عن توقيت الاعتداءات «الإسرائيلية» على سورية: حميدي العبدالله
اعتادت تل أبيب تكثيف اعتداءاتها على مواقع الجيش السوري في كلّ مرة يلوح فيها بالأفق انخراط الجيش السوري بعمليات عسكرية أساسية وحاسمة. وكانت حسابات العدو الصهيوني تنطلق دائماً من قناعة أنّ تنفيذ هذه الاعتداءات في هذا التوقيت الذي تمّ اختياره، تضع الجيش السوري أمام خيارين …
الخيار الأول الردّ على الاعتداء «الإسرائيلي» وانتقال المواجهة إلى حرب بين سورية والكيان الصهيوني، سوف يستغلّ الإرهابيون في مناطق تواجدهم انشغال الجيش السوري في هذه الحرب، وحشد قواته الرئيسية لمواجهة أيّ توغل بري صهيوني، أو تعرّض المطارات ومدارجها للتخريب، مما يؤثر على فعالية الجيش السوري وقدراته، وبالتالي استعادة مناطق كانوا قد خسروها، وبالتالي إطالة أمد الحرب وتأخير لحظة تحرير سورية من الوجود الإرهابي.
الخيار الثاني، الاكتفاء بالردّ الدفاعي السلبي، أيّ اقتصار الردّ على التصدي عبر المضادات الجوية للاعتداء وبما يسمح للعدو الصهيوني بالظهور بمظهر الرابح الذي يستثمر هذه الاعتداءات لبعث رسائل متعدّدة بأنه قادر على الاحتفاظ بزمام المبادرة.
هذه الاعتداءات الواسعة تزامنت مع كلّ معركة كبرى خاضها الجيش السوري وحلفاؤه ضدّ الإرهاب، ولا سيما في حلب والمنطقة الشرقية والغوطة.
لكن اليوم لا ينخرط الجيش السوري بمعركة كبرى مثل تلك المعارك، ومع ذلك شنّ العدو «الإسرائيلي» اعتداءاً واسعاً، فما هو تفسير ذلك؟
صحيح أنّ الجيش السوري لا ينخرط الآن في معركة كبرى، ولكنه يواجه الآن وفوراً احتمال اندلاع مواجهة كبرى في ثلاث جبهات رئيسية: الجبهة الأولى، هي إدلبـ حيث سيطرت جبهة النصرة بشكل منفرد على المنطقة، وصعّدت تحرشاتها بالجيش السوري، ومعروف أنّ هذا التنظيم الإرهابي أكثر شراسة، وغير ملتزم وغير مشمول باتفاق التهدئة الموقع بين روسيا وتركيا، وبالتالي يمكن لهذا التنظيم الإرهابي، وبدعم من تركيا، أن يشنّ في أيّ لحظة هجوماً واسعاً على مواقع الجيش السوري، في ثلاث جبهات رئيسية، هي ريف اللاذقية الشمالي وريف حماة الشمالي وريف إدلب الشرقي، وبالتالي فإنّ الجيش السوري مضطر لتعزيز وجوده على جبهة طويلة تمتدّ من تلة العيس في ريف حلب الجنوبي وعلى امتداد الريف الشرقي لمحافظة إدلب مروراً بريف حماة الشمالي وصولاً إلى ريف اللاذقية الشمالي، وهذه جبهة طويلة تحتاج تغطيتها لآلاف الجنود. الجبهة الثانية، هي منطقة منبج، حيث يستعدّ جيش الاحتلال التركي للسيطرة على هذه المنطقة، وبالتالي فإنّ الجيش السوري مضطر لحشد آلاف الجنود على هذه الجبهة آخذاً بعين الاعتبار احتمال مواجهة عسكرية كبرى مع الجيش التركي والميليشيات العميلة له. الجبهة الثالثة، هي جبهة شرق الفرات، حيث يتوقع أن ينسحب منها الجيش الأميركي في أيّ لحظة، وبالتالي فإنّ الجيش السوري بحاجة لحشد آلاف الجنود استعداداً لدخول هذه المنطقة فور انسحاب الأميركيين، لقطع الطريق على عملية توغل للجيش التركي هدّد بها أردوغان أكثر من مرة.
لا شكّ أنّ انشغال الجيش السوري بالجبهات الثلاث هو التوقيت الذي تستغله تل أبيب الآن لتصعيد اعتداءاتها على غرار ما كانت تفعله عندما يكون الجيش السوري منخرطاً في معركة كبرى ضدّ الجماعات الإرهابية.
(البناء)