السلطة السياسية تُعطل وظائف المجلس الدستوري…؟ محمد حمية
قد يكون المجلس الدستوري سجل سابقة نوعية وجريئة في سجل قرارات المجالس الدستورية السابقة لجهة إبطال نيابة أحد النواب لحصول تزوير في الانتخابات. إذ لم يسبق لمجلس دستوري أن أبطل نيابة أحد النواب منذ انتخابات العام 1996، ما عطل صلاحية هذه المجالس المتعاقبة لعقود من الزمن، فأن يبت الدستوري بقرار طعن لهو مؤشر ايجابي لجهة عمل الأجهزة القضائية بعيداً عن التدخلات والحسابات السياسية .
لكن رغم هذه «البارقة المضيئة»، فإن قرار الدستوري جاء منقوصاً ويُخفي تسوية سياسية سبقت اعلان القرار لم يكن بعيداً عنها التيار السياسي الذي تنتمي اليه السيدة ديما جمالي، ما يطرح شكوكاً في قرار الدستوري واستنسابه أحد خياراته الثلاثة!.
فما هي هذه الخيارات؟
أمام المجلس ثلاثة خيارات بحسب ما قالت مصادر دستورية وقانونية لـ»البناء»: ردّ الطعن وتثبيت نتيجة وزارة الداخلية. قبول الطعن وإعلان فوز المرشح الخاسر الذي يليه بحسب الأرقام وإما إعلان الإبطال والامتناع عن إعلان فوز المرشح الخاسر وإعلان المقعد شاغراً.
أما وقد اختار المجلس ما يتلاءم ويتواءم مع مصلحة جهة سياسية معروفة، فعلى السلطة السياسية بحسب المصادر الدعوة الى إجراء انتخابات فرعية عن المقعد الذي شغر بالإبطال خلال مهلة شهرين من حصول الشغور بموجب مرسوم رئاسي يوقعه الى جانب رئيس الجمهورية رئيس الحكومة ووزير الداخلية وتجرى الانتخابات وفقاً للنظام الأكثري بحسب قانون الانتخاب 44 / 2017 وعلى الدائرة الصغرى أيّ طرابلس فقط.
لكن هل يقع إعلان فوز المرشح الخاسر أيّ طه ناجي في هذه الحالة ضمن صلاحية المجلس الدستوري؟
بحسب المصادر الدستورية فللمجلس الدستوري الحق بإعلان فوز المرشح الخاسر إذا كانت الأرقام الانتخابية واضحة أمامه، فإذا كانت كذلك ولم يعلن فوز المرشح الثاني من حيث عدد الأصوات فقرار الدستوري ملتبس وغير دستوري.
أما السؤال لماذا لم يأخذ الدستوري الخيار الثاني وإعلان فوز المرشح ناجي؟
لا شك أنّ الدستوري مارس صلاحيته في الشق الأول من قراره بإبطال النيابة لكنه في الشق الثاني أتاح المجال لإعادة ترشح النائبة المطعون بنيابتها وبالتالي تثبيت فوزها وعودتها الى الندوة البرلمانية، وهنا تكمن التدخلات السياسية.
علاوة على ذلك، فإنّ قرار الدستوري جاء بعد ممارسة المجلس النيابي لصلاحياته في عدة مواقع من الاستشارات النيابية الى منح الحكومة الثقة فيما بعض نوابه مطعون بنيابتهم؟ لكن رغم أنّ الدستور لا يلحظ المفعول الرجعي لإبطال النيابة ما يعني أنّ كلّ الأعمال التي قام بها النائب في تلك المرحلة تعتبر منجزة وقائمة، إلا أنّ السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تمّ تأجيل قرار الدستوري الى ما بعد تأليف الحكومة ونيلها الثقة؟ فالذرائع التي قدّمها رئيس المجلس عصام سليمان من صعوبة الحصول على الأدلة ونقص عدد الموظفين في المجلس لم تكن مقنعة، أيعقل أنّ المجلس لم يتمكن من ذلك منذ أيار الماضي؟ وما يعزز الشكوك أكثر هو إعادة ترشح جمالي من بيت الوسط أمس، وما علمته «البناء» من ممارسة ضغوط سياسية على المجلس لإرجاء قراره الى ما بعد تأليف الحكومة، كما أنّ تيار المستقبل كان على علم بالقرار قبل وقت ليس بقريب لتيقنه من فوز مرشحه في أيّ انتخابات فرعية مقبلة على القانون الأكثري، لا سيما مع خلط أوراق التحالفات بعد التسويات الحكومية بين الرئيس سعد الحريري وكلّ من القوتين الانتخابيتين الكبيرتين في دائرة طرابلس وهما الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق محمد الصفدي ما يسمح للمستقبل بخوض معركة انتخابية آمنة ونظيفة وسهلة الفوز.
أما ما يُثير الاستغراب فهو هجوم كتلة المستقبل على الدستوري ورفض قرارة وكيل الاتهامات ضدّ جهات مجهولة بالغدر والطعن في الظهر، رغم أنّ القرار جاء لمصلحته بالكامل! أمرٌ لا يجد ما يُفسّره سوى أنّ هجمة المستقبل تهدف الى ذرّ الرماد في العيون وحرف الأنظار عن حقيقة أنّ القرار جاء لمصلحته وامتصاص غضب الأطراف المتضرّرة منه وشارعها على قاعدة «ظلم في السوية عدل في الرعية».
هذا لجهة صلاحية المجلس الدستوري المتمثلة بالنظر في الطعون الانتخابية، فماذا عن صلاحيته الثانية أيّ النظر بدستورية القوانين؟ فهل مارس صلاحياته في النظر بدستورية قانون الانتخاب النسبي الذي أُجريت على أساسه الانتخابات النيابية الأخيرة ومدى تطابقه والنصوص الدستورية والأعراف والقوانين المرعية؟
فقانون الانتخاب يخالف الدستور لجهة المساواة بين اللبنانيين إضافة إلى مخالفته اتفاق الطائف لجهة إلغاء الطائفية السياسية وانتخاب مجلس نيابي على أساس النسبية والمحافظات الخمس.
فالنظر في نيابة نائب واحد أمر إيجابي إذا جاء منفصلاً عن الحسابات السياسية، لكن الأهمّ هو النظر بدستورية قانون الانتخاب وبشرعية المجلس النيابي.
وهنا تشير مصادر دستورية لـ»البناء» الى أنّ «المجلس الدستوري لا يستطيع أن يضع يده عفواً على الطعون المتعلقة بالقوانين التي يصدرها المجلس النيابي، فالمراجعات ترده من أحد المراجع المحدّدة في الدستور وهي رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة أو 10 نواب في المجلس، أو من أحد رؤساء الطوائف التاريخية بما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية، ما يعطي القوانين حصانة على الطعن إلا من هذه المراجع»، ما يدلّ بوضوح أنّ السلطة السياسية منحت لنفسها صلاحية شلّ عمل المجلس الدستوري في ممارسة صلاحيته الثانية، أيّ دستورية القوانين، وبالتالي تعطيل وظائفه الوطنية إما من خلال الضغوط السياسية في الصلاحية الأولى أو عبر الخلل في النص الدستوري نفسه في الوظيفة الثانية.