فوز نتنياهو يمنحه مهلة للتصرف في مسألة ضمّ المستوطنات وغزة ديفيد ماكوفسكي
15 نيسان/أبريل 2019
أدّى فوز رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الانتخابات التي جرت في 9 نيسان/أبريل إلى تمهيد الطريق أمامه لتخطي ديفيد بن غوريون كالقائد الذي أمضى أطول فترة في الحكم في إسرائيل. فقد فاز “حزب الليكود” الذي يتزعمه وحلفاؤه في معسكر اليمين بـ 65 مقعداً في الكنيست الذي يضمّ 120 عضواً مقابل 55 مقعداً لكتلة الوسط. وتشير نظرة أولية إلى عدد أصوات ائتلافه الافتراضي إلى أنه سيواجه ضغوطاً داخلية أقلّ بشأن مسألة ضمّ أجزاء كبيرة من الضفة الغربية المثيرة للجدل للغاية، ما يمكّنه من منح الأولوية إلى العلاقات مع الولايات المتحدة. غير أن نقاط رئيسية أخرى قد لا تلاقي استحسانه.
الكفاءة قبل النزاهة
ربما يكون نتنياهو قد أمل في أن يوفّر له التصويت مصادقة شعبية على قيادته ويمنحه الموافقة الضرورية لمواجهة إدانته الأولية بالفساد. وإذ يُعرف غالباً بأنه من يصيغ إعلانات حملته الخاصة، أضفى طابعاً شخصياً على الانتخابات من خلال استخدام شعارات على غرار “نتنياهو، تحالف رفيع المستوى”، مشدداً على كفاءته وحزمه. وبدا واثقاً من أن الشعب سيتغاضى عن ادعاءات الفساد إذا ذكّره بقدرته على التحدث بنبرة صارمة وعلى إبقاء بلاده في الوقت نفسه بمنأى عن الحرب.
كما عوّل نتنياهو على حشد الدعم بفضل النجاح الاقتصادي في إسرائيل. فوفقاً لـ “البنك الدولي”، تخطى إجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد في البلاد 40 ألف دولار في عام 2017، متجاوزاً بذلك اليابان. باختصار، إذا انحصرت الانتخابات بالاختيار بين مسؤول تنفيذي مخضرم يتمتع بخبرة في السياسة ومرشح جديد يمتلك فقط خبرة عسكرية، راهن نتنياهو على أن الناخبين سيختارون سجله الحافل بغض النظر عن التهم الموجهة إليه.
أصدقاء في مناصب عليا
قبل يوم الانتخابات، أقرّ الرئيس ترامب علناً بضمّ إسرائيل مرتفعات الجولان في وقت استخدم فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاته مع سوريا لمساعدة إسرائيل في استعادة رفاة جندي فُقد في الحرب اللبنانية عام 1982. ورغم عدم وجود أي استطلاعات للرأي لدى الخروج من مراكز الاقتراع للتأكد مما إذا كانت هاتان الخطوتان بالتحديد قد ساهمتا في ميل دفة الأصوات لصالح نتنياهو، إلا أنهما كانتا بمثابة تذكير صارخ بالعلاقة الوطيدة التي تجمعه مع اثنين من أكثر الأشخاص نفوذاً في العالم.
يُذكر أن نتنياهو لجأ بالمثل إلى صداقاته مع قادة من البرازيل وقبرص واليونان إضافةً إلى أوروبا الشرقية وقادة خليجيين خلال “مؤتمر وارسو” الذي عُقد في شباط/فبراير. ولا شكّ في أن حشد الدعم الدولي يصبّ في مصلحة رئيس الوزراء نظراً إلى العدد الكبير من القادة الذين احتشدوا ضده خلال سباقه الانتخابي الأول الذي خاضه ضد شمعون بيريز عام 1996.
لا ثمن سياسي للسياسة تجاه غزة
واجه نتنياهو انتقاداً لسياسته حول احتواء «حماس» والسماح لقطر بتسهيل مساعدات شهرية بقيمة 15 مليون دولار للجماعة في غزة. مع ذلك، لم يقدّم خصومه أي بدائل جدّية لهذه السياسة. فلم يطلب أي حزب من إسرائيل شنّ غارات برية في غزة لطرد «حماس»، إذ تخشى الأحزاب ولأسباب وجيهة حتمية سقوط عدد كبير من الضحايا والشك في وجود أي قيادة بديلة (لا سيما بالنظر إلى تحفظ “السلطة الفلسطينية” في الدخول من جديد إلى المنطقة في أعقاب الدبابات الإسرائيلية). ورغم عدم رضا الإسرائيليين عموماً عن ردّ الحكومة على إطلاق الصواريخ من غزة في أواخر عام 2018، راهن نتنياهو على أن الحديث عن هجوم بري لن يكون مستساغاً محلياً.
وأتى هذا الرهان بثماره: فحصد نتنياهو نتائج مرتفعة في أوساط الناخبين الإسرائيليين في المناطق الجنوبية المحاذية لقطاع غزة. وقد صوّت العديد من المواطنين أنفسهم الذين اشتكوا من إطلاق الصواريخ لصالحه بدلاً من المرشحين الذين انتقدوا مقاربته إزاء هذه المسألة. ولم تكن نتائج الحزبين اللذين ازدريا إلى حدّ كبير هذا الاحتواء جيدة؛ فأحدهما لم يتجاوز حتى النسبة الحاسمة للانتخابات المحددة عند 3.25 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.
نتائج سيئة لليمين المتشدد
خلال اجتماعاته مع مسؤولين أمريكيين وأجانب آخرين، غالباً ما يتحسّر نتنياهو على القيود السياسية التي يواجهها من اليمين. لكن بعض هذه القيود مفروضة ذاتياً، على غرار فشله المتكرر في جلب الوسطيين إلى حكومته الائتلافية السابقة.
على أي حال، تراجع عدد المقاعد التي فازت فيها الكتل من حزبه اليميني خلال انتخابات هذا العام. فقد أتت نتائج أحد الأحزاب الذي دعا إلى بناء “معبد يهودي ثالث” دون النسبة الحاسمة للانتخابات بكثير، وكذلك هو الحال بالنسبة للناقد المتشدد البارز نفتالي بينيت، وزير التربية الذي نالت كتلته ثمانية مقاعد في الحكومة السابقة (ويدعو لإعادة فرز الأصوات).
ويمكن أن يعزا هذا التراجع إلى تصريح نتنياهو المثير للجدل على نحو كبير خلال الأيام الأخيرة من حملته والذي قال فيه إنه مستعد للنظر في عمليات الضمّ الشاسعة التي تدرسها إسرائيل لقسم كبير من الضفة الغربية – وهي ملاحظة قد تكون سحبت البساط من تحت أقدام الأحزاب اليمينية المتشددة. ويتشاطر معظم أعضاء “حزب الليكود” رغبة اليمين المتطرف في ضمّ كافة المستوطنات في الضفة الغربية، لكنهم لطالما سلّموا الأمر لنتنياهو في هذه المسألة. الآن وقد خرج من الانتخابات أقوى بصورة أكبر، تتراجع احتمالات أن يشجعوه في هذه المسألة على المدى القريب، في وقت تفتقر فيه كتل اليمين المتشدد إلى عدد المقاعد الكافي الذي يخوّلها إصدار أي إنذارات نهائية بنفسها. فضلاً عن ذلك، حرص نتنياهو على تجنّب إغضاب الرئيس ترامب بشأن كل مسألة تقريباً، لذا من المستبعد أن تباشر حكومته المقبلة منذ البداية بضمّ المستوطنات وإفساد خطة السلام الناشئة التي وضعتها واشنطن.
باختصار، لا يفتقد نتنياهو إلى الحيلة من الناحية السياسية لمقاومة اقتراحات الضم الشاملة التي من شأنها أن تحوّل فعلياً إسرائيل إلى [دولة على غرار] البوسنة. وإذا تمّ كشف النقاب عن خطة السلام الأمريكية ولكنها تعثّرت، قد يدفع باتجاه عمليات ضمّ انتقائية على مقربة من خطوط وقف إطلاق النار لعام 1967. ولكن حتى في هذا السياق، لن يُقدم حقاً على تطبيق مثل هذه التدابير من دون موافقة واشنطن – للأسباب نفسها التي دفعته إلى تجنّب رسمياً ضمّ شبراً واحداً من الضفة الغربية خلال ولاياته السابقة. وإذا حدثت عمليات الضمّ، ستنبع عن قرار واعٍ من جانبه، وليس عن قوى محلية خارجة عن سيطرته.
رد فعل عنيف من اليهود الأمريكيين؟
للمرة الأولى منذ ثمانينيات القرن الماضي، لم تحصد أي من أحزاب اليمين الأصغر حجماً في إسرائيل مقاعد مزدوجة الرقم. مع ذلك، حصد حزبان متدينان متطرفان، هما “شاس” و”يهودية التوراة المتحد”، مجتمعان 15 مقعداً. ويعتبرهما نتنياهو شريكين مناسبين للائتلاف إذ يركزان أكثر على تمويل مدارسهما ومشاريعهما الخاصة بالرفاه الاجتماعي أكثر منه التأثير في السياسة الخارجية أو المجال الأمني. لكن نظراً إلى قوتهما الانتخابية، فالسؤال هو هل سيدفعان ثمناً لمساهمتهما في فوز الائتلاف؟
وبالفعل، يبدو أن التوترات بين الدين والدولة هي المجال الوحيد الذي يمكن أن يسود فيه الخلاف في حكومة نتنياهو المتماسكة. وقريباً، سيحضّ أفيغدور ليبرمان، رئيس الكتلة الائتلافية “إسرائيل بيتنا”، على سنّ قانون من أجل فرض غرامات مدنية أو أكثر على العديد من اليهود المتشددين الذين لا يخدمون في الجيش كما هو مطلوب من المواطنين الإسرائيليين الآخرين. وستعارض الأحزاب المتشددة بقوة هذا التشريع. كما من الممكن أن تتجاوز الحدود على نحو أكبر من خلال السعي إلى فرض قيود على الاتجاهات الدينية غير المتشددة الأمريكية المنشأ عموماً في إسرائيل (على سبيل المثال، الجماعات اليهودية الإصلاحية أو المحافظة). وإذا حصل ذلك، قد يؤدي الأمر إلى خلاف مع اليهود الأمريكيين غير المتشددين في الدرجة الأولى. كما سيشعر العديد من اليهود بالاستياء في حال عيّن كبير مساعديه ياريف ليفين في منصب وزير العدل الجديد، نظراً إلى أن هذا الأخير لم يخفِ نفوره الكبير إزاء الاستقلال عن الجسم القضائي في إسرائيل.
مخاطر الكبرياء
لا يمكن أن يغيب عن بال نتنياهو أن أكثر من مليون إسرائيلي صوتوا لصالح حزب “أزرق أبيض”، في لائحة لم تتواجد حتى إلا قبل أسابيع من الانتخابات. وكان الخبراء قد توقعوا أن يحصد الحزب بين 25 و30 مقعداً، ولكن انتهى به المطاف في الفوز بـ 35 مقعداً، في إشارة واضحة إلى الخصومة العامة للشعب تجاه نتنياهو. وبالكاد يُعزا هذا الشعور إلى المسائل الاقتصادية أو السياسة في المنطقة، نظراً إلى أن أداءه في هذه المجالات كان جيداً بكل المقاييس؛ بل هو نابع على الأرجح من ردّه المستفحل على تحقيقات الفساد وافتقاره إلى أي خطة للتحرك بصورة تدريجية حول القضية الفلسطينية. لذلك، إذا حاول نتنياهو استخدام المناورات البرلمانية لتخليص نفسه من لائحة الاتهام في الأشهر المقبلة، فسيقوم بتعميق غضب الإسرائيليين الذين يرون بلادهم متجذرة في سيادة القانون.
ديفيد ماكوفسكي هو مدير “برنامج العلاقات العربية – الإسرائيلية” في معهد واشنطن، والمؤلف المشارك (مع دينيس روس) للكتاب القادم “كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها“