أردوغان يرقص على الحبل بين موسكو وواشنطن؟: حميدي العبدالله
بات واضحاً أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعتمد سياسة تقوم على توظيف علاقاته مع روسيا والولايات المتحدة للحصول على مكاسب من كلا الدولتين بما يلائم رغباته وتطلعاته السياسية. فهو يستغلّ علاقاته مع روسيا للضغط على الولايات المتحدة للاستجابة لموقفه في ملفات عديدة، وأبرزها الموقف من أكراد سورية، وتحديداً وحدات الحماية الكردية، وتسليم المعارض التركي فتح الله غولن المقيم في واشنطن والحليف السابق والمنافس لأردوغان، إضافة إلى ملفات أخرى ومنها علاقة تركيا بكلّ من إيران وروسيا .
وفي المقابل يستغلّ أردوغان علاقته مع الولايات المتحدة وتأكيده المستمرّ على ضرورة بقاء هذه العلاقة على ما كانت عليه طيلة فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وانضمام تركيا إلى حلف الناتو، للضغط على روسيا للحصول منها على تنازلات في ملفات عديدة أبرز هذه الملفات سعيه لإطلاق يديه في سورية وعدم اعتراض روسيا على ما يقوم به، بل الاحتماء بروسيا في مواجهة أيّ عمل عسكري يمكن أن تقوم به سورية ضدّ الاحتلال التركي والميليشيات الإرهابية المرتبطة بتركيا. حتى هذه اللحظة بدا واضحاً أنّ سياسة أردوغان حققت بعض ما تصبو إليه من خلال علاقاتها مع روسيا ومثال ذلك الهجوم على عفرين واحتلالها وقبل ذلك الهجوم على جرابلس – الباب واحتلالهما، وتأجيل العملية العسكرية لتحرير إدلب من الإرهاب، ولكنه لم يستطع تحقيق أيّ نجاح في مواجهة الولايات المتحدة، ولا سيما في الملفين الأساسيين موضع الخلاف بين واشنطن وأنقرة، أيّ الموقف من وحدات الحماية الكردية في سورية، وتسليم المعارض فتح الله غولين، ومع ذلك وعلى الرغم من فشل أردوغان في تحقيق أيّ شيء لم يعمد إلى قطع علاقاته مع الولايات المتحدة ويكتفي بتوجيه النقد الكلامي لها.
واضح أنّ الرئيس التركي وحكومته وتركيا عموماً غير قادرين على الخروج عن سياسة الرقص على حبال العلاقة مع روسيا والولايات المتحدة، وذلك لأنّ مصالح تركيا الاقتصادية والسياسية، باتت موزعة على الدولتين المحوريتين على مستوى العالم.
علاقات تركيا مع روسيا تجارياً واقتصادياً باتت تختلف تماماً عن علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي، اليوم هناك مصالح مشتركة، حيث أنّ آلاف السياح الروس يزورون تركيا يومياً، وثمة سلع متنوّعة تصدّرها تركيا إلى الأسواق الروسية مستفيدة من قرب هذه الأسواق، وهناك مشاريع للتعاون في مجال الطاقة أبرزها السيل الجنوبي، وكلها مصالح تعود بالنفع على الاقتصاد التركي بعشرات مليارات الدولارات، ويصعب الاستغناء عنها، بل كلفة الاستغناء عنها ستكون باهظة وقد تؤدّي إلى انهيار تركيا.
أيضاً ثمة مصالح سياسية روسية متكوّنة مع تركيا، وحتى في علاقة تركيا مع روسيا في مواجهة حلفاء أردوغان الغربيين.
من جهة أخرى يصعب على تركيا إدارة الظهر بالكامل للغرب، لأنّ لديه مصالح عسكرية واقتصادية وسياسية تكوّنت على امتداد أكثر من نصف قرن، ولا يستطيع أردوغان تخطي هذه المصالح والمغامرة بها، ولذلك سيظلّ يرضي ما يطلبه الغرب منه، على الأقلّ في الملفات والقضايا الأساسية.
من ينتظر أن يحسم أردوغان موقفه من روسيا والولايات المتحدة لن يرى هذا الموقف في أيّ يوم من الأيام.
(البناء)