سفير “الأم الحنون” يصارح الجميع: “لبنان غير قابل للإصلاح”!: د. عصام نعمان
يَنسب النائب السابق لحاكم مصرف لبنان المركزي غسان العياش إلى سفير فرنسا «الأم الحنون» سابقاً بلغة بعض اللبنانيين بيار دوكان المكلّف متابعة مقرّرات مؤتمر «سيدر» لإنماء لبنان وإعماره قوله «إنّ لبنان غير قابل للإصلاح ».
لعلّ ما قاله دوكان جاء بعد اطلاعه على واقعات الفساد والإهدار المالي التي تتكشف يومياً. من هذه الواقعات المذهلة اثنتان:
رئيس لجنة المال والموازنة البرلمانية النائب ابراهيم كنعان أكد انّ «هناك /15200/ شخص في ملاك وزارة التربية والتعليم العالي بين متعامل ومستعان به، وظائفُهم غير واردة في القانون».
غسان العياش قال: «تبيّن أنّ الموجودات الخارجية الصافية للقطاع المالي سنة 2018 … سجّلت عجزاً تاريخياً يقارب خمسة مليارات دولار، أعقبها عجز بمبلغ 1,3 مليار دولار في كانون الثاني/ يناير من العام الحالي، وهذا المؤشر يُظهر حجم النزف وخروج الأموال من لبنان».
في غمرة هذه المخاطر، استقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أعضاء الهيئة الوطنية لحماية الدستور والقانون للمداولة في أوضاع البلاد. تحدّث بإسم الهيئة امين السر الدكتور عادل يمين فنوّه بدور الرئيس عون في إعادة الهيبة لرئاسة الجمهورية وبقيادته «عملية مكافحة الفساد وإطلاق أيادي القضاء والأجهزة الرقابية وتوفير التغطية الكاملة لها من أجل القيام بعملها بلا خوف أو ضغط».
كانت لي، كما لغيري، مداخلة قلتُ فيها للرئيس عون: لرؤساء الدول عامةً طموحات وأهداف متعددة. لكن بعضهم يولي أحد أهدافه الأساسية عنايةً وتركيزاً أكثر من غيره ليجعل منه إنجازاً تاريخياً يقترن بإسمه. الجنرال شارل ديغول، صاحب الدور البارز في تحرير فرنسا من الإحتلال الألماني، رفض مشاركة حزبه في الحكومات المتعاقبة بعد التحرير لإقتناعه بترهّل نظام الجمهورية الرابعة وضرورة تغييره. بعد وصول فرنسا الى حضيض الإنهيار العام 1958، اجتمع رئيس الجمهورية كوتي ورؤساء الكتل البرلمانية بديغول طالبين منه تسلّم قيادة البلاد بحكومة يؤلفها كما يشاء مع استعداد جميع التكتلات البرلمانية لمنحه الثقة. ديغول رفض العرض مشترطاً أن تُمنح حكومته سلطات اشتراعية لإصدار قوانين من دون الرجوع إلى البرلمان وذلك بغية وضع دستور جديد للبلاد يُعرض على استفتاء شعبي حتى إذا نال الأكثرية أصبح دستوراً نافذاً، وبذلك تنبثق الجمهورية الخامسة.
رضخ الرئيس كوتي وزعماء التكتلات البرلمانية لديغول، فقام بوضع دستورٍ جديد وإقراره باستفتاء شعبي، وهكذا اصبح اسمه مقروناً بإنجاز تاريخي هو قيام الجمهورية الخامسة.
مستلهماً هذا المثال، دعوتُ الرئيس عون إلى التركيز على مطلب مكافحة الفساد وإنجازه مهما تطلّب من جهد وتضحيات لأنّ نجاحه يعني إدانة وبالتالي إقصاء جمهرة كبيرة فاسدة من أهل النظام الطوائفي ما يفسح في المجال لتنفيذ إصلاحات أخرى وازنة. فمن يقدر على الأكثر يقدر لاحقاً على الأقل.
اكتفيتُ، لضيق الوقت، بما قلت مفسحاً في المجال لغيري كي يدلي بدلوه. وها انني أدلي ببقية ما كنتُ أنوي قوله للرئيس عون، آملاً ان يطلّع عليه في هذه العجالة:
انني وإنْ كنتُ أحثّ الرئيس عون على المضيّ في حملته على الفساد، إلاّ انني أرجّح عدم نجاحه الكامل في هذا السبيل. لماذا؟
لأنّ أركان الشبكة السياسية المتحكّمة يدركون مخاطر الحملة على الفساد كونها تعرّض نظام المحاصصة الطوائفي ذاته ومصالح أهله للانهيار. لذلك سيبادرون الى ابتداع مخرج من الأزمة يكون بمثابة تسوية لحماية النظام وإعادة إنتاجه ولو اقتضى الأمر تقديم بعض التنازلات.
إنّ عدم وجود معارضة وطنية تقدّمية موحّدة، نقيضة للنظام وقادرة على إزاحته، سيمكّن الشبكة المتحكّمة من اجتراح تسوية للصراعات والاختلالات محورُها معادلة منقّحة للمحاصصة تحمي مصالح أهل النظام كما تسترضي، جزئياً، الفقراء وذوي الدخل المحدود وما تبقّى من الطبقة الوسطى.
تسوية كهذه ممكنة وقابلة للاستخدام بعض الوقت، لكنها لن تشكّل إبراءً لأهل النظام الفاسد من شرور ارتكاباتهم. الإبراء الكامل مستحيل.
ما العمل؟
لا خيارَ مجدياً أمام القوى الوطنية والتقدّمية إلاّ تفعيل نهج المعارضة الشعبية بنَفَس طويل بغية تحقيق أهداف ثلاثة:
أولاً، إنجاز مستوى عالٍ من التضامن والتنسيق كشرط للإرتقاء الى جبهة عريضة تحتضن كتلة شعبية وازنة.
ثانياً، إسقاط الوهم بإمكانية القضاء على الفساد والفاسدين وبناء الدولة المدنية الديمقراطية بوجود نظام المحاصصة الطوائفي الراهن.
ثالثاً، التزام برنامج مرحلي للنهوض وبناء الدولة بأولويات سياسية واقتصادية واجتماعية واقعية ومتطورة.
هذه كلمة صريحة للمسؤولين ودعوة صارخة للمواطنين.
(البناء)