الاقتصاد ومحور المقاومة
غالب قنديل
كانت مفاجأة صادمة ان تأتي اتفاقات التعاون الاقتصادي بين سورية وإيران في صيغها الأولى بعد أربعين عاما من التحالف والشراكة المصيرية في التصدي للحلف الاستعماري الصهيوني وعملائه في المنطقة وهي أربعون عاما من التعاون والشراكة الاستراتيجية التي املتها حاجات الدفاع عن هوية المنطقة وعن كرامتها واستقلالها لكن ما بني في ظلها من تعاون وشراكة على الصعيد الاقتصادي كان قليلا ومحدودا بكل أسف وهو فوت فرصا كثيرة لتنمية وبلورة مصالح مشتركة بين شرائح اجتماعية كثيرة في البلدين كانت ستشكل قاعدة اجتماعية صلبة للتحالف السياسي والعسكري.
الاتفاقات التي وقعت مؤخرا بين إيران وكل من سورية والعراق تمثل استدراكا مهما تأخر أربعين عاما في مسألة خطيرة وحساسة هي الشراكة الاقتصادية التي تجسد الجوار الجغرافي والتشابك والتشابه السكاني والثقافي وتؤسس لو نفذت لتكتل إقليمي قادر على مواكبة التحديات الاقتصادية الكثيرة والمتزايدة نتيجة الضغوط الاستعمارية الغربية المتمثلة بالعقوبات المالية والمصرفية.
الثغرة الخطيرة التي يكشفها تأخر الاهتمام بالشراكات الاقتصادية بين دول المنطقة ناتجة واقعيا عن النهج الدفاعي الذي يعتمده المحور في سلوكه السياسي والاستراتيجي منذ البداية فهو انطلق من حاجات دفاعية داهمة وليس من تصور هجومي مسبق وضرورات الدفاع نفسها هي التي أملت مؤخرا الانتقال إلى مرحلة جديدة من الشراكة والتعاون الاقتصادي وتطويرا لا بد منه لشبكات النقل وللتعاون في مجالات الطاقة والتبادل التجاري وفتح الأسواق المحلية وربطها بتسهيلات متبادلة لكل شراكة ممكنة في الإنتاج والتسويق.
لا ينطبق هذا التقييم فحسب على العلاقة الإيرانية بكل من سورية والعراق بل هو يصح بالمطلق في وصف العلاقة اللبنانية بكل من سورية وإيران واللتين قدمتا الكثير لدعم صمود لبنان ومقاومته في التصدي للعدوان الصهيوني وساهمتا بجهود مباشرة في إعادة بناء ما دمره العدو في حروبه طيلة الثلاثين عاما الماضية بينما لم تقم شراكات اقتصادية جدية بين لبنان والشقيقتين سورية وإيران.
أما العراق فهو كان في العقود الماضية الشريك التجاري رقم واحد للبنان والمصدر الأهم للسياحة العربية ورغم ذلك اهملت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في العشرين سنة الماضية أي جهد ممكن لتطوير هذه العلاقة الحيوية والمهمة بصورة منهجية وهي ممكنة في مجالات الطاقة والزراعة والطبابة والتعليم وشبكات النقل المشتركة.
حتى في مرحلة الوجود السوري العسكري المباشر في لبنان ورغم المظلة السياسية والقانونية الواسعة لمعاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق لم تقم أي شراكة جدية بين البلدين في أي من مجالات التعاون الاقتصادي الممكن وأهملت جميع الأفكار والمشاريع التي طرحت مرارا من قبل قوى واطراف وطنية وقومية في لبنان وتصدى لها الحلف السياسي اللبناني الذي رفض بقوة أي تقارب او شراكة.
وحدها المصارف اللبنانية اغتنمت الاتفاقات والعلاقات الثنائية لتوسع من انتشارها من خلال فروع لها في سورية اما أفكار كالمناطق الحرة الحدودية وشراكات الإنتاج والتصنيع والتسويق السياحي المشترك والسكك الحديد بين البلدين والربط الكهربائي الدائم والخطط المشتركة لاستثمار المناطق الحدودية وتنميتها والشراكة في صناعة الدواء وغير ذلك فقد أهملت ونحيت جانبا في بيروت ودمشق على السواء وفي ذروة التنسيق بين الحكومتين نجحت القوى المعرقلة لتك المشاريع في منع مناقشتها ومحاصرة من تبنوها من سياسيين وإعلاميين لصالح الإدارة السياسية والأمنية المشتركة التي قامت عليها مصالح ريعية مشتركة لحساب أفراد لبنانيين وسوريين وعلى حساب البلدين وهو ما وصفه الرئيس بشار الأسد بالفساد العابر للحدود بين البلدين وهذا ما جعل فكرة الشراكة السورية اللبنانية تخسر السند الشعبي في لبنان وسهل على معسكر أذناب الحلف الأميركي السعودي تنفيذ انقلابه السياسي ضد سورية عندما صدرت له الإشارة الأولى من واشنطن والرياض مع انطلاق العدوان على سورية.
يقصد ملايين اللبنانيين دمشق للتسوق باستمرار ويتغنون بجودة المنتجات السورية وبأسعارها وسورية هي الطريق الإلزامي لصادرات لبنان الزراعية والصناعية وهذه وجوه عفوية للشراكة تفرضها حقائق الحياة لكن لا أثر لأي جهد هادف إلى تطويرها وتنميتها وتوجيهها صوب مجالات ترفع مستوى إنتاجيتها وتحفزها منهجيا نحو ما يخدم اقتصاد البلدين في سائر المجالات ويعزز مناعتهما ضد الضغوط الخارجية الكثيرة.
من الجيد والمفيد أن يباشر قادة محور المقاومة التفكير في الأبعاد الاقتصادية المهمة لحلفهم السياسي والعسكري ولو انهم تأخروا كثيرا لكن التحديات الزاحفة من حولنا تتطلب سرعة لابد منها في تشبيك الاقتصادات المتجاورة وتكتلها لتقيم شراكات اوسع في عالم متغير تتصدره قوى عملاقة لاسيما في هذا الشرق الزاخر بالقدرات والفرص.