هل تصحّ المقارنة بين فنزويلا وسوريا؟ ليلى نقولا
تتسارع التطورات في فنزويلا بشكل ينذر بحرب أهلية، يُخشى معها أن تبدأ باحتكاكات بين المتظاهرين المؤيدين والمعارضين لمادورو، أو أن يستغل طرف ثالث التشنج السياسي والاحتقان لاغتيال ما أو لافتعال حاثة أمنية كبيرة تكون شرارة الحرب الداخلية التي ستتطور بالتأكيد، لتتشابه في مقدماتها مع الحرب السورية .
وبالرغم من عدم تشابه المجتمع والثقافة بين سوريا وفنزويلا وغياب البعد الطائفي والديني عن الازمة الفنزويلية، إلا أن التطورات والأخبار المتسارعة والتصريحات الدولية، تجعل من الصعب عدم الانجرار الى المقارنة بين الازمتين، ونختار منها ما يلي على سبيل المثال لا الحصر:
1- في التشابه:
– تنقسم الدول الكبرى الى معسكرين متشابهين في التعامل مع القضيتين، فالولايات المتحدة الأميركية ومعها الاتحاد الاوروبي دعمت في السابق المعارضة السورية واعتبرت الرئيس السوري فاقدًا للشرعية، وبنفس الطريقة تعترف اليوم برئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية، خوان غاييدو، الذي أعلن نفسه رئيسًا مؤقتًا مسقطة الشرعية عن الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو. أما روسيا والصين فتدعمان في القضيتين ما تعتبران أنه يحافظ على القانون الدولي وسيادة الدول أي الرئيسان المنتخبان، وتبدوان غير معنيتان بالانتقادات الموجهة للانتخابات وديمقراطيتها.
وبالرغم من محاولة غوايدو مدّ يده للصين وإطلاق الوعود بالتعاون مع الصين في المرحلة اللاحقة (كونها اللاعب القادر على تأمين التمويل للتنمية في بلاده)، إلا أن الصين تبدو – لغاية الآن – متمسكة بمادورو، وذلك لأن الصين تخشى من المشاريع الغربية لتقويض سيادة الدول تحت إطار الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، إذ يمكن لسابقة فنزويلا أن تتكرر في كل من التيبت واقليم شينجيانع حيث يمكن أن يستغل الغرب رغبة بعض المجموعات بالإنفصال عن السيادة الصينية لتشجيعهم ثم الاعتراف الدولي برئيس يخرج من بينهم ويعلن نفسه رئيسًا…
– اللافت في القضيتين، موقف كل من السلطة والمعارضة من قضية فلسطين، فبعض الوجوه في المعارضة السورية أعلنت مبكرًا أنها سترفع العلم الاسرائيلي في دمشق وزار بعضهم اسرائيل ودعاها للتدخل لإيصاله الى السلطة، بينما قامت المعارضة الفنزويلية بالفعل برفع العلم الاسرائيلي في كاراكاس، بينما يجاهر مادورو وقبله هيوغو تشافيز بدعمهم للقضية الفلسطينية.
2- في الاختلاف:
بالرغم من أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تبدو دائمًا الشرارة المسببة للأزمات والحروب، لكن خلف هذه الواجهة تبدو القضايا المجتمعية أعمق بكثير، وهنا تختلف القضية السورية عن الفنزويلية في الصراع الطبقي والعرقي الذي تجسده الأزمة الفنزويلية:
لعل التوصيف الذي يمكن أن يطلق على الانقسام المجتمعي في سوريا والذي أدّى الى تفاقم الازمة، هو أبعد ما يكون عن الصراع الطبقي التقليدي أي فقراء ضد رأسماليين وبرجوازيين، بل لقد كان الفقراء والطبقات الوسطى والرأسماليون والبرجوازيون ينقسمون أفقيًا على خط الموالاة والمعارضة، بينما برزت حدة الانقسام بين ريفي ومدني أكثر وضوحًا في التأييد للمعارضة والسلطة، فالقوى الطائفية التكفيرية وجدت بيئة حاضنة لها في الأرياف أكثر مما استطاعت التجنيد في المدن (مع بعض الاستثناءات المحدودة).
أما في البحث عن أسباب الأزمة في فنزويلا، فيبرز الصراع الطبقي كعامل رئيسي (فقراء – أغنياء)، ويُبرز بعض الباحثين في الشأن الفنزويللي العنصرية والعرق (أبيض – أفريقي) كأحد أبرز القضايا المسببة للأزمات في فنزويلا منذ وصول هيوغو تشافيز الى السلطة. ويشير الباحثون الى أن الناظر إلى المستويات الاجتماعية الاقتصادية العليا للبلاد ، يرى إنها تميل إلى أن تكون أكثر بياضًا من المستويات الاجتماعية-الاقتصادية الدنيا.
وهنا تجدر الاشارة الى جذور هذه القضية، فخلال الاستعمار الاسباني لفنزويلا الذي بدأ أوائل القرن السادس عشر، تمّ جلب عشرات الآلاف من الأفارقة كعبيد، الى أن تمّ إلغاء الرقّ في فنزويلا عام 1854.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، شجّع الدكتاتور السابق ماركوس بيريز جيمينيز هجرة الأوروبيين والإيطاليين والبرتغاليين والألمان للمساعدة في تطوير البلاد كما زعم، وهي خطوة يقول الكاتب وينثروب رايت، مؤلف كتاب Café Con Leche ، “إنها كانت خطوة متعمدة من أجل (تبييض) البلاد“.
ولقد حاول دستور فنزويلا عام 1999 التخفيف من هذا الأمر بتجريم العنصرية، وتمّ السماح للمواطنين في استفتاء عام 2011، بالتعريف عن أنفسهم بأنهم من أصل فنزويلي- أفريقي… إلا أن العنصرية العرقية بقيت كالنار تحت الرماد. ولقد لفت تشافيز الى هذا الامر في إحدى المقابلات المتلفزة في 20 أيلول 2005، بقوله “الكراهية ضدي لها علاقة كبيرة بالعنصرية. بسبب فمي الكبير ، بسبب شعري المجعد. وأنا فخور جدًا بهذا الفم وهذا الشعر، لأنه أفريقي“.