التطرف الصهيوني والانهيار العربي
غالب قنديل
أكدت وقائع الانتخابات الصهيونية حقيقة الاستقطاب الجاري في كيان العدو الغاصب صوب الاتجاهات الأشد تطرفا وعدوانية والسقوط التام لجميع التسويات الافتراضية التي اعتاشت على ترويجها الرجعية العربية من يوم شعار السادات عن 99 بالمئة من اوراق الحل بيد أميركا وما تبعه من اتفاقات الاستسلام العربية للعدو ولشروط الهيمنة الصهيونية وصولا إلى أوسلو ومؤامرة تدمير سورية التي جاءت تتويجا لمحاولات اميركية صهيونية مستميتة فشلت طيلة ثلاثين عاما في كسر إرادة المقاومة والتصميم على التمسك باستعادة الأراضي العربية المحتلة وهو الخيار الذي جسدته سورية بصلابة فاستظلت بها حركات المقاومة التي توجت نضالاتها ببلورة قدرات هائلة على ردع العدو وانتزاع زمام المبادرة من يده.
منذ اغتصاب فلسطين شكلت الحكومات العربية التابعة رديفا للكيان الصهيوني وجمعتها به روابط اقتصادية وسياسية ومخابراتية سرية وعلنية احيانا وتكفلت الحكومات التابعة بالوكالة عن الكيان باستنزاف الحركات التحررية القومية عبر التآمر لكسر المد الناصري والعروبي وبالاستهداف الدائم للقلعة السورية العربية ولتخريب المقاومة الفلسطينية وإفسادها بأموال النفط مع سبق الإصرار والتتمة معروفة.
تتخذ الرجعية العربية اليوم وجهة التصدي لمحور المقاومة بهدف محاصرته ومنع توسعه بأي ثمن لأن اسرائيل ترى فيه خطرا وجوديا يهددها ويزعزع الهيمنة الاستعمارية في المنطقة وفقا لتقديرات مراكز التخطيط الأميركية.
تنشط الحكومات العميلة في المنطقة للمساهمة في محاصرة سورية وفي تسعير العداء ضد إيران مقابل توطيد العلاقات بالعدو الصهيوني والسعي إلى تطويرها وتوسيع نطاقها بالتناغم مع المشاريع الأميركية التي حققت قفزة جديدة بانقلابها على مباديء مشاريع السلام السابقة التي خدمت خطط الهيمنة منذ مشروع روجرز عام 1969 .
كلما تقدمت المواقف الرسمية العربية خطوة نحو ما يسمى بالاعتدال أي التخلي عن الحقوق وقبول المساومة عليها وعلى الأراضي المحتلة كلما ازدادت القوى السياسية الصهيونية تغولا وتطرفا ومن هنا ازدهرت في حمى الحملات الانتخابية الصهيونية الأخيرة الدعوات إلى تثبيت ضم الضفة الغربية المحتلة والتفكير باجتياح قطاع غزة.
لقد كان صعود الليكود من أصله ثمرة للتدهور السياسي العربي في السبعينيات من القرن الماضي مع سيادة الحقبة السعودية وعندما انطلق خيار الاستسلام الفلسطيني باتفاقية اوسلو كانت الحصيلة مزيدا من التطرف الصهيوني الذي بلغ حد اغتيال احد بناة الكيان ومؤسسيه اسحق رابين في التسعينيات عقابا على تورطه بالتزامات سياسية تفاوضية انتزعها منه ومن الولايات المتحدة الرئيس حافظ الأسد بصلابة الموقف السوري العروبي الداعم لقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية والمتحالف مع إيران في التصدي لمشاريع الهيمنة الاستعمارية على المنطقة تحت ستار مشاريع التسوية العربية الصهيونية.
الاعتراف العربي بوجود الكيان الصهيوني كان بذاته محفزا لمزيد من العدوانية التوسعية التي هي لب الصهيونية واطماعها في البلاد العربية والأدهى والأشد خطورة كان الاعتراف الفلسطيني الرسمي بالعدو ومسلسل التفاوض الذي استثمر فيه الصهاينة ما شاؤوا من مظاهرالانهيار والتراجع في الموقف السياسي الوطني الفلسطيني على حساب فكرة المقاومة والتحرر التي تحولت سلطة اوسلو في السنوات العشرين الأخيرة إلى التعاون المخابراتي مع الاحتلال لقتلها واستئصالها لدرجة استحقاق هذا التعاون شكرا وإطراء من حكومة المجرم نتنياهو للسلطة الفلسطينية ومخابراتها التي تورطت في كشف وملاحقة أبطال من امثال القائدين البطلين باسل الأعرج وعمرأبو ليلى وغيرهم الكثير من الشهداء والأسرى.
المباراة السياسية تدور داخل الكيان الصهيوني حول المشاريع الأشد عدوانية كما بينت مشاريع التكتلين الأكبر في الانتخابات والتزامات الولايات المتحدة الراعية للكيان وتصريحات القادة الصهاينة بعد اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة للكيان وبضم الجولان إلى الدولة العبرية وبالتالي دفن عهود التسوية والتفاوض الذي بات لايعني غير الرضوخ للهيمنة الصهيونية والقبول بالفتات الفارغ الذي يلقيه القادة الصهاينة مقابل التصفية التامة لقضية فلسطين بالتخلي عن حق العودة وبترويج مشاريع التوطين المنتشرة كالفطر.
المهرولون العرب إلى العلاقة بالعدو والانبطاحيون الفلسطينيون المتعلقون بحبال اوهام الحل السلمي المدفون شكلوا طيلة أربعين عاما ضرورة حياة للمتطرفين الصهاينة وعبثا يبحث الواهمون عن “معتدل” صهيوني اما سراب المواطنة السخيف داخل الكيان الصهيوني فهو ملهاة مصنعة لتبرير أدوار الدمى الوسخة المسمومة التي تخدم الكيان في إلهاء أبناء الأرض عن وجهة الطريق التاريخي الذي لا خلاص بسواه ..طريق المقاومة الشعبية والمسلحة لتدمير الكيان الاستعماري والقضاء على الغدة السرطانية الصهيونية والتحرر من اوهام التعايش مع الصهيونية واستعمارها الاستيطاني بأي غلاف إيديولوجي تافه مهما كان.