بعد ثماني سنوات من العدوان
غالب قنديل
قبضة قليلة من الكتاب والمحللين العرب والأجانب يحق لها اليوم بعد مرور ثماني سنوات على الحرب التي استهدفت سورية ان تصرخ وعيونها مفتوحة في وجه العالم : ألم نقل لكم ؟! كانت ثماني سنوات امطرت في بداياتها كذبا وتضليلا ولم تنقشع تدريجيا إلا بجهد جهيد وبسيول غزيرة من الدماء التي أنبتت الحقائق وأزاحت الغشاوات وأسقطت الأقنعة حتى ظهرت عارية خطة الغزو الاستعماري الصهيوني الرجعي للقلعة السورية العربية المقاومة.
اتضحت الحقيقة لمن يفهم ويدقق من اول كذبة الثورة وبدء ظهور عصابات الإرهاب المنظم وواجهات العدوان من عملاء الغرب الذين رصت صفوفهم هيلاري كلينتون في الدوحة واسطنبول وقد كانت في البدايات عملية تفكيك الروايات المعادية شاقة وصعبة وشكلت مهمة ثورية نقدية على مدار الساعة وسط الضخ الكثيف للروايات المصنعة والأحداث المفبركة وعمليات استعباد العقول والوصفات الجاهزة المرسلة عبر شبكات عالمية معقدة وقادرة تقنيا على اختراق الفضاءات السيادية للدول المستهدفة.
اليوم لم يعد اكتشافا استنتاج أي كان أن تلك الحرب كانت عدوانا على سورية والشرق برمته وغايتها تدمير محور المقاومة ولم تكن ثورة ولا هبة عفوية لجمهور لديه العديد من مسوغات الشكوى والاحتجاج على ظروف عيشه التي يردد اليوم السوريون بلا استثناء عبارات مرة بعد خسارتها وتدميرها ويتحسرون على الأمان والرخاء الذي خبروه قبل العدوان وطوفان الدم وبعدما خبروا وجع التشرد وجربوا شروط الحياة خارج الوطن الذي كان وما يزال يقدم لأهله فرص التعليم والطبابة وتعاونيات السكن والنقل العام والرقابة على الأسعار والمواصفات في الأسواق ورغم كل الدمار والخراب الناتجين عن الغزوة البربرية لوحوش التكفير والإرهاب متعددي الجنسيات الذين جلبهم القرار الأميركي الصهيوني من كل أصقاع الأرض.
اليوم لا يبدو شيئا نافرا ان نقول إن الهدف المركزي لخطة تدمير سورية هو تمكين العدو الصهيوني من الهيمنة على المنطقة ومن تصفية قضية فلسطين ( التسمية الترامبية هي صفقة القرن ) وبعدما انكشفت خيوط وخطوط الدعم الصهيوني المباشر عبر جبهة الجولان لجحافل القاعدة وداعش ( أي ثوار الفورة المزعومة ) خلال سنوات العدوان وبعدما افتضح امر الغارات الصهيونية المرسومة على خرائط العصابات الإرهابية الدموية وخططها كتغطية نارية تقدمها تل أبيب لمقتحمي مواقع الصواريخ السورية.
اليوم لم يعد أمرا مدهشا او مستغربا أي كلام عن مؤامرة على سورية ودولتها وشعبها ورئيسها المقاوم خلف كل ما جرى وارتباطه بخطط الهيمنة الأميركية على العالم ولا هو مستغرب اعتبار واجهات المعارضات في جلها تجمعات لمرتزقة استخبارات وانظمة نظمها حلف العدوان واستعملها في عمليات خططها جنرالات وقادة من دول الناتو والاستخبارات المركزية الأميركية وصبوا في اتون تلك الحرب مليارات النفط من قطر والمملكة السعودية وشحنوا آلاف أطنان السلاح والذخائر من جميع انحاء العالم واداروا اوسع شبكات تهريب إجرامية من تركيا والأردن ولبنان.
اليوم لم يعد مجاملة ولا مبالغة وصف الرئيس بشار الأسد بالقائد وبالبطل القومي بعد قيادته لملحمة تاريخية قاربت المستحيل وبعدما اظهرت الأحداث ان في سورية دولة عميقة صلبة وجيشا وطنيا جبارا وقائدا شجاعا لا تهزه التهديدات والأحداث والتحديات قاوم ملتحما بالشعب والجيش واحتفظ بالقدرة على تطوير الموقف واتخاذ القرار ونسج التحالفات والشراكات الاستراتيجية التي عززت قدرات الصمود الاقتصادية والعسكرية في أحلك الظروف ليدافع عن بلاده وعن امته كلها واليوم تحصد سورية ثمار ذلك الصمود وتلك الشراكات بينما هي تستعد للفصول الباقية من مسيرة التحرير التي يقودها هذا الرئيس الذي يعترف له الأعداء قبل الأصدقاء بالمصداقية والديناميكية والصلابة والجرأة.
اليوم احترقت الوجوه الكالحة لكذابي الثورات المصنعة ولتجار معلبات الديمقراطية ولمسوقي القاعدة وداعش بجلباب التحرر ويتأكد لنا في تلك القبضة القليلة ممن فهموا واكتشفوا ولم ينخدعوا منذ اللحظة الأولى ومن اليوم الأول أننا كنا على حق إلى جانب سورية المقاومة ليس فحسب من موقع رد الجميل لها على نصرتها واحتضانها للمقاومة في لبنان وفلسطين او على خيارها الاستقلالي التحرري الصلب في وجه الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية طيلة الخمسين عاما الماضية بل أصلا وأساسا من موقع انحيازنا إليها كموقع متقدم في الدفاع عن قضية الاستقلال والتحرر في المنطقة والعالم ولأننا منحازون إلى الحقيقة ولم تخدعنا جميع محاولات التزييف والتغليف وترويج الأكاذيب.
اليوم وبكل صراحة لا نجد وصفا لمن تآمروا على سورية غير الخونة والدجالين الذين باعوا انفسهم للعدو الأميركي الصهيوني أيا كانت ادوارهم وحدود مشاركتهم في العدوان ولو بحرف او كلمة وبالطبع فهم تفاصيل صغيرة لأننا ومنذ البداية فهمنا ذلك العدوان من سياق فهمنا للتناقض الرئيسي بوصفه صراعا بين إرادة التحرر الوطني السورية الواضحة والصلبة وبين الإمبريالية الأميركية وحلفها الأطلسي والكيان الصهيوني والأذناب والعملاء من حكومات الرجعية العربية.
لقد تبلورت خبرات وعبر كثيرة في سياق هذه السنوات الصعبة لتبقى ساطعة حقيقة الصمود السوري والبطولات الشعبية السورية وبسالة الجيش العربي السوري ومتانة الدولة الوطنية السورية ومعها حقيقة حلف المقاومة الذي عمدته دماء الأبطال وكم حري ان تتبع عروق الحياة في الشرق خارطة تلك الدماء والبطولات في لبنان وسورية والعراق وإيران بعد انتصاراتها الباهرة على الغزوة الاستعمارية وان تمتد بشراكاتها إلى الشرق العظيم من روسيا إلى الصين فالهند ولاسيما روسيا التي قدمت تضحيات جليلة دفاعا عن نطاق التحرر وإرادة المقاومة والاستقلال في سورية العربية الأبية.