللتأمل جيدا في مسار الصين وفي طريق الحرير الجديد للفهم وللتعلم من حقيقة ان في عالم اليوم خيارات جديدة غير ذل العبودية للغرب وللولايات المتحدة .
ان طريق الاستقلال والتنمية والتحرر بات يكتسب مرتكزات راسخة وقوية ويمكن للشعوب ان تسلكه وتختاره بملء ارادتها ولديها شراكات موثوقة في مقاومة المصاعب والتصدي لشراسة الامبريالية والاستعمار في السعي لإدامة الهيمنة والنهب.
تتوخى الصين تحقيق مصالحها الوطنية كدولة وكشعب في جميع مبادراتها وشراكاتها لكنها تقيمها على معادلات متكافئة مع الدول والشعوب الأخرى من خلال الندية والتكافؤ واحترام السيادة والخصوصية وهي بذلك تعزز فرص التحرر من الهيمنة الاستعمارية والتمرد على المشيئة الأميركية التي تستقوي بهيمنتها المالية على العالم وبغطرستها العسكرية ويمكن للدول التحررية المتمردة ان تعول في امتلاك مقومات الصمود والكفاح على الشراكة مع الصين ومع روسيا وايران التي تتكثف مساعيها المشتركة في التصدي للهيمنة الأميركية على العالم وعلينا في البلاد العربية ان نختار طريقنا الى التحرر والتنمية.