التهديد الأميركي والعلاقة بالصين
غالب قنديل
بعيدا عن الجدل الضروري حول تقصير السلطات اللبنانية في تطوير علاقات اقتصادية جدية مع سورية وإيران كأولوية بحكم القرب الجغرافي والتشابك السكاني والاقتصادي المتواصل من قرون وعقود طويلة والترابط الثقافي بجميع أبعاده البعيدة والقريبة تثير علاقة لبنانية ناشئة مع الصين غيظا وغضبا اميركيا كبيرا بعدما نشر في الصحف من أخبار قليلة عن قدوم وفود من شركات صينية مهتمة بلبنان وبإنشاء قواعد ارتكاز لمساهمة صينية ضخمة متوقعة دوليا في ورشة إعمار سورية بعد الحرب وكانت قد ظهرت بعض التقارير الصحافية القليلة عن زيارة قام بها وفد كبير من الشركات الصينية وقيل إنه استكشف منطقة البقاع وتحدث إلى المراسلين عن وجود أفكار لإقامة مجمعات سكنية ومطار وشبكة نقل تربط اماكن سيتواجد فيها مهندسون وخبراء وفنيون صينيون سيأتون للمشاركة في مشاريع على الأراضي السورية.
هذه المرة نقلت التوبيخات والتحذيرات الأميركية رسميا بواسطة السفيرة أليزابيت ريتشارد ما يعطيها اهمية مضاعفة وما نقل عنها من اعتبار النشاط الصيني تهديدا للمصالح الأميركية في المنطقة ويبدو ان المسألة تحمل معها بوادر ازمة تنطوي على تهديدات من واشنطن بتحريك ادوات ابتزاز تتصل بملفات قروض سيدر إذا لم تقم السلطات اللبنانية بتدابير عاجلة لإغلاق بوابات الانفتاح على الصين وقد نقلت بعض الصحف المحلية عن بعض المسؤولين الكبار رغبتهم بتهدئة المخاوف الأميركية وخشيتهم من العواقب.
الشراكة التي تعرضها الصين على دول العالم وخصوصا في منطقة حوض المتوسط الشرقي التي تشمل لبنان وسورية تتضمن حوافز مالية وفرصا تنموية عديدة أشد ما نحتاج إليها في ظروفنا الحاضرة وميزة الشراكة الممكنة مع الصين انها لا تنطوي على شروط سياسية تمس سيادة الدول أوتنتقص من قضاياها وحقوقها الوطنية خلافا للولايات المتحدة التي تمارس سياسة هيمنة واستعمار ضد جميع دول العالم الكبيرة والصغيرة وما الموقف الأميركي المستجد من الانفتاح اللبناني المحتمل على الصين سوى نموذج لوصاية أميركية متغطرسة ينبغي رفضها والتصدي لها بكل حزم.
مصلحة لبنان تقضي بتقديم الحوافز لمجرد احتمال اتخاذ القرار الصيني بإيجاد مرتكز لبناني للشركات التي تعتزم المساهمة في إعادة بناء سورية وستكون مراكز التواجد الصيني الإداري والفني بحاجة إلى شبكة خدمات ستنعش المناطق التي ستقام فيها وتوفر فرصا جدية لتنشيط الدورة الاقتصادية وهذا ما يجب ان يتمسك به اللبنانيون وان يسعوا إليه ويحفزوا الصين على التفكير به وان يعرضوا سلسلة إعفاءات وتسهيلات للشركات الصينية الراغبة في المشاركة بورشة ضخمة يتوقع ان تدوم لسنوات غير قليلة وتلك فرصة مذهلة للبنان واقتصاده ولفرص العمل المتاحة امام شبابه المتطلع إلى الهجرة التي تتقلص فرصها في جميع البلدان. بكلمات واضحة نقول: أيها اللبنانيون الولايات المتحدة تهدد حكومتكم لتغلق عليكم فرصة انتعاش أنتم بأمس الحاجة إليها وعليكم أن تفهموا السياسيين بأن من يتجاوب مع الضغوط الأميركية يفرط بالمصالح الوطنية اللبنانية ويجب أن يحاسب لتقديمه مصالح الهيمنة الأميركية على مصالح بلده وشعبه.
ليس صحيحا أن لا بدائل أخرى للصين ولشركاتها في حال أغلقت أمامها المنافذ اللبنانية او جرى تضييقها فالأردن والعراق يتمنيان فرصة مماثلة وهما على صعيد القرب الجغرافي يشبهان لبنان الذي يطالبه الأميركيون بالتخلي عن مزاياه التي تجعل الانتقال منه إلى سورية أقل كلفة من حيث الوقت والمال وكذلك عن الخصائص التي توفر للأطقم المقيمة فيه فرص الحصول على خدمات متعددة تسهل العمل والإقامة بصورة أفضل.
على لبنان التفكير جديا بالانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية لنيل ما فيها من حوافز وعلى السلطات اللبنانية دراسة خيار التفاوض مع الصين على مشاريع كثيرة يمكن الحصول على فرص تمويلية لها كسكك الحديد والقطارات على الصعيدين الوطني وفي الربط الإقليمي مع سورية والعراق وفي منظومات الاتصالات والشبكات الرقمية بل واكثر إن لدى الصين قدرة مالية على إدارة تمويل سلة الدين العام وتحصيل قيمتها بعائدات استثمارية للشركات الصينية من مشاريع يجري الاتفاق عليها وسبق للصين ان قدمت هذا النوع من السلال المالية والاستثمارية لدول في اوروبا الشرقية والوسطى وفي غرب أفريقيا وكذلك إلى العديد من الدول الآسيوية.
الإرادة الاستقلالية اللبنانية تواجه اختبارا جديا وخطيرا امام الوصاية الأميركية في ملفي العلاقة مع الصين وروسيا فما نقل أيضا من التهديدات الأميركية التي سربتها عوكر بعد زيارة الرئيس ميشال عون إلى موسكو انطوى على تدخل سافر في ملفات تسليح الجيش اللبناني والتنسيق المحتمل مع الأسطول الروسي المتواجد قبالة المياه الإقليمية وفي جوار المنطقة الاقتصادية البحرية التي تهددها إسرائيل وتحاول الهيمنة عليها بل اكثر من ذلك بلغت الوقاحة الأميركية حد شن حملة تهويل بعد نشر خبر عن مستودعات النفط والغاز التي لزمت عملية تحديثها لشركة روسية وما تردد عن احتمال تشغيل انبوب نفط العراق الذي كان موضع نقاش خلال زيارة الرئيس نبيه بري إلى بغداد.