قمة رفع العتب وصرخة عون
غالب قنديل
لايمكن لأي جهة في المنطقة طمس حقيقة ان بؤس السياسة العربية الرسمية خلال العقدين الماضيين مكنت الرئيس الأميركي دونالد ترامب من فرض انقلاب شامل على ما سمي بعميلة السلام التي ارتهنت لها الحكومات العربية القائمة منذ مبادرة روجرز عام 1970.
المفارقة الناتئة في تونس ان القمة التي كانت لعشر سنوات مضت أداة في خطة تدمير سورية لمصلحة إسرائيل وهيمنتها جاءت تندب الجولان والقدس بعد قراري دونالد ترامب بتكريس القدس المحتلة عاصمة أبدية للدولة العبرية وتبنيه لقرار ضم الجولان ناسفا بكل فجور قواعد ومرجعيات كثيرة وقرارات اممية عديدة تعترف بالسيادة الوطنية السورية على الجولان المحتل.
لعبة حفظ ماء الوجه تحولت إلى نهج متأصل في عرف الحكومات التي تتحرك ضمن حدود السماح الأميركي وتجند جميع إمكاناتها السياسية والمالية والعسكرية لنحر أي شقيق بالأمر الأميركي والشاهد على هذه الحقيقة اللئيمة هو مقعد سورية الفارغ وصوت الرئيس اللبناني الذي دوى في القاعة متحديا سبات المجتمعين وسهوهم عن المبادئ المتصلة بالكرامة الوطنية ومبادئ السيادة والاستقلال ورفض الهيمنة والوصاية وببديهيات الحقوق العربية وقضية فلسطين.
لبنان المقاوم الذي يردع العدوان الصهيوني بقدرة شعبه ومقاومته وبإمكانات جيشه المحاصر الضئيلة عرض لعناوين التحديات المصيرية الناتجة فعليا عن تواطؤ النظام العربي الرسمي في خدمة أهداف الخطط الأميركية الصهيونية فلا التهديد الصهيوني للبنان ولا الحرب على سورية التي قادتها الولايات المتحدة شقت طريقها لولا انخراط عدد من الحكومات العربية الحاضرة في تلك الخطط المعدة لتفتيت البلاد العربية ولفرض الهيمنة الصهيونية على المنطقة.
حفظ ماء الوجه بالكلمات وصفة عربية مجربة في قمم كثيرة سبقت منذ نكبة فلسطين عام 1948 وهو تدبير قبله الاستعمار الغربي وتواطأ في إخراجه احيانا حرصا على الانظمة التابعة واللازمة لتنفيذ سياساته ومصالحه ولكن الحيلة باتت مفضوحة عند من يقرأ ويتابع.
أن تستنكر القمة ضم الجولان فذلك يعني مواجهة السياسة الأميركية في المنطقة وهو يستتبع اتخاذ تدابير عربية توصل رسالة قاسية لإدارة ترامب ويعني دعما للدولة الوطنية السورية المصممة على المقاومة والتحرير وهي لا تزال منشغلة بفلول الإرهاب القاعدي والداعشي التي أرسلتها الحكومات العربية المتآمرة لتمزيق سورية وهو يعني على الأقل وفي أضعف الإيمان مساعدة سورية ولبنان على عملية إعادة النازحين إلى وطنهم وتدعيم جهود الرئيس ميشال عن لإرغام الغرب وما يسمى بالمجتمع الدولي على إقرار الرؤية اللبنانية لتنظيم العودة ودعم الدولة السورية لتوفير مستلزماتها فمن سيجرؤ على ذلك من الحكومات التي جمدت فتح سفاراتها بدمشق بناء على طلب أميركي يكرس احتفاظ واشنطن بحق تعيين الموعد المسموح به لاستئناف التواصل مع الشقيقة سورية الدولة النازفة بنتيجة تكالب غربي صهيوني شاركت فيه حكومات عربية وإقليمية في خدمة الكيان الصهيوني ورغم قوة الموقف اللبناني فالحاصل في بيان القمة كلمات…
تحدث الرئيس ميشال عون عن لبنان وعن سورية وفلسطين وعن المصير العربي بلغة الواثق من صلابة المعادلة التي يستند إليها بعد مشهد التكامل السياسي اللبناني الذي تصدى لفتنة بومبيو مؤخرا وبعد مبادرات هذا الرئيس التي جسدت إرادة استقلال واضحة ورفضا لمنطق الوصاية الأميركية ليس فحسب من خلال رؤيته لقضية النازحين وتحريكه المنهجي لقنوات الاتصال اللبنانية السورية بل أيضا في زيارته الهامة إلى موسكو ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين وما فتحت تلك الزيارة من قنوات تعاون بين لبنان وروسيا اقتصاديا وسياسيا سعيا إلى توازن جديد في علاقات لبنان الدولية والإقليمية محوره مصالح لبنان العليا وخطاب هذا الرئيس في القمة العربية هو استكمال لنهجه الاستقلالي الوطني.
لم يكن دونالد ترامب ليجرؤ على تكريس اعترافه بضم الجولان او بتهويد القدس وبالتالي بنسف مفهوم التسوية من أساسه لولا الهرولة العربية الرسمية إلى التطبيع مع العدو وتدشين علاقات متطورة ومتمادية مع الكيان الصهيوني في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية فمن يرفض ضم القدس وتطويبها للدولة العبرية يجب ان يدعم بالمقابل صمود الشعب الفلسطيني في أرضه ويساعد مقاومته الوطنية ومن يرفض ضم الجولان يجب ان يضع ثقله في دعم الدولة السورية المقاومة لتعزيز صمودها ومساعدتها على إنهاء وإزالة آثار المؤامرة الأميركية الصهيونية العربية التي استهدفتها ومن يدعم وحدة وسيادة لبنان يجب ان يرفع جميع الضغوط المعادية للمقاومة والتي تمت بالأمر الأميركي الصهيوني من الحصار المالي والإعلامي إلى مسلسل الفتن المتنقلة التي أفشلها اللبنانيون بجميع قواهم الحريصة.