الحروب الإعلامية والحصار
غالب قنديل
بعد الطريق المسدود الذي علقت فيه الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية تلجأ الإمبراطورية الأميركية التي تقود عدوانا شاملا ضد مناهضي الهيمنة في العالم إلى استعمال عناصر تفوقها التكنولوجية والمالية بعدما أعدمت حيلتها في جميع أنواع الحروب الأخرى المباشرة وبالوكالة لقلب التوازنات العالمية الجديدة ولوقف التحولات الكبرى التي تنزع من بين اظافرها خيوط الهيمنة والتحكم .
الحروب الإعلامية التي شغلت امس حيزا مهما في كلمة قائد المقاومة السيد حسن نصر الله تحيط بنا من كل الجهات وتسخر في خدمتها جميع الأدوات المتاحة التقليدية والحديثة وخصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغايتها الواضحة هي تثبيط المعنويات وإثارة البلبلة وتعميم الشكوك وزرع اهتزاز الثقة بمتانة التحالفات بل هي تتضمن بث مواد ومعلومات مزورة ومختلقة على لسان قادة الكتلة العالمية المناهضة للهيمنة الأميركية الأحادية فما اكثر ما ينشر من مقالات وتقارير وتحقيقات مفبركة لخدمة تلك الأهداف ويجند في إنتاجها جيش من الكتبة وطابور من الوسائل الإعلامية المرتزقة والممسوكة ماليا ومخابراتيا.
فكرة زعزعة الجبهة المقابلة وفكرة الحرب النفسية هما من الأدوات التقليدية للحروب والصراعات في التاريخ اما الكذب والاختراع والتزوير فهي في التاريخ المعاصر وسائل لصيقة بحركتين كبيرتين ظهرتا في الغرب الاستعماري هما النازية والصهيونية ومن سيرتهما استنبط المحافظون الأميركيون الجدد وسائل مبتكرة وحديثة في قيادة الحروب.
تتلاقى الحروب الإعلامية مع تصعيد نوعي في الحصار الاقتصادي المفروض على معسكر مناهضي الهيمنة وقد بلغت العقوبات الأميركية ضد روسيا والصين وضد إيران وسورية درجة عالية من الشراسة بهدف معلن هو الخنق الاقتصادي والتفكيك من الداخل برفع مستوى الضغوط ومن تداعيات الموجة الأخيرة ضد إيران وسورية والتي كان موضوعها إسقاط الاعفاءات التي منحت سابقا ما يصيب مباشرة دولا مثل الصين وتركيا والهند وحتى كوريا الجنوبية الدائرة في الفلك الأميركي والتي تحتاجها واشنطن لمحاصرة كوريا الشمالية وفي الضغط على قيادتها الاستقلالية.
الحصار بالعقوبات الأميركية المصرفية يستند أيضا إلى ميزة حكمت العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وهي مركزية موقع النظام المصرفي الأميركي في شبكة معقدة من العلاقات المالية والمصرفية العالمية وطغيان الممر المصرفي الأميركي على التحويلات المالية والتجارية في العالم بسبب مكانة الدولار المركزية.
لأسباب متعددة تتقاعس القوى الكبرى المناهضة للهيمنة عن المضي قدما في طريق خلق البدائل والتحرر من الهيمنة المالية والمصرفية الأميركية ورغم كون العقوبات التي تفرضها حكومة الولايات المتحدة لا تتسم بصفة قانونية اممية يطغى الانصياع لها ولأحكامها على سلوك حكومات عديدة في العالم.
شكلت النافذة الأوروبية منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من معاهدة الاتفاق النووي الإيراني مدخلا محتملا لبلورة بدائل ضد الحصار الأميركي في النظام المصرفي العالمي الخاضع حتى الساعة لهيمنة أميركية واضحة ورغم إغراء الحوافز الروسية والصينية والإيرانية فقد ظلت الخطوات الأوروبية محدودة الأثر ولم ترق إلى مستوى بلورة بديل حقيقي يلبي حاجات الدول المستهدفة بالعقوبات بما فيها روسيا والصين اللتان حققتا خطوات مهمة في التنصل من نتائج العقوبات بقدراتهما الذاتية الهائلة وبفضل علاقات متشعبة على المسرح الدولي ونتيجة خطر التصادم الكبير الذي تخشاه واشنطن نفسها وهو ما يفسر مسارعتها للتفاوض مع الصين بعد موجة عقوبات شرسة.
في المعركة التي يخوضها محور المقاومة ضد الحصار الذي يستهدف سورية وإيران خصوصا ينبغي النظر بالخيارات الممكنة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا لقلب الطاولة على رأس حلف العدوان وقيادته الأميركية.
أولا تطوير مبادرات تتخطى الإيقاع الراهن للتدابير والإجراءات التي يغلب عليها التكيف مع الوقائع الجديدة دفاعيا ومحاولة تحصين الوضع الداخلي من تأثير البلبلة الإعلامية والسياسية ومعالجة المظاهر الاقتصادية الناتجة عن الحصار عبر تعميم ثقافة الصمود والمقاومة والصبر على المصاعب وابتكار البدائل.
ثانيا التفكير بإبداع ردود عسكرية تنقل زمام المبادرة إلى محور المقاومة وكتلة مناهضي الهيمنة الحليفة وهذا امر يتعلق بالتواجد الأميركي في العراق وسورية والخليج.
ثالثا ثمة شريك تجاري كبير لإيران وروسيا هو تركيا التي طالتها أضرار كبيرة من الموجة العقابية الأميركية الأخيرة وينبغي وضعها امام الاختيار الحاسم بين المعسكرين وفتح الطريق لحسم المعارك المعلقة او المتوقفة في الميدان السوري وهو ما يمثل ضرورة عسكرية وسياسية واقتصادية أساسا.
رابعا البحث الجدي في الخطوات الممكنة لرفع الكلفة الأميركية الناجمة عن تصعيد العدوان على الشرق بإنذارات عملية لا تستثنى منها إسرائيل التي تمثل مركز المنظومة الاستعمارية للهيمنة على المنطقة.
خامسا على محور المقاومة الخروج من هوامش الانتظار إلى المبادرة وينبغي ان نذكر جيدا كيف ألهم المقاومون اللبنانيون القيادة الروسية دروسا في المبادرة خلال حرب تموز وكيف اعتبر الرئيس فلاديمير بوتين صمود الرئيس بشار الأسد ضد العدوان الاستعماري في سنواته الأولى نموذجا يقتدى به في صلابة الإرادة الاستقلالية والخيار التحرري ضد الغطرسة الأميركية.
سادسا اختزال الرهان على الخيار الأوروبي وربطه بالخطوات العملية مقابل الحوافز انطلاقا من فهم طبيعة الحكومات التي تمسك بقرار الغرب الأوروبي المرتبط بهيمنة واشنطن منذ مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية .