عون في حوار مع الاعلام الروسي: المجتمع الدولي يسعى لأخذ النازح رهينة
اجرى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل ظهر امس في قصر بعبدا، حوارا صحافيا مع مراسلي وسائل الاعلام الروسية، عشية زيارته لجمهورية روسيا الاتحادية ولقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين .
واكد الرئيس عون للمراسلين، ان “علاقة لبنان بروسيا تاريخية وتعود للقرن التاسع عشر”، لافتا الى انه سيبحث في خلال الزيارة “سبل تطوير هذه العلاقات على مختلف الاصعدة، بالاضافة الى مواضيع البحث الاخرى، ومن بينها قضيتا النازحين، في ضوء المبادرة الروسية ومسيحيي الشرق”، مشددا على “أهمية دور روسيا في المساعدة على إنشاء أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار عبر المساهمة فيها“.
وعن ملف النازحين، قال: “ان لبنان يأخذ علما بالشروط الدولية، لكنه سيتصرف وفق ما تمليه عليه مصلحته العليا، فالمجتمع الدولي لا يساعده، فيما هو يساعد السوريين على العودة، بحيث بلغ عدد العائدين من لبنان 172 الف نازح لغاية اليوم”، ولفت الى ان “المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الذي جال اخيرا في سوريا واتصل شخصيا وبكل حرية ومن دون مراقبة مع العائدين، ابلغنا ان وضع هؤلاء جيد وهم يعيشون هناك بارتياح“.
وعن العلاقات مع سوريا، اكد رئيس الجمهورية انها “مطبعة”، وكشف عن “رغبة لبنان بالمشاركة في اعادة الاعمار فيها”، لافتا الى ان “الضغوط تمارس على الجميع لعدم المشاركة في هذه العملية، في ظل ربط المجتمع الدولي الاعمار وعودة النازحين بالحل السياسي”، موضحا ان “المجتمع الدولي يسعى لاخذ النازح رهينة كي يقبض ثمنه في الحل السياسي“.
واعتبر الرئيس عون ان “الحصار على “حزب الله” يصيب كل اللبنانيين”، مشددا في المقابل، على ان “لبنان بلد محايد وليس بامكان احد حجبنا عن اي بلد في العالم. صحيح اننا لا نتدخل بمشاكل الاخرين ولكننا نريد المحافظة على شخصيتنا“.
وفي ما يلي وقائع الحوار، حيث رد الرئيس عون على اسئلة الصحافيين، فأوضح ان “مواضيع البحث مع الرئيس بوتين متعددة وان برنامج المحادثات الذي يتم تحضيره بناء على رغبة الجانبين لا يزال قيد الانجاز”، لافتا الى ان “بين المواضيع ما يتعلق بمنطقة الشرق الاوسط والحروب التي اندلعت في عدد من دولها ونتائجها التي لا يزال لبنان يتحملها، بالاضافة الى انعكاسها على وضع المسيحيين في المشرق وملف النازحين، في ضوء المبادرة الروسية التي تنص على تشجيع عودتهم، والموقف اللبناني من هذه القضية الذي تؤيده روسيا“.
وقال: “قد نتطرق الى قضية القدس واسرائيل، بالاضافة الى تقوية العلاقات اللبنانية -الروسية الثقافية والحضارية وتلك القائمة بين الشعبين التي نرغب بتطويرها في مختلف المجالات، في ظل وجود مراكز ثقافية وتعليم اللغات، فضلا عن السياحة بين البلدين. كما يهمنا بحث العلاقات الاقتصادية التي نرغب ايضا بتوسيعها“.
وعما اذا كان لبنان قادرا على تنفيذ المبادرة الروسية من دون ان يأخذ في عين الاعتبار الشروط التي يضعها المجتمع الدولي قبل عودة النازحين الى وطنهم، قال: “ان لبنان يأخذ علما بالشروط الدولية، لكنه سيتصرف وفق ما تمليه عليه مصلحته العليا، فالمجتمع الدولي لا يساعده، فيما هو يساعد السوريين على العودة، بحيث بلغ عدد العائدين من لبنان 172 الف نازح لغاية اليوم”، لافتا الى ان “المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الذي جال اخيرا في سوريا واتصل شخصيا وبكل حرية ومن دون مراقبة مع العائدين، ابلغنا ان وضع هؤلاء جيد وهم يعيشون هناك بارتياح“.
وعن بروز مصطلح جديد حول “التطبيع” مع سوريا، ومدى استعداد الرئيس عون للقيام بزيارة الى هناك اذا ما تطلبت المصلحة اللبنانية، لعودة النازحين بالرغم من الخلافات القائمة، اوضح رئيس الجمهورية “اننا في لبنان “مطبعون” للعلاقات مع سوريا التي تتميز بوجود سفراء في كلا البلدين، وهي تاليا ليست بمقطوعة. ان لبنان بلد مجاور لسوريا ويجمعهما العديد من القضايا المشتركة التي سنبحث بالتأكيد في حلها. واذا تطلب الامر زيارة، فسيتم ذلك، اما اذا لم يتطلبها، فبإمكان السفراء والوزراء والمجلس الاعلى القائم بين البلدين، البحث في القضايا ذات الصلة، حيث ان زيارة الرؤساء تتطلب وضعا خاصا ولا تكون بغرض السياحة“.
وعن المشاركة اللبنانية في اعادة اعمار سوريا والدور الروسي في ذلك، اكد رئيس الجمهورية ان “باستطاعة لبنان المشاركة، وفيه العديد من الشركات اللبنانية التي تتولى الاعمار. كما باستطاعته المساهمة من الناحية الجغرافية من خلال مرفأي بيروت وطرابلس. فبامكان الاخير ان يغذي منطقة حمص وحماه وغيرها، فيما باستطاعة مرفأ بيروت تغذية المنطقتين الوسطى والجنوبية. وبذلك بامكان لبنان نقل مواد البناء والاعمار الى سوريا. واننا نخطط لانشاء سكة حديد ساحلية، حيث ان هناك مدخلين لسوريا، احدهما في الشمال في حمص والثاني باتجاه دمشق من البقاع. وهذه الخطة تستلزم بعض الوقت والاعمار في سوريا لن يتم على المدى القصير“.
وعما اذا لمس اي نوع من الضغوط على لبنان لعدم المشاركة في اعادة اعمار سوريا، اوضح الرئيس عون ان “الضغوط تمارس على الجميع حاليا، في ظل ربط المجتمع الدولي الاعمار وعودة النازحين بالحل السياسي”، وقال: “ان الامر يتطلب ايجاد مصادر تمويل ليس من لبنان او من سوريا بالتأكيد، اللذين بالكاد يكفيان حاجاتهما بعد الظروف التي مرا بها، بل من كل الدول الاخرى، بما فيها اوروبا واميركا ودول الخليج. واذا تمنعت هذه الدول عن ضخ الرساميل، فسيتوقف الاعمار اذا ما حصل ضغط او لم يحصل“.
اضاف: “ان الضغوط السياسية مباشرة، والمجتمع الدولي لا يتردد بقراره وبربطه عودة النازحين باعمار سوريا والحل السايسي فيها. ان النقاش مع الموفدين الدوليين عندما يزوران لبنان يتمحور حول هذه النقطة بالتحديد. ولبنان يرفض الامر، لان لا ارتباط بين رغبة النازحين بالعودة ومنعهم من قبل المجتمع الدولي الذي يسعى لاخذ النازح رهينة كي يقبض ثمنه في الحل السياسي. ان اخذ الرهائن وخصوصا البشرية ممنوع، وثمة مخالفات كثيرة في ذلك. ثم ان لبنان صغيرالمساحة، واصبحت الكثافة فيه 600 شخص في الكيلومتر المربع الواحد، وهذه كثافة مدنية بطبيعتها وليست كثافة وطن“.
وردا على سؤال، اشار رئيس الجمهورية الى أن “لبنان يعيش ضمن الحصار المفروض على المنطقة، لا سيما وأنه لا يستطيع العمل مع سوريا، كما ان “حزب الله” محاصر ماليا. فأصبحنا بذلك محاصرين عالميا، لأن التأثير السلبي للحصار على “حزب الله” يصيب كل اللبنانيين، كما المصارف اللبنانية، فكل مصرف لبناني لديه توجس من التعامل مع اي مودع خوفا من أن يكون لديه علاقة مع “حزب الله”. فالمصرف أصبح لديه خوف من الزبائن الذين بدورهم يخافون منه. وهذا الخوف المتبادل لا يبني اقتصادا وعلاقات تجارية سليمة. وبذلك اصبح لبنان ضمن الحصار المفروض على الآخرين، لا سيما على إيران، وهو يمر نتيجة لذلك بأزمة كبيرة ولكن لا نتوقع المزيد من الاجراءات على المصارف“.
وعما اذا سيبحث مع الرئيس الروسي في موضوع الخلاف اللبناني – الاسرائيلي حول الحدود البحرية وملفي النفط والغاز، واذا ما يمكن لروسيا ان تقوم بدور الوسيط النزيه، قال الرئيس عون: “لا شيء يمنع ذلك”، ولفت الى ان “هذا الموضوع سيتم بحثه مع وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو غدا خلال زيارته للبنان، وعلى ضوء ما يمكن ان نستنتجه نبني على الشيء مقتضاه“.
وعما يتردد عن انزعاج اميركي من التقارب اللبناني -الروسي والضغوط التي تمارس لكبحه، اوضح رئيس الجمهورية ان “ما يجمع لبنان وروسيا اعتراف متبادل وعلاقات تاريخية تميزت، حتى في ايام الاتحاد السوفياتي السابق والتوتر بينه وبين الولايات المتحدة، بالمحافظة على التمثيل الديبلوماسي على الرغم من محدودية العلاقات آنذاك. اننا في لبنان لا نتأثر بالخلافات، بل نقيم الامر على ضوء مصالحنا وصداقتنا مع الشعوب. فلبنان بلد محايد وقد اقترحت جعله مركزا عالميا لحوار الثقافات والحضارات والاديان والاثنيات. وليس بامكان احد حجبنا عن اي بلد في العالم. صحيح اننا لا نتدخل بمشاكل الاخرين ولكننا نريد المحافظة على شخصيتنا“.
وعن الهواجس اللبنانية من قبول الهبات العسكرية الروسية، فاكد الرئيس عون ان “الاسلحة التي بحوزة القوى العسكرية اللبنانية تختلف عن الاسلحة الروسية حاليا، ولبنان يقوم باستقدام التجهيزات من الولايات المتحدة الاميركية، فيما استعمال الاسلحة الروسية يتطلب تغيير نظام الاسلحة المستخدم”، لافتا الى ان “لبنان بحاجة الى مصدر اسلحة، وفي المستقبل لا نعلم كيف يتطور الوضع“.
وعما اذا كانت اتفاقية التعاون اللبناني مع شركة “روسنفط” تعد بداية لتعاون اوسع بين البلدين، قال: “ان التعاون مع روسيا بدأ قبل ذلك، فهناك كونسورسيوم ايطالي فرنسي روسي، و”نوفاك” من ضمنه، وقد حاز بالتزام التنقيب عن النفط وسيبدأ العمل في العام الحالي ان شاء الله”، وشدد على ان “ليست هناك من علاقة اقتصادية تبدأ الا وتتطور“.
وفي موضوع الكهرباء والاستعانة بالخبرات الروسية، اوضح رئيس الجمهورية ان “النظام اللبناني حر، ويجب طرح اي التزام على المناقصات”، لافتا الى ان “لا شيء يمنع ان تتقدم روسيا على مناقصات فتحصل على الالتزامات اذا ما كانت عروضها افضل“.
وعن لقاء مصالح البلدين، شدد الرئيس عون على ان “للبنان وضعا خاصا ودقيقا جدا، فهو مطوق ويقع ضمن مثلث متساوي الاضلاع بين روسيا واميركا والصين، فيما لا تزال السياسة العامة في الشرق الاوسط غير واضحة المعالم. ووضعه لا يسمح له بالاختيار، فهو لن يدخل في حروب مع اي من الافرقاء، بل يسعى للتفتيش عن صداقات الجميع. من هنا نحن نقول بالصداقة للجميع والخلافات لمن هم مختلفون“.
واكد ان “اللبنانيين على علاقة تاريخية مع روسيا، تعود الى القرن التاسع عشر”، مشيرا الى أنه “عندما وقعت أحداث 1860، ووضع اتفاق 1864 وتوزعت حمايات الدول على اساس ديني، كانت روسيا من ضمن المجموعة التي منحت الحماية للمسيحيين اللبنانيين الارثوذكس وفرنسا للموارنة والنمسا للكاثوليك وانكلترا للدروز. ومن هنا نشأت العلاقات القوية مع روسيا وانتشرت بين اللبنانيين على مختلف اطيافهم. ومن دون ان ننسى ان لدى روسيا اهتماما خاصا بالاراضي المقدسة في فلسطين“.
واشار رئيس الجمهورية الى “أهمية دور روسيا بالمساعدة على إنشاء أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار عبر المساهمة فيها”، لافتا الى أنه “تم طرح هذا المشروع امام الامم المتحدة تحت رعاية الاونيسكو، والمطلوب اليوم من الجميع تأييده والمشاركة فيه، لا سيما وأنه يعني العالم كله”، كاشفا أنه “بدأ طرح مشروع إنشاء هذه الاكاديمية لدى دول عدة، كفرنسا وألمانيا والهند والصين”، مشيرا من ناحية ثانية، الى أن “عصبة الامم فشلت بعد الحرب العالمية الاولى بتحقيق الهدف الذي أنشئت لأجله وهو نشر السلام، فاندلعت الحروب، وهذا ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية مع الامم المتحدة”، موضحا أن “سبب ذلك يعود الى أن معاهدات السلام وضعت فقط على الورق وبين حكومات لديها مصالح، من دون تحقيق مصالحات حقيقية بين الشعوب التي تختلف عن بعضها البعض في المعتقدات، ولم يتخط تفكيرها الانساني حدود دولها“.
ورأى الرئيس عون ان “الانسان عدو ما ومن يجهل، ولذلك عليه أن يتعرف على الآخر، فيكتشف في المحصلة انه يفتش مع هذا الآخر عن الهدف ذاته، اي السلام والازدهار. وهذه هي النقاط التي نحن في لبنان نعمل على تطويرها وتثبيتها ضمن ثقافتنا، لذلك يتضمن المشروع المطروح مركزا للحوار، الى جانب أكاديمية تمنح شهادات في هذا المجال، فننشر عبر ذلك هذه الثقافة بين دول العالم وبين مختلف الاعراق والجنسيات“.
وشدد على “أهمية تربية المواطن على معرفة الآخر المختلف عنه باللون والاتنية والمعتقد والتقاليد، مع ضرورة احترام حرية المعتقد وحق الاختلاف وحرية الرأي، وبذلك يعيش الانسان بسلام، إلا أن حرب المصالح تبقى موجودة وعلينا التخفيف منها، لأن الجميع يريد الاستمرارية والعيش“.
ونفى الرئيس عون، ردا على سؤال عن وجود مخاوف من تقسيم المسيحيين في المشرق، ولفت الى أن “المسيحيين يريدون أن يعيشوا ضمن مجتمع متعدد بعيدا عن الآحادية التي هي ضد تفكيرنا وثقافتنا”، مشيرا الى “سقوط الآحادية الدينية كما السياسية المتمثلة بالانظمة الديكتاتورية، وكذلك الآحادية العرقية، فلا يمكن العودة اليها مجددا او القبول بها“.
وتحدث في هذا المجال، عن وجود “ما يخالف هذا المسار العالمي الحضاري، وهو اقرار اسرائيل بما يسمى ب”الدولة القومية اليهودية” التي تحمل صفة الآحادية، وتريد أن تعيش ضمن محيط مختلط ومتنوع ما يسبب المشاكل“.
وقال: “لقد دفعت منطقة الشرق الاوسط حوالى 1400 سنة من حروب ومشاكل بين الاسلام والمسيحية، حتى تمكنا من الوصول الى الاستقرار الذي ننعم به. فلدى المشرقيين ثقافة مشتركة مقتبسة من الاسلام والمسيحية، ما يجعل من لبنان بلدا فريدا من نوعه، يتميز بمجتمعه المتنوع الذي يختلف أبناؤه في بعض الاحيان في ما بينهم سياسيا، ككل الدول الديموقراطية، لكن لا يختلفون على الوطن وهذا هو الاهم“.
وعن إمكانية وجود قوة تحاول بث الخلاف بين مسيحيي المشرق كما حصل في اوكرانيا، أكد الرئيس عون “عدم وجود هكذا حالة في منطقة الشرق، ففي لبنان يوجد ارثوذكس يونانيون، وهناك ارثوذكس روس، ولا أرى اي اختلاف بين الاثنين، ولا حتى بين مختلف الكنائس المسيحية”. وقال: “كل لديه الحرية باعتقاداته وتفسيره واجتهاداته. ولكن اساس الدين المسيحي هو الانجيل وتعاليم السيد المسيح. فالمسيحية نشأت في مناطق مختلفة يتميز كل منها بتقاليدها وثقافتها ولا بد من أن تتأثر بهذه التعددية الموجودة“.