محور المقاومة غير قلق… وواثق من قوته: ناصر قنديل
– من جهة تبدو المنطقة مليئة بإشارات التصعيد، خصوصاً بعد القرارات الأميركية المتلاحقة منذ إلغاء التفاهم النووي مع إيران من طرف واحد، ومن بعده إعلان الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال، ثم بدء العقوبات على إيران. فالاعتراف بضم كيان الاحتلال للجولان السوري، ومن بعده تصعيد العقوبات على إيران بإلغاء الاستثناءات، وفي قلب السياق نفسه الهجمة المتصاعدة على حزب الله سياسياً ومالياً وأمنياً، والحصار الاقتصادي على سورية، وعودة الغارات الإسرائيلية المتقطعة على مواقع داخل سورية تُحسب لمحور المقاومة. ومن جهة مقابلة لا يبدو محور المقاومة قلقاً، ويقرأ قادته التطورات والأحداث بمعايير مختلفة عن تلك التي تسود الصالونات السياسية، ومقالات المحللين وإطلالات بعضهم المتلفزة، بمن فيهم المحسوبون على ثقافة المقاومة .
– قياديون بارزون في محور المقاومة يردون على الأسئلة التي تطال عدم الرد على الغارات الإسرائيلية، بأسئلة عن سبب عدم قيام «إسرائيل» باستهداف أي موقع للجيش السوري منذ سقوط الطائرة الروسية، ويعتبرون فرض هذا التطور نجاحاً بوضع قواعد اشتباك جديدة، تحيّد الاستقرار في سورية كهدف أراد الأميركيون والإسرائيليون وضعه في كفة موازية لقبول الشروط التي عرضتها واشنطن وتل أبيب بخروج أي وجود لإيران وقوى المقاومة من سورية. وهو وجود زادت مبرراته والقناعة بأهميته كضرورة، مع الإعلان الأميركي عن الاعتراف بضم الجولان لكيان الاحتلال، وصارت المعادلة قائمة على أن إيران وقوى المقاومة باقون في سورية بطلب دولتها، لكنهم مستعدّون أن يتحملوا تبعات هذا البقاء بوجه اي استهداف دون توريط سورية في المواجهة، وأنه في حال أي استهداف لسورية فالأمر سيكون مختلفاً، فيتعاضد الجميع بمن فيهم روسيا لفعل ما ينبغي. وهذا بات معلوماً لدى قادة كيان الاحتلال، وهو موضوع تقيّد بمضمونه حتى الآن.
– الدخول في تحدٍّ معنوي اعتباري لا يعني محور المقاومة كثيراً، خصوصاً أنه واحد من أهداف العمليات التذكيرية الإسرائيلية التي تريد القول إن قادة تل أبيب لم يتخلّوا عن رفض وجود إيران وقوى المقاومة، لكنها لا تغير شيئاً في موازين القوى والردع، والأولوية التي يراها المحور في سورية هي مساعدة الدولة السورية على استعادة الأراضي السورية المتبقية خارج نطاق سلطة الدولة وجيشها، خصوصاً أن الدور التعطيلي الذي كان منوطاً بالغارات الإسرائيلية قد تم احتواؤه، وتمّت السيطرة عليه بهدوء وثبات، وبالتنسيق والتعاون بين الدولة السورية وروسيا وإيران وقوى المقاومة، وفي حسابات المحور أن ما تبقى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومع إعادة انتخاب بنيامين نتنياهو، المعادلات القائمة ستبقى قائمة، كما ظهّرتها صواريخ تل أبيب، فلن نشهد تسويات نوعيّة ولا حروباً كبرى.
– يقدّم قادة المحور أمثلة على الوضع القائم، فيقولون إن التصعيد على إيران، تقابله قدرة إيرانية على مواصلة بيع النفط والغاز، أكثر مما كانت تبيع إيران قبل عشر سنوات بمرّة ونصف، وإن كان من بلدان يجب ترقب مفعول العقوبات الأميركية في جذبها، لأن لها تأثيرات حقيقية ولأن واشنطن تملك حضوراً ونفوذاً فيها، فهي تركيا والعراق وباكستان، لأنها دول جوار مؤثرة ولأنها سوق رئيسية للنفط والغاز الإيرانيين، إضافة للهند والصين، وفي تركيا والعراق وباكستان حضور أميركي عسكري واستخباري، وهي أول دول أعلنت عدم الالتزام بالعقوبات المتجددة دون استثناءات. فإن كان الأمر منسقاً مع واشنطن فهو دليل على ان العقوبات ظاهرة صوتية، وإن لم يكن منسقاً فهو تمرد الأقربين والأفعل والأهم، وتلك علامة على أن أميركا كلها صارت ظاهرة حبريّة، يوقع رئيسها بالخط العريض ولا أحد يقيم حساباً لتوقيعه.
ينصرف قادة محور المقاومة لتعزيز قدرات الردع، وقضم وهضم المزيد من الإنجازات، وتعزيز قوة سورية والسير بدفع العملية السياسيّة التي زالت الكثير من التحفظات الأميركية المنقولة بواسطة المبعوث الأممي، على الشروط السورية بخصوصها، فما عاد الموقف الأممي على ما كان، ولا عاد الموقف الأوروبيّ، من عودة النازحين وشروط الحل السياسي، على ما كان. وهذا يعني إما تنسيق أوروبي أممي مع واشنطن، وبالتالي لا جدية للتهديدات والتصعيد، أو أنه تمرّد وشقّ لعصا الطاعة، وهذا أخطر، لأنه مؤشر على سقوط المهابة الأميركية.
بهدوء ستمضي المدّة الباقية من ولاية الرئيس ترامب دون مواجهات كبرى وتسويات كبرى، لكن بضجيج عالٍ، ومحور المقاومة لن يقابل الضجيج بالضجيج، ولا الحبر بالحبر، بل سيواصل البناء وتمتين التحالفات، وأهمها التحالف مع روسيا والصين وتشجيع تركيا وباكستان على المزيد من الاقتراب، والاستثمار على نتائج صمود اليمن، وتطوّر الموقف العراقي، وفي نهاية العام المقبل لكل حادث حديث، ويخلق الله ما لا تعلمون، بقي ترامب في البيت الأبيض أم لم يبق!