ثلاث خواطر بقلم: ابراهيم عوض
أكثر من خاطرة راودتني وأنا أهمُّ بكتابة “حديث الأربعاء” لهذا الأسبوع أبدأ بسردها على الشكل التالي
:
الخاطرة الأولى تتعلق بالانتخابات النياببة الفرعية المنوي اجراؤها في طرابلس يوم الأحد المقبل في الرابع عشر من الشهر الجاري. والانطباع الأول الذي يخالجني هو أن لا منافسة جادّة هذه المرة، كما حصل إبان الانتخابات النيابية الأخيرة وشاهدنا خلالها حرب “داعس والغبراء” بين اللوائح، خصوصاً بين واحدة يترأسها الرئيس نجيب ميقاتي وأخرى محسوبة على الرئيس سعد الحريري، استُخدِمت خلالها كافة أنواع الأسلحة السياسية والاتهامات المتبادلة حتى ظننا أن القطيعة وقعت حكماً بين الرئيسين، ولا يمكن بعدها لأي عطّار أن يُصلح ما أفسده السباق الانتخابي ليتبين لاحقاً، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، أن الصُلح سيد الأحكام. ورحم الله صاحب هذا القول، الذي استعان به فور توليه رئاسة الحكومة في السبعينيات، عنينا به الرئيس الراحل تقي الدين الصلح صاحب الطربوش الذي لم يغب عن رأسه، وربما كان آخر من اعتمره في لبنان.
“ما محبة الا بعد عداوة” عبارة يرددها اشقاؤنا المصريون. وهم محقون في ذلك. فها هما المتصارعان (سابقا) يصبحان حليفين اليوم. يشبكان الأيدي ويطلقان النفير ويحثان مناصريهما ومريديهما على انتخاب السيدة ديما جمالي، مرشحة “التيار الأزرق” التي طعن المجلس الدستوري بنيابتها، ولم يثبِّت الطاعن مكانها، الدكتور طه ناجي، تاركا الامر لأصوات الناخبين الطرابلسيين الذين يتعاطون مع الاستحقاق هذه المرة ببرودة ظاهرة وربما هم محقون في ذلك. إذ أن الحماوة مفقودة في هذا الاستحقاق لأكثر من سبب لا أود ذكرها بعد باتت على كل شفّة ولسان. لكن اختصرها بكلمة الإهمال.. الإهمال المزمن للمدينة بصورة خاصة وللشمال بشكل عام. ولا أظن ان انتخابات فرعية “حتشيل الزير من البير” علما أن هناك من ذهب بها بعيدا واعتبرها استفتاء لشعبية الرئيس سعد الحريري نفسه، بعد أن عدل عن تصويرها بمعركة “كسر حزب الله” في طرابلس. ولا داعي لمزيد من الشرح فالمكتوب يُقرأ من عنوانه ويوم الأحد لناظره قريب..
خاطرة ثانية استوقفتني وأنا اشاهد، في سياق نشرة أخبار متلفزة، أن إنجازاً حصل في عهد المجلس البلدي الحالي في طرابلس تمثل بقرب وضع اشارات ضوئية في شوارع المدينة الرئيسية لتنظيم حركة السير فيها.
يا له من إنجاز نتغنى به، في وقت يستعد فيه الانسان لزيارة المريخ بعد ان وطأت قدماه سطح القمر. وهل من المعقول في زمن التكنولوجيا المتطورة التي جعلت من العالم قرية في متناول اليد عبر جهاز كمبيوتر أو هاتف جوال يدير بك الدنيا وانت قابع في مكانك ويأتيك بالمعلومة التي تريد في لمح البصر ولا فانوس علاء الدين أن تصبح الاشارات الضوئية منظمة للسير إنجازا فيما هي متوفرة في أكثر البلدان فقرا وعوزاً وتقهقراً؟!.
وعلى ذكر الاشارات هذه المرتبطة بالكهرباء نسأل متى ننعم بالأخيرة، حيث الانجاز الفعلي هنا، في زمن بات الاتكال على الطاقة الشمسية متقدما في العديد من الدول حتى غير المتطورة منها.
الخاطرة الثالثة، فُرِضت عليّ هذه المرة ولا بد من التعرض لها، بعد أن أثارت المقالة التي كتبتها بعنوان “نزوح غير شكل” حفيظة من أطلقت عليه اسم “ابو يوسف” من دون أن اعنيه تحديدا، لأصف واقعا مفاده ان ليس كل الأخوة السوريين النازحين هم في حالة يرثى لها. أذ أن بينهم من اغتنى او بات ميسورا بفضل جهده وكده، كحال صاحبنا “أبو يوسف” الذي فتح دكاناً صغيراً لبيع الفاكهة والخضروات وأضحى اليوم يملك “امبراطورية” في هذه المصلحة، بعد أن ابتاع ثلاثة متاجر مجاورة لدكانه، ورابعاً جديداً خصّه لبيع العصائر الطازجة ومتفرعاتها من مأكولات وقوالب حلوى.
“ابو يوسف” جاري في بيروت، الذي اتخذت منه مثالا لتبيان ما عنيت به، امسك بي قبل أيام وحدثني بكل لطف ولباقة قائلاً: “يا جار.. اود ان ألفت نظرك بعد أن قرأت مقالتك بأنني لم آتِ لبنان حديثاً، أو بعد بدء الأحداث في بلدي سوريا، بل انا مقيم فيه منذ العام 1994. وقد عملت واجتهدت وعانيت ما عانيته حتى وصلت الى ما انا عليه. أما ما ذكرته عن إيتاني بكثير من أفراد عائلتي للعمل معي والاقامة هنا فصحيح“.
ردي على الجار كان مقتضباً، حيث اوضحت له وأكدت بأنه ليس المقصود تحديداً. فهناك عشرات وريما مئات من “ابو يوسف” في لبنان اليوم يتعاطون مِهناً مختلفة ويتاجرون وعلينا ان نحسب حسابهم في كلامنا عن النازحين. ونشير الى ان هؤلاء لا يرغبون بالعودة الى بلدهم وهذا ما قصدته في ما كتبته لا أكثر ولا أقل.
وعلى ذكر النزوح والمقالة المذكورة تحديداً فقد تلقيت من صديق باحث دراسة موجزة يشرح لي فيها ان كلمة نازحين لا تنطبق على الأخوة السوريين الذين قصدوا لبنان هرباً من نيران الحرب التي اندلعت على أرضهم وأكلت البشر ودمرت الحجر. ونظراً لأهمية الدراسة وتصحيحاً للخطأ الشائع الذي نرتكبه أعرض في الأسطر التالية أبرز ما ورد فيها تعميما للفائدة.
يقول صديقي الباحث الأستاذ عبد الفتاح الخطاب:
يستعمل السياسيون ووسائل الاعلام تعبيرين متباينين هما “نازحون” و”لاجئون” لتعريف السوريين الذين انتقلوا إلى لبنان بسبب الأحداث في سوريا. وهذا التباين يحدث إما بسبب عدم الاطلاع على التعريف الصحيح للمصطلح، أو لأسباب مقصودة ومآرب خفية.
يعرَف النزوحDisplacement بأنه حركة الفرد أو المجموعة من مكان إلى آخر داخل حدود الدولة، وكذلك يعرَف النازحون بأنهم “الأشخاص الذين أجبروا على هجر ديارهم أو أماكن إقامتهم المعتادة فجأة أو على غير انتظار بسبب صراع مسلح أو نزاع داخلي أو انتهاكات منتظمة لحقوق الإنسان أو كوارث طبيعية أو من صنع الإنسان وهم لم يعبروا حدود أية دولة معترف بها دولياً“.
يعرّف اللاجئ Refugee حسب ما جاء في قانون تنظيم اللجوء رقم 45 لسنة 1974م (قوانين معتمدية اللاجئين)، تشمل كل شخص يترك القطر الذي ينتمي إليه بجنسيته، خوفاً من الاضطهاد أو الخطر بسبب العنصر أو الدين أو عضوية جماعة اجتماعية أو سياسية أو خوفاً من العمليات الحربية أو الاعتداء الخارجي أو الاحتلال أو السيطرة الأجنبية أو الاضطرابات الداخلية، ولا يستطيع أو لا يرغب أحد بسبب ذلك الخوف من الرجوع إلى قطره، أو كان لا جنسية له ولكنه ترك القطر الذي يقيم فيه عادةً بسبب تلك الأحداث ولا يستطيع أو يرغب بسبب الخوف في العودة إليه. ويشمل مصطلح (لاجئ) أيضاً الأطفال الذين لا يصحبهم كبار أو الذين هم أيتام حرب أو الذين اختفى أولياء أمورهم ويوجدون خارج الأقطار التي ينتمون إليها.
إن اللجوء والنزوح رغم أنهما كليهما من العناصر التي تقع ضمن عملية الحراك السكاني إلاَ أنهما تختلفان فيما بينهما في الحقوق والواجبات، فالنازحون لا يكتسبون وصفاً قانونياً يوفر لهم الحماية لكونهم نازحين، وذلك لعدم وجود قانون دولي يعرّف النازحين ويحدد حقوقهم يعادل أهمية اتفاقية جنيف لسنة 1951 التي تحمي اللاجئين.
(عن “البيان” الطرابلسية)