المصالحة في ظل الوزارة الفلسطينية الجديدة د. فايز رشيد
كلّف الرئيس الفلسطيني محمود عباس محمد أشتية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح بتشكيل وزارة جديدة بدلا من رامي الحمدالله الذي استقال منصبه. وكانت اللجنة المركزية لحركة فتح قد أوصت في اجتماعها الأخير بأن يكون رئيسها عضوا في “المركزية”, وأن تكون أيضا حكومة فصائلية. لذلك, فإن الهدف الأول لرئيس الوزراء الجديد ـ كما أعلن ـ هو تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية من خلال تحقيق المصالحة, وإشراك فصائل م.ت.ف في الحكومة, كما التخفيف من معاناة المواطنين واستعادة غزة للشرعية الوطنية والعمل ـ ما نستطيع ـ للتحضير للانتخابات المقبلة .
وفي الوقت الذي نشك فيه في قبول بعض فصائل منظمة التحرير في المشاركة بالحكومة نتيجة لمواقف سبق وأن أعلنتها, بأن أية حكومة هي من تطبيقات اتفاقيات أوسلو وتداعياتها, وهي الرافضة لهذه الاتفاقيات جملة وتفصيلا, لكن القضية الأساسية الأخرى هي أن الحكومة الجديدة تجيء بمعزل عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي. حماس وفي ردّ فعلها على التكليف صرحت من خلال أكثر من قيادي فيها (مثلما ذكرت الصحف ووسائل الإعلام الفلسطينية والعربية) بأن تشكيل وزارة جديدة, هو تفرّد بالقرار الفلسطيني, وهروب من استحقاقات المصالحة, وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية, كما دعت إلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بالاتفاق معها, وهي ترى أن أية حكومة يجري تشكيلها من طرف واحد ستكرّس الانقسام الفلسطيني, لذلك لن تعترف بالحكومة الجديدة, وأن النهج الصحيح هو تشكيل حكومة وحدة وطنية.
لكننا, وبالرغم من اليقين المسبق وجوهره, من صعوبة بل استحالة تحقيق المصالحة للأسف(من خلال المنظار الحالي), فإن تجاوز الانقسام هو مهمة وطنية فلسطينية لا تحتمل التأجيل, باعتبارها شرطا لتحقيق أهداف شعبنا في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس, وهذه الحقوق تشكل إجماعا فصائليا عليها, بغض النظر عن أن بعض الفصائل ترى فيها هدفا مرحليا فلسطينيا على طريق تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني. لذلك, شئنا أم أبينا, فإن تشكيل الحكومة الجديدة, سيكرّس الفصل الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة, خصوصا بعد أن اتخذ الرئيس عباس قرارا باعتبار الضفة الغربية وقطاع غزة دائرة انتخابية واحدة؛ أي بالإمكان انتخاب نواب غزة في الضفة الغربية, وهذا ما سيجري غالبا في الانتخابات التشريعية القريبة القادمة, كما صرّح الرئيس أبو مازن أكثر من مرة.
نقول عن أهمية الوحدة الوطنية وبخاصة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ شعبنا, لأن صفقة القرن مثلما كشفها (التلفزيون الأميركي “أي .بي. سي” المعروف بسعة اطلاعه على أخبار البيت الأبيض عبر المحلل السياسي فيه ستيفن كيوورد) تقضي في أحد بنودها بتوطين مليونين من اللاجئين الفلسطينيين على حدود غزة, وصولا إلى مدينة العريش بإضافة 7 آلاف كلم من صحراء سيناء, باعتبارها الجزء الفلسطيني من سيناء تاريخيا, لكن مصر حصلت عليها في زمن الانتداب البريطاني ـ هكذا تعتقد الولايات المتحدة وحليفتها الصهيونية ـ وتتسع هذه المساحة لحوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني! وبذلك يتم الفصل النهائي بين القطاع والضفة الغربية. بالله عليكم, ألا يدفع هذا الأمر إلى تجاوز الخلافات بين فتح وحماس؟ وتشكيل حكومة وحدة وطنية؟ سؤال نطرحه برسم قادة الحركتين.
المطلوب أيضا, وانطلاقا من مجابهة الخطة التصفوية المسماة بـ”صفقة القرن”, على الجانب الفلسطيني أن لا يكون أسيرا لنهج المفاوضات, هذا النهج العبثي وغير المجدي, الذي منح دولة الكيان الصهيوني الفرصة تلو الأخرى, وبخاصة بعد دفنها اتفاق أوسلو الكارثي, لتوسيع استيطانها وتكريس أمر واقع ميداني وديموغرافي جديد. جملة القول, إنه بعد القرار بتكليف أشتية بتشكيل حكومة جديدة, ابتعد تحقيق المصالحة أشواطا طويلة, وزادت إمكانية الفصل بين غزة والضفة الغربية.