حزام واحد وطريق إلى المستقبل بقلم:د.بثينة شعبان
كم هو منعش أن يجتمع هذا العدد من الرؤساء ورؤساء الوزراء والوزراء وقادة منظمات دولية ليبحثوا أفضل السبل التي تقود إلى مصير آمن ومزدهر للبشرية جمعاء. كم هو منعش أن نسمع الرئيس الصيني تشي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد يشخصون معاناة البشرية اليوم، وأن سببها الأساس هو الإقصائية والعقوبات وشنّ الحروب لحلّ المشاكل بدلاً من اعتماد التواصل والتشاور والاحترام والتعامل بين بني البشر سبيلاً للقضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة وتبادل الخبرات والثقافات بين الشعوب سبيلاً للقضاء على الفقر. كم هو منعش أن يتمّ التركيز على الابتكار والمعرفة والعلماء والخبراء وحقّ الملكية الفكرية، وأن تتمّ رؤية الاستثمار بمنظوره الشامل الاقتصادي والإنساني والمعرفي والتاريخي والحضاري، والاستثمار أيضاً فيما راكمته مختلف الشعوب من حكمة وخبرات تضيف للمسار عمقاً وتختصر الزمن للوصول إلى الهدف المنشود. في اجتماع القمة الثانية لحزام واحد طريق واحد في بكين، والذي عقد بين 25 – 27 نيسان 2019 وضمّ منظمة آسيان والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأوروآسيوي وممثلي منظمات دولية اقتصادية ومعرفية وسياسية شعرتُ أن العالم الذي نقاتل من أجله، ونطمح إلى رؤيته آخذ في التشكّل فعلاً، العالم الذي لا يعتمد على نهب ثروات الآخرين وشنّ الحروب للتدخل في شؤونها وفرض العقوبات على من لا يكون طيّعاً منها. لقد ذكر كبار المتحدثين في كلماتهم أن العقوبات والإقصاء والحروب أثبتت فشلها في صياغة عالم متوازن تسوده العلاقات الإنسانية والاقتصادية المزدهرة والتي تعود بالفائدة على الجميع. في هذا الملتقى الهام طرحت كلّ القواعد التي ترفض كلّ أسلوب التعامل الاستعماري الغربي مع العالم دون أن تسمّيها بالاسم، وطرحت بدائل جميلة ومقنعة للجميع وتعود بالخير على الجميع. وتمّ التأكيد عشرات المرات على أهمية التشاور والتواصل والترابط كمبادئ تحكم مفهوم وروح طريق الحرير، ولا يخفى أن ما عانته دولنا خلال العقود الماضية، وبعد الحرب العالمية الثانية وإلى حدّ اليوم ناجم عن سياسة الغرب الإملائية والإقصائية للآخرين وشنّ الحروب ضدّهم من أجل نهب ثرواتهم. لقد أشاد الحاضرون في التجربة الصينية في أفريقيا والتي حققت ازدهاراً غير مسبوق لعدد من الدول الأفريقية، ناهيك عن منطقة آسيان وإدراج دعم للممرات الكبرى لبناء اقتصاد ضخم بين آسيا وأوروبا.، ولم تُغفل هذه المبادرة الهامة التعاون الثقافي والفكري وتعميق التواصل الحضاري بين جميع الشعوب، وبناء البنى التحتية وإحداث ثورة رقمية لتطوير آليات العمل، وخلق أجيال جديدة من الطائرات والقطارات وأساليب حديثة في التفتيش الجمركي من خلال الأقمار الصناعية، ومكافحة الفساد، ودراسة آليات التعاون المستدامة بدقّة، ورفع مستواها والاستمرار دائماً في التشاور والتخطيط والتقييم، فقد تحدّث الرئيس الصيني عن ثورة صناعية رابعة، والتمسك برقمية وتقنية هذه الثورة، معبّراً عن ثقته بأننا نحن الذين نشقّ طريق المستقبل. ولم تخلُ كلمة الرئيس الصيني من الأمثال الصينية المعبّرة عن الحكمة؛ حيث قال: “يقول الصينيون إنّ البحر عميق لأنه لا يرفض أيّ بحر يصبّ فيه”، أي أنّ الصين التي تدعو إلى المشاركة والتشاور تزداد أيضاً عمقاً وقوةً، ولا شكّ أن أسلوب طرح المبادرة وأدوات معالجتها، والتي تبني واقعاً جديداً متيناً عالمياً على أسس تطمح البشرية أن تراها دون ذكر كلمة واحدة عن الهيمنة الغربية وأساليبها التي مقتتها شعوب الأرض، يعبّر عن حكمة ورؤية وتصميم على بلوغ الهدف. ففي الكلمة التي ألقاها في مأدبة العشاء، قال الرئيس الصيني: “عملنا اليوم يشبه الإبحار عكس التيار، فإما أن تتقدّم وإما أن تعود إلى الوراء، ونحن لا نستطيع أن نعود إلى الوراء”. وأضاف رغم أننا حققنا الكثير، إلا أنه مازالت هناك صعوبات ومخاطر تنتظرنا، ولكنّ هذه فرصة ثمينة لم يمتلكها العالم منذ مئة عام.
تماماً، منذ مئة عام، وبعد حربين عالميتين، تمّ إرساء أسس نظام دولي فرض سيطرة القوى الغربية على البشرية جمعاء، فنهبت ثرواتها واستوطنت لبّ أراضيها، وعاثت بمقدراتها فساداً وظلماً، وتحت عناوين مساعدات إنسانية وحقوق إنسان أبقت دولاً عديدة تقبع في فقر مدقع غير قادرة على النهوض أبداً، ثمّ اخترعت حروب الديمقراطية وحقوق الإنسان للتدخل بشؤون الدول الداخلية، واستنزاف ثرواتها ومقدراتها وتحديد مصيرها.
اليوم يتشكّل عالم آخر لا يعلن التحدّي لكلّ هذا الظلم ولا مواجهته، ولكنه يؤسس طريقاً آخر وآليات عمل تعتبر الاختلاف بين الدول والشعوب جوهر جمال الحياة الإنسانية، وتعتبر التشاور والتشارك الصادق أساس الغنى، وتعتمد الإبداع والابتكار والعمل الدؤوب المدروس والرؤية الواضحة والتخطيط الأسس المتينة لقيام هذا العالم. ونحن نراقب التقدّم السريع لهذا العالم الجديد سوف تنحسر أهمية وأساليب العالم الذي طغى وتجبّر على شعوب الأرض. هذه فرصة ثمينة للبشرية جمعاء والفائزون هم الذين يدركون أهميتها من اليوم، ويعملون على أن يكونوا جزءاً فاعلاً فيها وفي صياغة مستقبل الإنسانية جمعاء.