الحكومة اللطيفة! بقلم: ابراهيم عوض
كان بودي ان يقتصر “حديث الاربعاء” لهذا الأسبوع على الترحيب بالحكومة الجديدة ومن فيها، خصوصا العنصر النسائي وفي مقدمه السيدة ريا الحسن التي تدخل كتاب “غينيس” كأول وزيرة داخلية من الجنس اللطيف في العالم العربي وفي لبنان بطبيعة الحال. الا أن المعاناة التي يتكبدها أبناء الشمال بصورة خاصة على طريق طرابلس- بيروت او بالعكس، ومعهم كل من يأتي الى محافظتهم او يغادرها، فرضت نفسها بعد ان أدت الأمطار الغزيرة والرياح العاتية قبل نهاية الشهر الماضي الى انهيار تلال على الطريق الرئيسي وتساقط أتربة بكثرة بالقرب من نفق شكا لجهة البترون مما تسبب بقطع الطريق لمسافة تقارب الكيلومتر وأكثر .
واذا كان مكتوب على الطرابلسيين تحمل مشقة الذهاب الى بيروت او الخروج منها ومكوثهم لساعات داخل سياراتهم أسرى الازدحام الممسك بمداخلها، فها هي مصيبة ثانية تنغص حياتهم هذه المرة عند النفق المذكوى، حيث بات لزاما عليهم الانتظار ايضا لوقت طويل قبل ان يعبروا آمنين.
بالعودة الى الخبر المفرح، ولادة الحكومة الجديدة بعد ان اتمت مدة الحمل كاملة وعانت من آلآم وأوجاع وهزات ومطالب وعقد ومواقف نارية و”عنترية”، ها هي تطل بوجه بشوش حاملة المفاجأة غير المتوقعة، توزير امرأة لوزارة مصنّفة “رجالية”، لا بل عسكرية وأمنية، أُسندت لوزيرة مال سابقة أثبتت حضورها وأجادت في المهمة التي أُوكلت بها ويُتوقع أن تُوفق في ما عُهِد اليها اليوم.
ولمن لا يعرف سيرتها الذاتية اليكم جانبا منها. هي خريجة جورج واشنطن في الولايات المتحدة الاميركية بدرجة ماجستير في ادارة الأعمال. وحائزة على بكالوريوس في ادارة الأعمال من الجامعة الاميركية. وتشغل حاليا رئاسة مجلس ادارة مدير عام المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس. كما هي عضو في مكتب تنسيق الاصلاح الحكومي المكلف بمراقبه تنفيذ برنامج “باريس 3″، وتتولى الاشراف على مشروع البنك الدولي لتصميم وتنفيذ اصلاحات القطاع الاجتماعي، بالاضافه الى مديرية المشاريع التي يمولها الاتحاد الاوروبي، ومشروع برنامج الامم المتحده الانمائي “تعزيز قدرات اتخاذ القرار في مكتب رئيس الوزراء“.
تسلم الوزيرة ريا الحسن حقيبة الداخلية ستشكل “انقلابا” من دون شك في مفهوم هذه الوزارة والنمط الذي سارت عليه لعهود. وسيتيح للمرأة أن تثبت بأنها جديرة بتحمل أكبر المسؤوليات، بما في ذلك رئاسة الدولة او الحكومة. وامامنا مثالان على ذلك انجيلا ميركل في المانيا، والراحلة مارغريت تاتشر في المملكة المتحدة التي لقبت ب “المرأه الحديدية“.
وفي الحديث عن ريا الحسن لفتني ما كتبه الوزير السابق فريد عبود، القريب من الرئيس ميشال عون، على صفحته “التويترية” إذ قال: ” أنا خدمت معالي الوزير ريا الحسن. وانا أشهد على نظافة كفها. تواضعها وفكرها النير العلمي والمنفتح”. وارفق عبود تغريدته بالملاحظة التالية، وهو محق بها، “معالي الصديقة اصبح لي أكثر من عشر دقائق أنتظر المرور على جنب وزارة الداخلية التي أكلت نصف الطريق (الصنائع) باسم الأمن. سيدتي الأمن كاميرات وليس اقفالا للطرقات مع كل احترام وتقدير يجب رفع الحاجز“
مع السيدة ريا الحسن هناك السيدة العزيزة التي عرفها الطرابلسيون بعد زواجها من الوزير السابق محمد الصفدي. ولمسوا مدى الحماسة التي تعتريها للنهوض بالفيحاء. وسرعان ما ترجمت شعورها هذا الى افعال ظهرت في مهرجانات و نشاطات اجتماعية وثقافية وفنية ومبادرات انسانية تُعنى بالمعاقين.
والسيدة فيوليت زميلة وافدة من عالم الاعلام، متخصصة في ادارة الاعمال الدولية من جامعة سيدة اللويزة. وتتابع حاليا دراسات عليا في مجال العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة المذكورة. ويُسجل لها، قبل دخولها المقر المخصص لوزراتها، أنها وُفقت في تعديل اسمها من “وزارة الدولة لشؤون التأهيل الاقتصادي للشباب والمرأة” الى “وزارة الدولة لشؤون التمكين الاقتصادي للشباب والمرأة” اي جرى حذف كلمة “تأهيل” بموافقة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الذي اتصلت به من اسندت اليها حقيبتها لهذه الغاية.
الوزيرة الزميلة فيوليت الصفدي لن تكون الوحيدة الآتية الى الحكومه من عالم مهنة البحث عن المتاعب. فهناك زميلة ثانيه دفعت غاليا جدا، ثمن عملها في المهنة المذكورة. إذ تعرضت لمحاولة اغتيال افقدتها يدها وساقها اليسريين وظلت صامدة ثابتة على مواقفها تحظى باحترام من يوافقها الرأي ومن يعارضها اياه، وان وصلت المعارضة أحيانا لحال الصدام المهني والسياسي بالتأكيد.
هي الزميله مي شدياق “نجمة” الأخبار في محطة “ال بي سي” سابقا. ومقدمة برنامج “نهاركم سعيد” على مدى سنوات، والتي اختيرت لتولى حقيبة وزيرة الدولة لشؤون التنمية الادارية.
تفخر بعضويتها في حزب “القوات اللبنانية”. والاهم انها تغلبت على ما أصابها من اعاقة ونهضت لتتابع مسيرتها المهنية والتعليمية والسياسية. وقد سبق ان اصدرت كتابين لها باللغة الفرنسية الاول بعنوان “السماء تنتظرني” والثاني “التلفزيون اذا تكلم” وقد منح جائزه “فينيكس”. ونشير الى انها استاذة في مواد الصحافة والتلفزيون والراديو في جامعة سيدة اللويزة منذ العام 1997، وحائزة على شهادة دكتوراة في علوم الاعلام والتواصل من جامعة باريس الثانية. ونالت العديد من الجوائز الدولية،بينها ميدالية رئاسة الجمهورية الايطالية. وقلدها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ميدالية رفيعة في قصر الاليزيه. وسبق أن وصفتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس من ابرز الشخصيات الاعلامية في العالم.
وفي أول تصريح لها بعد صدور مراسيم تشكيل الوزارة الجديدة وورود اسمها في عدادها قالت “ان الوزارة التي تتولاها اهم من وزاره الثقافة (كان من المفترض اسنادها لها) ولا يتشاطرن أحد على “القوات”. اما مشروعي الوزاري فسيأتي لاحقا لكن تحديات الوزارة كبيرة في ما يتعلق بالتعيينات بصورة خاصة“.
الى جانب ريا وفيوليت ومي تأتي السيدة الرابعة ليكتمل عنقود الجنس اللطيف في حكومة الرئيس سعد الحريري الثالثة. ندى بستاني خوري وزيرة الطاقة والمياه التي هي على دراية تامة بأمرهما كونها مستشارة من تولى هذه الوزارة في الحكومة السابقة سيزار ابي خليل. والاثنان ينتميان ل” التيار الوطني الحر” الذي تنشط فيه. وسبق ان عُينت منسقة اللجنة الاستشارية للطاقة والمياه في التيار المذكور. أما دراستها العلمية فتدل على المامها بما عُهِد اليها به. إذ تابعت دراستها العليا في باريس. وعملت لمدة 4 سنوات في الاستراتيجيات المالية والعلمية لاعادة هيكلة عدد من الشركه الدولية. وفي العام 2010 عادت الى لبنان لتعمل مع وزارة الطاقة والمياه على تنسيق تنفيذ ورقه سياسة قطاع الكهرباء في لبنان.
يتبين مما ورد انني أضأت على الوزارات الأربع في الحكومة التي أُخرجت من النفق المظلم بعد جهد جهيد. وما فعلت ذلك الا تعبيرا عن سعادتي بدخول المرأة معترك الحكم من بابها الواسع، مع تقديري لسائر الوزراء الستة والعشرين الآخرين وفي مقدمهم رئيس الحكومة سعد الحريري، صاحب الفضل في هذا التبدل اللطيف بشكل الحكومات. على أمل الا تنسي الفرحين والفرحات بالتوزير اخراجنا من “النفق الآخر” المتربص بنا على طريق طرابلس- بيروت.
(عن “البيان” الطرابلسية)