التسوية الحكومية الهشّة تترنّح قبل المئة يوم: ناصر قنديل
– خلال الفترة التي كانت ترافق كل مرحلة من مراحل التسويات المتعدّدة التي رافقت فترة الحَمْل الحكومي الطويل الذي سبق الولادة، كان أطراف هذه التسوية يصمّون آذانهم عن كل تذكير بأن ثمّة فارقاً كبيراً بين حكومة المحاصصة الطائفية وحكومة الوحدة الوطنية، وأن حكومة المحاصصة الطائفية مهما توسّع إطارها التمثيلي ستولد عاجزة عن الإيفاء بما تتطلّبه التحديات التي تنتظرها أو الوعود التي تقطعها، وكانوا يثقون بأن المرحلة الصعبة ستنتهي بمجرد ولادة الحكومة، لتشهد مرحلة ما بعد نيل الثقة انطلاقة معافاة للحكومة نحو جدول أعمالها المليء بالتحديات والوعود، بينما يقول الشهر الأول من عمر الحكومة الذي ينتهي أثناء زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى مؤتمر بروكسل للنازحين سبقته سجالات تشكيل وفد حكومي إشكالي في ملف من الملفات الرئيسية التي ولدت الحكومة للتعامل معها والسير بها إلى طريق الحلول، والشهر الأول هو ثلث الأيام المئة التي توافق مؤيدو الحكومة مع معارضيها على اعتباره حاسماً في رسم مسارها والتأشير إلى مصيرها، بل هو الثلث الأهم، لأنه يحمل حرارة الاندفاع المتولّدة من نيل الثقة النيابية، وفرح الولادة، بينما الشهر الثاني يبدأ محكوماً بوقع الإحباط والخيبات التي حملها الشهر الأول، والشهر الثالث أشد منه صعوبة وتعقيداً .
– كان يفترض لمطلع الشهر الأول أن يحمل ولادة لجان وزارية للتعامل مع عناوين البيان الوزاري وأن تحمل نهايته إعلان نتائج عمل هذه اللجان التي تتحوّل مشاريع قوانين تحال إلى المجلس النيابي في كل ما تمّت تسميته مشاريع النهوض ومكافحة الهدر والفساد، وأن يتبلور بوحي عمل هذه اللجان الوزارية السير بمبادرات عملية، تجاه القضايا التي يتخطى التعامل معها الشؤون التشريعية والإجرائية إلى السياسة كقضية النازحين السوريين أو قضايا قانون الانتخابات والتعديلات التي قيل إنه لا بد منها بوحي ما كشفته الانتخابات نفسها، أو السير بقانون جديد كحصيلة لحوار وطني جامع، ومثلها وقبلها وضع بنود اتفاق الطائف التي لم تنفذ في تداول وطني واسع للسير بها نحو التطبيق، تحقيقاً لما قيل إنه الالتزام باتفاق الطائف إطاراً جامعاً لأطراف التسوية الحكومية وطنياً، ويكفي القول إن قضيتين تشغلان الرأي العام وتعترف بوجودهما الحكومة لم يدفعاها لتحريك ساكن، فلا هي علقت تمويل عمليات التوظيف التي تمّت من خارج القانون في فترة الانتخابات وأحالتها إلى هيئات الرقابة لاتخاذ القرارات المناسبة، ولا هي تجرأت على تلقي تقارير وزارة المال عن إعادة تكوين الملفات المالية عن ربع قرن، سلكت طريقها نحو ديوان المحاسبة مباشرة، لأن الحكومة ليست جاهزة لتلقفها والسير بالتحقيق في غوامضها ومجاهيلها.
– تبدو التسوية الحكومية قد قامت على نيات متعاكسة بين أطرافها، ربما يعبر عنها المثل الشائع «الجمل بنيّة، والجمّال بنيّة، والحمل بنيّة». فما يعتقده بعض أطرافها تنازلات كافية لحساب شركائه في هذه التسوية كي تقفل الابواب أمام أي ملفات بلا توافق مسبق يراعي مصالحه يراه شركاؤه إنصافاً مستحقاً لأصحاب حقوق، ولا يقرّون بكونها تنازلات تجب مقابلتها بأثمان، سواء في ما يخصّ القبول بقانون يعتمد النسبية أو بتشكيل حكومة بشروط وضوابط وسعت قواعد تمثيلها بين الطوائف، والمعركة ضد الهدر والفساد ليست موضع توصيف موحّد بين أطراف التسوية الحكومية، القائمة على المحاصصة الطائفية، وهي محاصصة لها قوانينها، وفي مقدّمتها أن المساءلة لرموز أي طائفة ممنوع وطنياً قبل أن تكون المساءلة مسموحة في طائفته وتنال رفع الغطاء الطائفي أولاً، ففشلت الحكومة في التوافق على معادلة بسيطة ينتظرها الناس من أي حكومة في النظر في أي ملف مالي، والمعادلة هي عدم التسييس في الاتهام والدفاع، ونقل الملفات إلى يد الأجهزة القضائية والرقابية وبعدها أطر المساءلة البرلمانية، دون النظر في الأسماء المعنية، بل في الأفعال التي تبرّر التبرئة أو الإدانة.
– الحصيلة البسيطة التي تقولها وقائع العمل الحكومي هي أن المسار هشّ ومترنّح، وأن ما قيل عن الفارق بين حكومة المحاصصة الطائفية وحكومة الوحدة الوطنية يظهر واضحاً، وأن المضي في تجذير الطائفية في السياسة والتوظيف والإنفاق يعني المضي في تجذير الفساد وتعليق العمل بالقانون وجعل فكرة الدولة في مهب الريح، وأن التسوية التي تنتج حكومة محاصصة طائفية ليست تسوية تتسبّب بالإنهاك والإرهاق لمرة واحدة، بل هي تسوية تحتاج إلى تسويات متلاحقة لا تتوقف لتمنع انفراط عقدها فقط.