تهدئتان لا تصنعان سلاماً ولا… استسلاماً: د. عصام نعمان
لا وضع مستقراً في غزة. «إسرائيل» تثابر على التحرش والتعدي والقصف والتخريب بين فينة وأخرى. فصائل المقاومة تردّ بضربات محسوبة بدقة. كِلا الطرفين يحاذر الإنزلاق الى حربٍ مدمّرة. السبب؟
لبنيامين نتنياهو همّ رئيس: فوز معسكر أحزاب اليمين في الانتخابات كي يبقى رئيساً للحكومة. ذلك يتطلّب، في تقديره، عدم إغراق الكيان في حربٍ شاملة لكلّ مناطقه ومرافقه الحيوية قبل الانتخابات في 9 أبريل/ نيسان المقبل. الحرب سيفٌ ذو حدّين، قد تخذم حلفاءه في معسكر اليمين، وربما تكون لها مفاعيل سلبية يفيد منها معسكر الوسط اليسار. المقامرة غير مستحبة، اذاً، في حال عدم اليقين.
لفصائل المقاومة همّ رئيس مغاير: عدم الإنجرار الى فصلٍ صهيوني إضافي من التدمير والتقتيل ما يزيد الضائقة المعيشية في قطاع غزة ضيقاً وقد ينعكس سلباً على قدرات الصمود والتصدّي. كلّ ذلك في وقتٍ لا تتبدّى بارقة أمل بإستعادة وحدةٍ وطنية زعزعتها سياسةُ سلطةٍ في رام الله فضّلت دوامة المفاوضات على نهج المقاومة وباتت أسيرة اتفاقات نقضتها «إسرائيل» وضغوطٍ أميركية لحملها على السير في مزالق «صفقة قرنٍ» توثّق تصفية نهائية لقضية فلسطين بما هي قضية تحرير وعودة وإقامة دولة مستقلة.
هكذا يتضح انّ لكِلا الطرفين مصلحة ظرفية في تهدئةٍ لا تنطوي على تراجعٍ عن الثوابت الرئيسة، إنما تخدم مرحلياً ضرورات سياسية واقتصادية تتصل بأوضاعٍ داخلية دقيقة لكلٍّ منهما.
يتجلّى توليف التهدئتين في حدثين لافتين:
الأول، إطلاق صاروخين من طراز «فجر» استهدفا تل أبيب، ولم تتمكّن منظومة «القبة الحديد» للدفاع الجوي من إسقاطهما. الى ذلك، نتج عن الحدث ما يمكن اعتباره، بالمعايير العسكرية، فضيحتين مدوّيتين. أولاها، إعتراف مصدر عسكري «إسرائيلي» بأنّ الجيش فوجئ بإطلاق الصاروخين، وكأنما كان مُنتظراً من فصائل المقاومة في غزة ان تُخطره مسبقاً باعتزام إطلاقهما! ثانيتها، قول المصدر العسكري إياه انّ الصاروخين الفلسطينيين أُطلقا بطريق الخطأ!
الحدث الثاني قيام فتى فلسطيني مقاوم بمهاجمة دورية عسكرية «إسرائيلية» نجح خلالها بطعن أحد جنودها وانتزاع رشاشه وقتله بكلّ هدوء، ثم الانطلاق بسرعة لإمطار سيارات المستوطنين المارّة بوابل من الرصاص ما أدّى الى مقتل أحد الحاخامات وجرح خمسة مستوطنين، جروح بعضهم بالغة. اللافت انّ القوات «الإسرائيلية» في منطقة العملية الفدائية تصرّفت بقدر كبير من البلبلة والضياع ما مكّن الفدائي الجريء والحاذق من الإختفاء ثلاثة أيام قبل إعلان استشهاده. والطريف أنّ أحد الإعلاميين الصهاينة سخر من الحكومة بقوله إنّ ما حصل كان أيضاً بطريق الخطأ!
الجانب الفلسطيني لم ينفِ ولم يسخر بما تفوّه به الجانب الصهيوني. بالعكس، سكت عن مقولة إنّ إطلاق الصاروخين حصل بطريق الخطأ، بل أوحى بأنه حصل فعلاً! لماذا؟
لأنّ كِلا الطرفين له مصلحة ظرفية بالتهدئة. فالتهدئة في هذا الظرف الدقيق ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات حتى لو بَدَت مضحكة!
هل تدوم التهدئة الى9 أبريل/ نيسان؟
الأرجح أنها ستدوم. لكن ذلك لا يمنع كِلا الطرفين من القيام بتحركات لافتة تخدم قضيته من دون ان تتسبّب بإفساد التهدئتين الظرفيتين. فنتنياهو لم يتوانَ عن الإعلان بأنّ 850 وحدة استيطانية سيجري بناؤها داخل اريئيل حيث تمّت العملية الفدائية، وأكيد أنه سيثابر على إرسال طائراته لقصف المزيد من المواقع التي يعتبرها مهدّدَةً لأمن السكان الصهاينة في غلاف قطاع غزة.
فصائل المقاومة لن تتوانى أيضاً عن تصعيد أنشطتها الميدانية والإعلامية التي تؤكد على حق العودة. هذه الأنشطة ستصل إلى أوجها في احتفالات يوم الأرض في 30 من الشهر الحالي. ولعلّ بضع بالونات حارقة قد تستبقها لإشعال حقول القمح التي تكون مزروعاتها قد نضجت بما يكفي لإلتقاط نيران البالونات المحرقة.
ماذا بعد انتهاء الإنتخابات في 9أبريل/ نيسان؟
نتنياهو لن يراهن كثيراً على «صفقة القرن» لأنّ معظم بنودها قد تحقق. الأرجح انه سيضغط بوسائله المعروفة داخل أميركا من أجل حمل دونالد ترامب على إعلان «حق» «إسرائيل» بالسيادة على الضفة الغربية بعدما أهداه السيادة على الجولان السوري.
أما فصائل المقاومة فالأرجح انها ستركّز جهودها على كسر الحصار المضروب على قطاع غزة وذلك بالضغط على مصر من اجل انتزاع ترتيبات من «إسرائيل» تتيح وصول الكثير من الغذاء والدواء ومواد البناء للقطاع المرهق بالحصار وبمتطلبّات مئات الآلاف من سكانه المترعين بالفقر والكرامة والصمود معاً.
الخلاصة: تهدئتان لا تصنعان سلاماً… ولا استسلاماً.
(البناء)