لاتنسوا إسرائيل
غالب قنديل
في كل حدث لبناني “داخلي” منذ نكبة فلسطين يتوافر لمن يدقق ما يؤشر إلى أصابع صهيونية غربية تخدم منظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة وأحيانا تعاملت احزاب لبنانية وقوى سياسية وشعبية مع الأمور وكأن ما يجري في الداخل معزول عن التشابكات والتناقضات الدولية والإقليمية المركبة التي تحيط بلبنان البلد الصغير والخاضع للهيمنة الأجنبية في نظامه السياسي منذ ما سمي بالاستقلال عن الانتداب الفرنسي. اليوم وبعد اكثر من نصف قرن على أزمة انترا المصرفية والمالية يدرج المحللون مصالح إسرائيل في خلفيات التسبب بانهيار كبير بهذا الحجم في مؤسسة توسعت استثماراتها واستقطبت رساميل خليجية في مطلع الفورة النفطية ويربط البعض بين ذلك الحدث المصرفي والعدوان الصهيوني على مطار بيروت وتدمير أسطول شركة الطيران الوطنية في الفترة ذاتها وما تراكم بعد ذلك من احداث واضطرابات مهدت لحرب “لبنانية” مدمرة.
ماذا تخشى إسرائيل في الواقع اللبناني وآفاق تطوره المحتملة؟ السؤال الذي ينبغي طرحه قبل الاستغراق في النقاشات التقنية عن أزمة مالية يدرك العارفون أربابها ورعاتها ومن يستثمرون سياسيا في نتائجها لضرب المناعات الوطنية التي أربكت العدو وأفشلت خططه ومشاريعه في المنطقة.
– المقاومة التي تطورت قدراتها الرادعة وحصدت الانتصارات في مجابهة الإرهاب التكفيري تمثل الخطر الأول لدى إسرائيل والولايات المتحدة وسائر دول غرب اوروبا حتى تلك التي ينافق قادتها في علاقات مسايرة دبلوماسية مع حزب الله لحماية خطوط التفاوض المحتمل وهذه المقاومة هي بالتالي الهدف الأول المطلوب رأسه في لبنان وزعزعة قواعد ارتكازه وتحالفاته التي توفر طوق احتضان وحماية سياسية لهذا الخيار وللمعادلة الداخلية التي قامت في السنوات الأخيرة.
– الجيش اللبناني الذي لعب دورا رئيسيا في التصدي للتهديد التكفيري والصهيوني ولم تفلح المحاولات الأميركية الحثيثة في الفك بينه وبين المقاومة أو في إضعاف درجة التماسك والشراكة بينهما رغم الضغوط والتدخلات التي اصطدمت بمعادلة سياسية قوية ومتينة وفي ظل تناغم بعض فرقاء السلطة مع المحاولات الأميركية المتكررة.
– يتركز الاهتمام الأميركي والغربي في لبنان على فرض واقع سياسي يواكب ما يسمى صفقة القرن وما فيها من حصة لبنانية لتصفية حق العودة وتنفيذ خطط التوطين وتصعيد الضغط ضد سورية بمنع عودة النازحين وفي هذا السياق يمكن فهم كل ما دار ويدور في فلك العقوبات الأميركية والضغوط الغربية على لبنان ماليا واقتصاديا.
– يشكل احتمال تشبيك لبنان اقتصاديا مع الجوار ومع دول الشرق الكبير انطلاقا من سورية خطرا جديا على منظومة الهيمنة الغربية الصهيونية في المنطقة ولذلك يتحول خبر صغير عن وفد صيني في البقاع وعن عقد روسي في الشمال إلى قضية امن قومي اميركي تثيرها سفيرة الولايات المتحدة مع بعض المسؤولين مرفقة بجرعات من التهديد العدائي الذي حفظ في الكواليس.
– على خلفية توفير الظروف التراكمية المناسبة لحرب صهيونية محتملة ضد منظومة المقاومة والدفاع تحرص الولايات المتحدة ودول الغرب على الاحتفاظ بجميع ادوات الضغط السياسي والاقتصادي لضرب المناعات الدفاعية اللبنانية ولذلك ليس من الفراغ أن تتصاعد العقوبات الأميركية بعنوان صريح هو إضعاف حزب الله واستنزافه وان يستثمر انصياع المؤسسات اللبنانية كافة لأوامر الوصاية الأميركية بواسطة مصرف لبنان في محاصرة مؤسسات المقاومة الإعلامية والاجتماعية.
– ليس من المصادفة ان يثير خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي واوصياء سيدر في سياق الأزمة المالية والاقتصادية تركيز تدابير التقشف على موضوع تعويضات العسكريين وهم يعلمون ان ذلك يسدد ضربة معنوية ومادية للجيش اللبناني كركن في منظومة الدفاع الوطني رغم ان توصياتهم تجاهلت العديد من مظاهر الهدر وتركزت على أبواب الانفاق التي يسبب استهدافها تداعيات اجتماعية واضطرابات غير عادية تمس الاستقرار السياسي كسلسلة الرواتب بينما تحاشوا المس بمكتسبات الطغمة المالية والمصرفية وما تنعم به من جنة ضريبية.
– بعد هزيمة غزوة التكفير ينصب الجهد الاستراتيجي الأميركي الصهيوني على تعطيل أي تواصل جغرافي او اقتصادي بين دول المنطقة قد يعني توسعا لمحور المقاومة وثمة خشية مكشوفة من توجه لبناني نحو سورية وإيران والعراق قد يجعل أي حرب أميركية صهيونية مقبلة تصطدم بعقد كبرى نتيجة مثل هذا التشابك وبالتالي يجري استثمار المتاعب الاقتصادية والمالية لترسيخ دعائم الهيمنة السياسية الأميركية والغربية على لبنان وهذا هو مضمون وصاية سيدر.
إن إخراج لبنان من المأزق الراهن يتطلب طلاقا جذريا وشاملا مع السياسات والخيارات التي أغرقت البلد وبددت فرص التنمية وقوضت عناصر الاستقلال والسيادة وعزلته عن شركائه في الجوار الإقليمي طوال العقود الثلاثة التي اعقبت اتفاق الطائف وستبقى قاصرة عن إنتاج حلول جدية جميع التسويات بين المنطقين المتناقضين: منطق الاستقلال والمقاومة ومنطق الارتهان والتبعية.