ترامب استكمل حروب بوش واوباما
غالب قنديل
رغم تعدد الشعارات التي تغلف المنافسة الضارية بين اجنحة النخبة الإمبراطورية المسيطرة في واشنطن فإنها تعمل جميعا لمنع سقوط الهيمنة الاستعمارية الأميركية بالتصدي للقوى العالمية الجديدة التي تنذر بانطلاق مسيرة تفكيك النظام العالمي الذي قام منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
خلافا لإعلاناته المتكررة عن رفض مواصلة حروب جورج دبليو بوش وباراك أوباما حرص دونالد ترامب على إدامة تلك الحروب وواصل خوضها بأشكال ووسائل أقل كلفة من خلال اعتماده لجيوش المرتزقة وعبر تصعيد الحرب التجارية العالمية بواسطة العقوبات الاقتصادية والمالية التي باتت السلاح الأوسع استعمالا ضد رافضي الهيمنة إلى جانب تسخير جميع ادوات القوة الناعمة من سلسلة منتجات الاستخبارات الأميركية خلال زمن الحرب الباردة أي وسائل الإعلام وتجنيد الجواسيس في قيادات النقابات والأحزاب داخل الدول المستهدفة واستعمال جميع مرتكزات القوة الأميركية الفائضة في مجال تكنولوجيا الاتصالات لتطويق وشيطنة العصاة والمتمردين.
حتى في ساحات الفشل الأميركي الكبير وحيث نجحت شعوب ودول في التصدي لحروب الغزو يحرص مخططو البنتاغون على إبقاء الأصابع الأميركية في جروح نازفة ومفتوحة يمنعون التئامها بدافع التطويع السياسي ومحاولة إملاء الشروط ولذلك تستمر حرب أفغانستان ويستمر الاحتلال الأميركي في العراق وفي سورية وتتهاوى إعلانات الإنسحاب السياسية لصالح أشكال من الاستمرار الاستنزافي الذي يبغي التأثير على المعادلات السياسية ومتابعة تحفيز المجموعات العميلة على خدمة الأهداف الأميركية وتحاشي إشعارها بالتخلي أوبتركها لمصيرها.
إنه القرار الأميركي الخطير بعدم إراحة أي دولة او جهة في العالم تناهض الهيمنة الأميركية وترفض الخضوع لها وهذا الإنهاك المتواصل يتحقق بأدوات محلية مستاجرة لا تكلف الإمبراطورية شيئا بالمقارنة مع ما تمليه من أعباء مادية وبشرية عمليات دفع الجيوش والأساطيل المنهكة اقتصاديا وماليا والتي قال دونالد ترامب إنها كلفت الخزينة الأميركية تريليونات الدولارات في بضع سنوات.
حروب الوكالة أرخص وأقل كلفة مهما طال امدها وتبقي جسورا للتدخل المباشر سياسيا وعسكريا عند اللزوم تلك هي الخلاصة التي خرجت بها النخبة الإمبراطورية الحاكمة بعد الفشل في العراق وأفغانستان. واصلت الولايات المتحدة حروبها بدلا من تنفيذ توصيات مجموعة بيكر هاملتون التي كانت توجب منذ ولاية دبليو بوش وخليفته باراك اوباما تدشين حوارات استراتيجية مع القوى العالمية المنافسة أي روسيا والصين والهند وبما في ذلك إيران التي سحب ترامب توقيعه عن وثيقة التفاهم النووي معها بينما نكثت اوروبا بوعدها الالتزام بتعهداتها الاقتصادية والمالية للحفاظ على تلك المعاهدة وهي تدرك ومعها الولايات المتحدة انه لايمكن التيقن من دوام الصبر الإيراني على المماطلة الكاذبة والتريث في اتخاذ القرار الذي تخشاه دول الغرب وربيبتها إسرائيل بإعلان طهران مدعومة من موسكو وبكين للخروج النهائي من الاتفاق واستئناف التخصيب إلى أعلى درجات ممكنة خصوصا بعد الأمثولة الكورية التي برهنت مجددا على ان الاستعمار الغربي المتغطرس لايفهم سوى لغة القوة.
الصراع الضاري الذي تخوضه الإمبراطورية المتزعزعة عابر للقارات والحدود والغاية منه إرهاق القوى المناوئة للهيمنة الاستعمارية والسعي لإخضاعها والدليل هوعض الأصابع الجاري في ساحات الاشتباك بين قوى التحرر والمقاومة وتركة الحلف الاستعماري الرجعي الصهيوني في سورية واليمن وفلسطين والعراق فدوام الحروب الفاشلة والمعارك غير المنتهية يعيق ساعة إعلان الانتصار الحاسم للشعوب والقيادات المقاومة ويؤخر انكشاف هزيمة الغزاة وعملائهم.
إن تعطيل خطط الاستنزاف وتحصين معادلات الصمود وتوفير مستلزماته الاقتصادية والاجتماعية عبر توحيد الجهود والإمكانات بين قوى التحرر إقليميا وعالميا يجب ان يكون متلازما مع تحضير القوى والإمكانات العسكرية والسياسية لجولات الحسم النهائي في التوقيت المناسب.
يمكن لجبهة مناهضة الهيمنة الأميركية في العالم أن توفر قدرات هائلة لو توحدت وتحلت بشجاعة المبادرة في جميع الميادين وهذا هو الاتجاه الذي ينبغي اتباعه لمنع أي التفاف على الهزائم الاستعمارية ولتدفيع العملاء المحليين والوكلاء الإقليميين كلفة خياناتهم ومؤامراتهم .
من أميركا اللاتينية إلى أفريقيا والشرق العربي وأقاصي الشرق الآسيوي لا بد أن تقوم جبهة واحدة لشعوب ترفض حروب التدمير والهيمنة التي تشنها الولايات المتحدة تلك هي الرسالة التي يجب ان يرفع الأحرار لواءها في كل مكان وأن يتصرفوا على أساسها.