فضل الله: لمحاصرة الجهات الساعية لتفجير حروب دينية
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: “عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستهدي بهذه الآيات: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين * هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين * ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس }.
هي دعوة لكل المؤمنين لئلا يضعفوا أمام التحديات، ولا يسقطوا أمام التهويلات، وأن يتطلعوا دائما بأمل إلى المستقبل، وأن يتأملوا في تجارب التاريخ، حيث الغلبة كانت دائما للمؤمنين في كل الصراعات، لكن هذا يأتي بناء على الثقة بالله، والتي عبر عنها الله بقوله: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}.
أيها الأحبة، بالروح الواثقة بالله، المطمئنة إليه، نستطيع أن نواجه كل ما يعصف بنا من أزمات، والبداية من لبنان، حيث انتهى الأسبوع الأخير على القرار الذي صدر عن مجلس الوزراء بوضع الموازنة التقشفية على طاولته، في ظل التباين في الرأي حول أسلوب معالجة العجز، وخشية اللبنانيين المستمرة من أن تحمل هذه الموازنة المزيد من الأعباء التي لم يعودوا قادرين على تحملها، من دون أن يكون لديهم الاطمئنان الكافي إلى أن السياسات العامة في هذا البلد سوف تتغير، إن على مستوى وقف الهدر والصفقات والمحسوبيات، أو تحصيل الحقوق البديهية للدولة، والتي تنتزع من المالية العامة بطريقة وبأخرى، أو بتحميل الرأسمال مسؤوليته، وهو الذي تتصاعد نسبة أرباحه بشكل خيالي على حساب مصالح الدولة والمجتمع“.
اضاف: “ونحن في هذا المجال مع أية حلول تساهم في إخراج البلد من أزمته الاقتصادية، ومن الحال التي وصل إليها، ولكننا ندعو إلى أن تدرس الحلول على نار هادئة، لا على وقع الضغط النفسي الذي يمارس على المواطنين في هذه المرحلة ليتقبلوا أي حل بدعوى أن البلد سوف ينهار سريعا.
ونحن هنا نريد أن نتفاءل أيضا مع المسؤولين المتفائلين، وأن نقف معهم في مواجهة سياسة صناعة اليأس، ولكننا نقول لهم: نحن مع التفاؤل المبني على قاعدة وعلى رؤية، فهل بجعبتكم هذا الدواء؟! وإلا فليس التفاؤل بحد ذاته صيغة للحل.. الحل يبدأ من الخطة، والكل يسأل عنها وعمن يطبقها ويرسمها.. لأن من يصلح لا بد من أن يكون صالحا.
إن الخطة تبدأ بتحديد المشكلة الرئيسية، والتي تتمحور حول طبيعة النموذج الاقتصادي الذي لا نزال نمارسه منذ سنوات تحت عنوان تحقيق النمو بالدين، وهو ما أدى إلى الكارثة الحالية، والتي لا يشكل العجز المالي سوى نتيجة من نتائجها السلبية، فيما البديهي هو التحرك نحو بناء اقتصاد منتج يعيد إنعاش القطاعات الزراعية والصناعية والخدماتية، بما يخرجنا من الدوامة الحالية المتمثلة بإنفاق ما يقارب ثلثي الموازنة، يذهب قسم منها إلى دفع فوائد الديون المرتفعة إلى المصارف، والقسم الآخر إلى التوظيف العشوائي في القطاع العام، الذي يريدون منه امتصاص البطالة وشراء الولاءات، والقسم الباقي الضئيل فقط من الموازنة هو للاستثمار في المستقبل وتيسير شؤون الدولة والبنية التحتية، والذي من المؤلم أن يقارب المبلغ الذي ندفعه للكهرباء من دون التنعم إلى الآن بمعالجة مشكلتها أو القدرة على ستر فضائحها“.
واشار الى “اننا لن نستطيع أن نوقف الانهيار إذا لم نتطلع إلى بناء اقتصاد منتج، والاستناد إلى خطة اقتصادية ـ مالية تحسن من وضع الإيرادات وتخفض النفقات، وإلى إعادة الاعتبار للقضاء ولمؤسسات الرقابة والتفتيش والمحاسبة، وإذا لم يتحول المسؤولون إلى رجال دولة يفكرون بمنطق الدولة لا بمنطق المزرعة الذي أوصلنا إلى ما أوصلنا إليه“.
وفي الموضوع الايراني قال فضل الله: “نطل على الحصار الخانق الذي تتعرض له الجمهورية الإسلامية في إيران، لفرض سياسات غير مبررة، كانت معرض انتقاد العالم وتنديده، بسبب تعارضها مع المواثيق الدولية وقوانين الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان.
إننا نرى أن هذا الأسلوب من التعامل في العلاقات بين الدول والشعوب، والذي يعتمد على سياسة تجويع الشعوب لتحقيق أهداف ظالمة، يعيدنا إلى العصور البدائية وشريعة الغاب، وأن تداعياته لا تطاول موقعا إقليميا فحسب، بل تمتد أيضا إلى دول وشعوب وقارات أخرى.. وعلى الحريصين على القانون الدولي من دول العالم المؤثرة، والتي يطاولها أيضا منطق العقوبات نفسه، القيام بخطوات عملية لمواجهة مثل هذه الأساليب، حتى لا تتحول إلى نهج في إدارة العلاقات الدولية، ما يفتح الأبواب على صراعات واسعة قد لا يمكن تدارك مخاطرها“.
وتوقف عند الإعدامات التي حصلت في السعودية، “والتي طالت عددا كبيرا من الأشخاص.. لنتساءل مع الكثيرين عن الأسباب التي دعت إلى هذه الإعدامات والمبررات، لكون العدد الأكبر منها هو من مذهب معين، ويشغل مواقع دينية واجتماعية.. ما يجعل هذه الأحكام ملتبسة وتدعو إلى الريبة، ولا سيما أنها تأتي في ظل الاحتقان الذي تشهده المنطقة في هذه المرحلة“.
وختم فضل الله: “إننا نرى في التفجيرات التي استهدفت الكنائس والفنادق في سريلانكا، والتي ذهب ضحيتها المئات بين قتيل وجريح، عملا وحشيا وجريمة من أبشع الجرائم وأخطرها، بعد أن استهدفت الناس في أماكن عبادتهم وبيوتهم وأسواقهم، مما لا يقبله دين ولا يقره قانون شرعي أو وضعي. إننا ندين هذه الاعتداءات وهذا المنطق التدميري، سواء تلبس بالإسلام أو المسيحية أو أي عرقية، وندعو إلى الوقوف صفا واحدا لمحاصرة الجهات الساعية لتفجير حروب دينية أو لتدمير سلام العالم، من خلال ائتلاف دولي إنساني يرفض التطرف والتعصب والإرهاب من جهة، وينصر المظلومين والمضطهدين وأصحاب الحقوق من جهة ثانية“.