بعد خطاب السيد : ماذا يختار اللبنانيون ؟
غالب قنديل
يمكن اعتبار كلمة سماحة السيد حسن نصرالله مفترقا هاما في الواقع السياسي اللبناني وهي تضمنت ما يكفي من المعطيات الصلبة والدامغة الدالة على استسلام القوى السياسية الحاكمة للضغوط وللوصاية بصورة تحرم لبنان من فرص جدية للخروج من المأزق الراهن وتمنع عليه امتلاك مقدرات دفاعية واقتصادية يمكن ان تنهض به بسرعة وبكلفة قليلة مما يجعل البلد مستنزفا ومستباحا ومرتهنا للهيمنة الأميركية الصهيونية.
اولا رسم خطاب السيد صورة لخيارين لبنانيين كبيرين في مقاربة المشاكل والمعضلات :
– خيار الاستمرار في السياسة الخاضعة للمحرمات الأميركية وخيار التحرر من الوصاية التي تسعى الولايات المتحدة لإحكام قبضتها على لبنان وفي الخيار الأول استمرار لعملية استنزاف متمادية تمنع البلد من بناء اقتصاد مستقل وتملي عليه الإذعان لشروط خارجية مرهقة وحيث الكلفة المضاعفة التي سيحملها الشعب اللبناني لأجيال قادمة بالقروض المتضخمة وفوائدها المتراكمة والهدف المعلن هو حل المشاكل الناتجة عن النظام الريعي الذي دمر المرافق العامة واغتال فرص تنمية القطاعات الإنتاجية وفي ظل تآكل البنية التحتية من الكهرباء إلى شبكات المواصلات والاتصالات ومياه الشرب والصرف الصحي والخدمات الطبية من استشفاء ودواء وصولا إلى بقاء البلد مستباحا امام الاعتداءات والانتهاكات الصهيونية الجوية لأن الشروط الأميركية نفسها تحرم الجيش اللبناني من الحصول على منظومات دفاعية فعالة تهدد الغطرسة الصهيونية وتصون السيادة الوطنية.
– خيار التحرر والاستقلال في بناء الشراكات التي تدعم قدرات البلاد الاقتصادية وتطور الاقتصاد المنتج والخدمات الطبية والكهرباء والنقل وتطور صناعة الدواء وتعيد بناء المرافق الحيوية بكلفة أقل وبمدى زمني أقصر وتوفر المنظومات والإمكانات التي يحتاجها الدفاع الوطني عن السيادة والاستقلال بيد الجيش اللبناني وهذه الفرص متاحة بالتحرر من الضغوط الأميركية المانعة لتطوير الشراكة مع دولة مستقلة مناهضة للهيمنة الأميركية الصهيونية في المنطقة وقد عرض السيد معالم تفوقها الاقتصادي وواقعها الاستقلالي ونموها النوعي في جميع المجالات ومكانتها المتقدمة علميا وتكنولوجيا في جميع المجالات… هي إيران الصديقة والشقيقة التي دعمت المقاومة اللبنانية ومكنتها من الانتصار على العدو الصهيوني وهي لم ولن تطلب شيئا لقاء دعمها ومساندتها للبنان في تحرير أراضيه وفي الدفاع عن نفسه .
ثانيا يعرف اللبنانيون بخبرتهم العملية مصداقية قائد المقاومة ودقته في عرض المعلومات وهو استخدم المعطيات الواقعية والعملية المجهولة لديهم قبل خطابه الهام والغني بالأرقام الكاشفة للقدرات والفرص التي تتيحها الشراكة مع إيران التي عرضت هباتها في اكثر من مجال حيوي وجوبهت بالرفض دائما كرمى لنهج الخنوع امام المشيئة الأميركية.
إنه المفترق في الخيار اللبناني بين التبعية والخضوع والاستقلال والتنمية وهو المفترق بين فرص التطور الطامح بشراكات وثيقة وبين مواصلة لحس المبرد بهيمنة اميركية مدمرة للفرص الجدية بين حماية دفاعية كاملة تستكمل ردع العدو الصهيوني في الجو كما على الأرض وبين البقاء تحت رحمة الأطماع والتهديدات.
يتطلب الانتقال إلى وضع جديد تعديلا للتوازنات اللبنانية ولمعادلة القرار وهو ما يستلزم الوصول إليه إطلاق موجة واسعة من الوعي الجديد للفرص والتحديات والسعي لإطلاق حركة شعبية مقاومة ضاغطة تلزم السلطة بانعطافة كبيرة في نهجها واولوياتها وهذا واجب جميع الأطراف والقوى الوطنية المعترضة على نهج السلطة الاقتصادي الاجتماعي والسياسي والمطلوب مجابهته بحركة شعبية عابرة للطوائف والمناطق في انتفاضة شاملة من اجل التحرر من الهيمنة وفي سبيل تنمية حقيقية واستقلال فعلي.
ثالثا نضيف إلى ما عرضه سماحة السيد بقوة وتألق حول إيران ان فرصا اخرى تستكمل المشهد وتوفرها الشراكة مع الصين وروسيا والهند إلى جانب إيران فالواقع العالمي المتحول يفرض على لبنان مراجعة خياراته لصالح التوجه شرقا مع الحفاظ على كل ما يحقق مصالحه في علاقاته بالدول الغربية والإقليمية المحسوبة على المعسكر الأميركي وستكون العلاقة بالشرق ثقلا يؤهل بلدا كلبنان للتحرر من الوصاية ولتصحيح العلاقة بالغرب والخليج بما يجعلها اكثر توازنا لصالح السيادة اللبنانية.
إنه التحدي الذي ألقاه السيد امام الرأي العام والقوى السياسية الوطنية التي تعودت واتكلت طويلا على التفكير في حزب الله وقدرته على الإنجاز المنفرد لأهداف وطنية كبرى منذ تصدره للمقاومة ولإنجاز التحرير ولتحديات الدفاع عن الوطن.
فالمطلوب اليوم هو مبادرة تلك القوى إلى التحرك وإطلاق موجة من الوعي الوطني الشامل العابر للطوائف قبل السعي إلى تظهير قدرتها على الحشد الشعبي خلف شعارات واهداف واقعية محورها تحرر لبنان من قيود الوصاية واستجابته لفرص التنمية والاستقلال الحقيقية في التوجه شرقا دون القطيعة مع الغرب ومن يوالونه في المنطقة ، والغاية التي نقترحها بواقعية هي علاقات وشراكات متوازنة اولويتها مصالح الشعب اللبناني وحل مشكلاته المزمنة.