التذاكي على الرواتب مردود سلفاً: ناصر قنديل
– ليس من لبناني يوافق على الهدر ومزاريب الإنفاق المفتوحة على المحاسيب، ولا من لبناني يقبل بأن يترتب على الدولة مال بلا مقابل يؤدّيه من يحصل على هذا المال، وليس من لبناني يرضى بأن يكون في الوزارات والمؤسسات من يقبضون رواتب وتعويضات، لأن السياسة حشرتهم في لوائح الموظفين ورواتبهم، لكن حذار من التلاعب بالكلمات والتعميم والتهويل، فتحت شعار أن التلكؤ في ترتيب الوضع المالي سيطلق سعر الصرف من الثبات ويدفع اللبنانيون بالتالي ثمن عدم قبول أن يطالهم التقشف، يُخفي نيات غير مريحة حول وجهة التقشف واستهدافاته. ومثلها الحديث عن أن رفض الموظفين خسارة جزء من عائداتهم يهددهم بخسارة الكل، وهذا يعني أن هناك نيات ليطال التخفيض في الرواتب كل الفئات بلا تخصيص. وهذه بداية خراب عام سيسقط معها هيكل الدولة قبل أن يسقط سعر صرف الليرة، والتهديد لا يفيد في منع السقوط، فقد سلم اللبنانيون مصيرهم لقيادة سياسية حمّلت البلد واقتصاده أثماناً باهظة من الديون والفوائد بذريعة حماية سعر الصرف، ولن يكون مقبولاً ابتزاز اللبنانيين بسعر الصرف الذي دفع اللبنانيون ثمنه لسنوات مقبلة سلفاً، ولا أن تتم مساومتهم على الاختيار بين الجزء والكل في اختيار الخسائر .
– خارج الرواتب توجد كتل مالية تزيد عن مليار دولار سنوياً يمكن الاستغناء عنها، تطال إجراءات مؤلمة، لكن ليس للشعب اللبناني، مثل إلغاء دعم كل الجمعيات بلا استثناء والمؤسسات غير الربحية والمهرجانات الفنية والثقافية، وإلغاء نفقات سفر الوزراء والموظفين بلا استثناء، وإلغاء نفقات العلاقات العامة والإعلان والمتفرقات في كل الوزارات والمؤسسات التابعة للدولة والمملوكة منها، وخصوصاً شركتي الخلوي ومصرف لبنان وما يتفرّع عنه من شركات يدير أموالها، وتحديد سقف لتعويضات السفراء ونفقات السفارات من بدلات الإيجار إلى النفقات الجارية، وكلها لها بدائل تحقق أهدافها بدون أن تتحمل الدولة هذا الإنفاق المترف. فالجمعيّات والمهرجانات التي تستحق الحياة وتشكل جزءاً من الخدمة العامة، يسهل إيجاد مصادر لتمويلها من القطاع الخاص والمساعدات الدولية، ورحلات الوزراء والمؤسسات ومشاركتهم في المؤتمرات والمعارض يمكن تنظيمها بالتنسيق مع القطاع الخاص والجاليات المقيمة لتكون مرتبطة بتسويق الإنتاج اللبناني والاهتمام بشؤون اللبنانيين المهاجرين، وما لا يحقق واحدة من هاتين لا مبرر له أصلاً في ظروف لبنان الراهنة، وليس أكثر من ترف بلا سبب، ونفقات العلاقات العامة والإعلان أغلبها تنفيعات ومحسوبيات لا تخضع لمعايير سواها.
– خارج لقمة عيش اللبنانيين، خصوصاً ذوي الدخل المحدود توجد مصادر دخل وإيرادات تحقق رقماً موازياً أي مليار دولار آخر، وهي ببساطة الذهاب للضريبة التصاعدية على الدخل في ما يخص الأفراد والشركات. وهنا لا يحتاج الأمر لتحليل مالي في بلد تحقق فيه أول مئة شركة كبرى أرباحاً تزيد عن خمسة مليارات دولار سنوياً، وفقاً لأرقامها الرسمية، ومن بينها مصارف كبرى، وشركات تملك الدولة ويملك مصرف لبنان بعضاً منها، كشركتي الخلوي وسواها، ومجرد إخضاع هذه الأرباح لضريبة 25 على الشطور التي تتعدّى من الأرباح المئتي مليون ليرة سنوياً، سيوفر المليار دولار للخزينة، والنسبة أقل من أي نسبة مطبقة ضرائبياً في أي بلد من بلدان العالم الذي يوجه إلى دولتنا النصائح حول الإصلاح والتقشف.
– نصل إلى الرواتب والتعويضات، التي تحتاج إلى ترشيق بالتأكيد، ويكفي فيها رسم خطين أحمرين، الأول كل من يتقاضى مجموعاً من الراتب والتعويضات دون الثلاثة ملايين ليرة شهرياً لا يطاله أي تخفيض، والثاني ممنوع أن يزيد مجموع ما يتقاضاه اي موظف من رواتب أو بدلات متعدّدة أو تعويضات إضافية مهما كانت مسمّياتها عن أصل الراتب، بحيث يمنع أن يتقاضى كإجمالي راتب وتعويضات إضافية مباشرة وغير مباشرة أكثر من ضعف راتبه، ومثلما يوضع سقف للحدّ الأدنى يُضاف سقف للحد الأقصى، بحيث لا يتخطى مجموع ما يتقاضاه أي موظف أو مستشار أو عضو هيئة ناظمة أو حكومية أو في شركة مملوكة للدولة، عسكرياً أو مدنياً، ما يزيد عن ثلاثين مليون ليرة شهرياً. وطريق الضبط بسيط بجعل كل مقبوضات أي تعويض على رقم مالي واحد لكل موظف أو متعاقد عسكري أو مدني، وهل هذا رقم قليل في بلد تقولون إنه يحتضر وتهددون بسقوط هيكله على رؤوس الجميع؟
– هل يعلم اللبنانيون أن تطبيق هذا الترشيق على الرواتب والتعويضات سيعني تخفيضاً في الإنفاق يقارب نصف مليار دولار من قيمة ما تنفقه الدولة، وأن ما يطال التضخم في تعويضات العسكريين يأتي من هنا وليس من رواتب الجنود والرتباء وصغار الضباط؟
– إذا احتجتم بعد كل هذا إلى حسم على الرواتب أو التعويضات فليكن على من يزيد راتبهم أو مجموع تعويضاتهم عن الثلاثة ملايين ليرة وبنسبة تصاعدية لما يزيد عنها فقط دون أي تلاعب ودون تذاكٍ، أي 10 على ما بين 3 و10 ملايين و20 على شطر ما بين 10 و20 مليوناً و30 على شطر ما بين 20 و30 مليوناً، وهذا ربع مليار دولار إضافي!
– لم نتحدث عن أي بند من استعادة المال المنهوب أو الضائع بعد فلماذا مدّ اليد إلى جيوب الفقراء والتجرؤ على تهديدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور؟