مقالات مختارة

مخاوف عون وبري والحريري جديّة… لكن بلا ترجمة: هيام القصيفي

 

يتحدث رئيس الجمهورية ورئيسا مجلس النواب والحكومة المكلف عن صعوبة الوضع الداخلي، وإن بقراءات مختلفة، لكن مخاوفهم من استمرار التدهور لا تنعكس تسريعاً في تأليف الحكومة

في لقاءاتهم البعيدة من الإعلام، وأمام زوارهم، يتحدث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بكلام «محبط» بالمعنى الفعلي حيال الوضع الداخلي للبلد. في لقاءاتهم السياسية والاقتصادية، يتحدث الرؤساء الثلاثة، وكل من موقعه، عن الوضع الداخلي المتدهور والذي لا يمكن الاستمرار فيه، ما لم تسلك مبادرة فعلية ما طريقها إلى تشكيل الحكومة. يسهب الرؤساء في توصيف الوضع الاقتصادي بالخطر، بينما الوضع المالي مستقر، لكن الخوف أن يتأثر الأخير سلباً كلما زادت حدة الوضع السياسي والاقتصادي، ومن أن الاشتباك السياسي يضاعف من تأثيراته السيئة على الحالة الداخلية العامة. لا يجدون حرجاً في استخدام عبارات تعود بالذاكرة إلى مراحل الحرب الماضية، فيضعون محدثيهم أمام مفارقات التدهور الداخلي وسط التوتر الإقليمي الذي يجد منفذاً له في لبنان.

تكمن حساسية ما يقوله الرؤساء الثلاثة في أنه يعبر عن حقيقة الوضع الداخلي من دون مواربة، لكن خطورته أنه يأتي في ظل اشتداد التحديات الإقليمية والدولية، وسط العاصفة التي أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية. فمنذ الإعلان عن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب جيش بلاده من سوريا، ومن ثم إعادة رسم خريطة انتشار سياسية وعسكرية في المنطقة، والأحداث تتوالى، تاركة تأثيراتها المباشرة على لبنان، منها: تداعيات القمة العربية والتطويق الأميركي لها، ثم الاشتباك الصاروخي بين إسرائيل وسوريا، وتبادل التهديدات بين تل أبيب وطهران، وصولاً إلى عودة الكلام عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وقرارها المرتقب، في إطار حملة ضغط تصاعدية. كل ذلك يزيد المخاوف من بقاء المنحى الحالي الذي يعيشه لبنان، الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى حالة بلبلة وفوضى، بعدما تكاثرت الشكاوى الداخلية على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والصحية. وإذا كان الوضع الأمني لا يزال حتى الآن تحت السيطرة، نتيجة تغطية دولية، أميركية تحديداً، فإن الانهيار المؤسساتي مرشح للتفاعل أكثر مع حالة الفراغ الحكومي الحالي. من هنا، يمكن السؤال عن المسافة التي يرسمها الرؤساء بين التوتر الإقليمي الذي يفرض نفسه تلقائياً، والمعايير الداخلية الصرف التي يضعونها للتأليف. فإذا كانت العوامل الإقليمية غير مؤثرة، كما يردد هؤلاء، فكيف يمكن تفسير عدم ترجمة مخاوفهم إصداراً لمرسوم تشكيل الحكومة، علماً أنه لا يمكن تجاوز التوصيفات التي يعطونها، فيما يرسم كل واحد منهم طريقاً مختلفاً للحل لا يساهم في التأليف بقدر ما يؤدي إلى عرقلته.

يضع رئيس الجمهورية نصب عينيه تأليف الحكومة كمعبر أساسي لحل أزمة الداخل، وبحسب عارفيه، لا يتوقف في يومياته عند متطلبات النقاشات الحالية والأعداد والحقائب، إذ يبدو الهمّ الأكبر لديه توصيفه للوضع الداخلي وكيفية الخروج من المأزق الحالي. صحيح أن ما يراه من أزمات يزيد هواجسه، لكن عون لا يجد نفسه في موقع المتهم بتأخير مسار الحكومة، بل يرمي كرة التعطيل عند الأفرقاء الآخرين، ولا يجد حراجة في بعض الأحيان إذ يشير إلى من يعطلون التأليف وعهده على السواء، ومن يعمل على وضع العصي في دواليب الإصلاح الذي يريده. لا يبالغ عند الكلام العلني وغير العلني عن موضوع الفساد ومحاربته وضرورة المباشرة بالإصلاح، لكن بقدر ما يرى عون معرقلين لما يرغب به، بقدر ما يرى معارضوه أن عنوان الإصلاح لديه عنوان فضفاض، لا يمكن أن يترجم حقيقة إلا عند تأليف الحكومة، التي يعرقلها العهد نفسه، مع تحييد المحسوبين عليه من دائرة الضوء.

   ينتظر اللبنانيون ومعهم الرؤساء الثلاثة ما سيقوله السيد نصرالله ليؤشّر إلى مسار الحكومة

تختلف رؤية رئيس مجلس النواب عن رؤية الرئيس المكلف، لجهة مسار الوضع الإقليمي، ليس لجهة خطورته، إنما لجهة نتائجه المرتقبة. هذا علماً أن الحريري بدأ يتلقى قوة الضغط الأميركي والخليجي في موضوع سوريا وإيران، وهو بحسب محدثيه يخشى فعلياً انتقال التوتر الإقليمي إلى مستوى الاشتباك، لكن الطرفين يلتقيان عند نقطة داخلية واحدة هي عدم التساهل في إعطاء التيار الوطني الحر ما يريده من حصص وزارية، بعدما حصل على حصة كافية وأكثر. عند هذه النقطة، يتوقف عمل كليهما بعدما أبعد الأول نفسه عن الدخول المباشر على خط المفاوضات اليومية للتأليف، وبعدما أبلغ الثاني كل من يراجعه باستحالة قبوله التنازل أكثر عن حصته وعن القبول بحكومة من 32 وزيراً.

ولأن لا رئيس الجمهورية يقبل بتعويم الحكومة الحالية، ولا رئيس الحكومة المكلف قادر على أن يمسك بزمام المبادرة فيُفعّل بالحد الأدنى عمل المؤسسات والأجهزة المعنية، ولأن لا يمكن لأحد فك طوق الحكومة فعلياً، ولأن لعبة عض الأصابع باتت بين الحلفاء قبل الخصوم، بعدما باتت العقدة تتوقف عند توزير سُنّي من 8 آذار وموقعه، فإن الوضع سيبقى على مراوحته. إلى ذلك، ينتظر اللبنانيون، ومعهم الرؤساء، مرة أخرى، ما سيقوله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعد أيّام، ليؤشر كما جرت العادة إلى اتجاهات الوضع الداخلي ومسار الحكومة.

(الاخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى