مقالات مختارة

هل بايع الأميركيون «الصفدي» قائداً لحلفهم اللبناني؟: د. وفيق إبراهيم

 

كان معروفاً أنّ تضعضع الدور الإقليمي السعودي لعوامل متعدّدة انعكس مزيداً من الضعف السياسي على حزب المستقبل اللبناني الذي يشكل واحداً من فروعه .

هذا ما ينطبق أيضاً على قوة النائب السابق وليد جنبلاط التي لا تمرّ بأحسن حالاتها، بينما تبدو «القوات اللبنانية» مرتاحة على وضعها، كما «تعتقد» وتستطيع بالتالي رفع الراية الأميركية السعودية بأكثر أنواع التطرّف وصولاً إلى إعلان التطبيع مع «إسرائيل».

لذلك صدقت الترجيحات التي كانت تقول إنّ الأميركيين بصدد تولية القوات إمارة حلفها اللبناني، وهذا ما فعله دايفيد ساترفيلد معاون وزير الخارجية الأميركي بومبيو الذي التقى فور وصوله منذ يومين إلى لبنان بقيادة القوات، وبحثوا في أفضل الطرق لمكافحة الدور الصاعد لحزب الله في إنتاج القرار الوطني.

هناك مفاجأتان كشفهما لقاء ساترفيلد «القوات»، الأولى تعكس إعلاناً أميركياً واضحاً بيأسهم من احتواء التيار الوطني الحر مع دعم مفتوح لجعجع في قيادة المسيحيين.

ما هو الدليل؟ إنّ ساترفيلد بادر فور وصوله للالتقاء بالقوات ومنادلتهم في أحد المطاعم، بينما كانت اللياقات الدبلوماسية تقتضي منه زيارات المقامات الأولى في الدولة.

فهو في لبنان ليس في بيت أبيه ولا منزله.

وصحيح أنه التقى بعدها بوزير الخارجية جبران باسيل إنما ليبلغه فقط بموعد وصول بومبيو إلى بيروت في إطار جولته على عدد من دول المنطقة.

أما المفاجأة الثانية فهي حضور الوزيرة فيوليت خيرالله ومعها زوجها الوزير السابق محمد الصفدي.

بعيداً عن ثرثرات المقاهي والمطابخ يجب الإقرار بأنّ السيدة فيوليت تمثل طائفة الروم الأرثوذكس في الوزارة إنما في إطار الولاء السياسي لحزب المستقبل الذي دعمها للوصول إلى هذا الموقع.

لذلك يبدو حضورها اللقاء الأميركي القواتي نافراً في ظاهره فقط.

لكن الأكثر استغراباً هو حضور زوجها نائب طرابلس السابق محمد الصفدي، فهل يصدّقُ أحد أنه حضر اللقاء لمجرد مرافقة زوجته فيوليت، بالطبع لا… فمحمد الصفدي يحترف العمل السياسي والأعمال في السعودية التي يبالغ في تأييد نهجها السياسي، لذلك فإنّ لحضوره أبعاداً سياسية صرفة تندرج في إطار التحضير الأميركي لمشروعهم الذاهب إلى التصعيد الكبير في وجه حزب الله في عرينه اللبناني.

يبدو أنّ الأميركيين يفكرون كالآتي: أولاً يجب ان يكون قائد حلفهم اللبناني من الطائفة السنية، للزوم استمرار قدرتهم على إحياء الفتنة السنية الشيعية التي تشكل مدماكاً أساسياً لحركتهم في العالم الإسلامي بكامله انطلاقاً من عدائهم لإيران وحليفها حزب الله.

ولأنّ رئيس الحكومة سعد الحريري لا يستطيع تبني خط تصعيدي على قياس الخطة الأميركية السعودية بسبب دوره في رئاسة الحكومة، ولا يقدر أيضاً دفع حزبه المستقبل لتقمّص المهام التصعيدية بسبب التخوّف من انهيار التحالفات الحكومية، فكان طبيعياً أن يبحث الأميركيون عن قيادة سنية أخرى، بوسعها أداء الدور.

لذلك استبعدوا فؤاد السنيورة لتورّطه في قضايا فساد هي بين أيدي القضاء حالياً.

ورفضوا الريفي لأنه دون المستوى وتمام سلام الذي يرفض التورّط كثيراً في التصعيد المذهبي.

وأخيراً اكتشفوا الدواء، إنه الصفدي الموالي للسعودية والمتحالف مع المستقبل وإبن أكبر مدينة سنية وزوجته وزيرة تنتمي لفريق المستقبل ولديها علاقات بـ «القوات اللبنانية» كونها مسيحية.

ومع كامل الاعتذار من القارئ بسبب هذا العرض المذهبي الطائفي الذي لا نوافق على أساليبه، لكنه يشكل الوسيلة الوحيدة التي يعتمدها الحلف الأميركي السعودي «الإسرائيلي» في خطته الجديدة ومن الواجب إذاً كشفها لدرء خطرها.

هذه هي البناءات التي يعمل عليها الأميركيون وإلا كيف يصل الناطق باسم جيش الكيان الإسرائيلي إلى حدود تصريح تلفزيوني يقول فيه إنّ «إسرائيل» تستعدّ للدفاع عن السنة العرب في وجه المشروع الشيعي الذي يستهدفهم؟

أليس هذا من أعظم البلوى والبلاء؟

لذلك فإنّ حلف المستقبل – الاشتراكي – القوات ومعهم الكتائب والأحرار وشخصيات مستقلة من كلّ المذاهب هي عماد هذا التحالف، إنما بقيادة محمد الصفدي والقوات اللبنانية، ما يُعفي الحريري من الإحراج السياسي وجنبلاط من مزيد من التدهور.

وإذا انفرط عقد الحكومة الحالية بسبب اتجاه الأميركيين إلى عيارات تصعيدية مخيفة، فإنّ بديل الحريري هو محمد الصفدي وإلا فتذهب البلاد الى أزمة دستورية تؤدّي الى انهيارها اقتصادياً وسياسياً وبشكل كامل.

هل يعتقد الأميركيون أنّ خطتهم كافية لوقف اندفاعة حزب الله المستندة الى انتصارات إقليمية على «إسرائيل» والإرهاب والمشروع الأميركي المتضعضع في سورية؟

يعتقد الأميركيون أنّ علاقة الفرنسيين بالتيار الوطني الحرّ كفيلة بتحييد التيار في المعركة مع حزب الله، ما يحصره في إطار القوة الشيعيّة التي لها تحالفات ضعيفة في المذاهب والطوائف الأخرى.

يبدو في المحصلة أنّ هناك اتجاهاً أميركياً لاستعمال لبنان وسيلة لتأخير صعود حزب الله الداخلي، وهي مهلة ضرورية لإعادة بناء آلياتهم الجديدة في المنطقة، وإلا لماذا ينشرون صواريخ «التاد» المضادة للصواريخ في السعودية و»إسرائيل»؟

فهل يكون لبنان ضحية الخطة الأميركية؟

السياسات الأميركية التاريخية تكشف أنّ الأميركيين يستعملون الدول والشعوب كمجرد أدوات لحماية أدوارهم العالمية. هذا ما فعلوه في فيتنام والعراق وأفغانستان وعشرات البلدان الأخرى، على أمل أن يكون الوزير الصفدي أكثر حرصاً على دوره السياسي ومستقبل زوجته الوزيرة فيوليت.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى