الحصار الأميركي للقمة والموقف اللبناني
غالب قنديل
ليس أمرا عابرا ما تناقلته بعض وسائل الإعلام عن الجدل الذي قالت إنه دار بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل حول توجيه كتاب رسمي باسم لبنان يطلب إبطال قرار الجامعة العربية بحق سورية ودعوتها إلى حضور القمة العربية في بيروت.
فالرئيس سعد الحريري ملتزم بقيود أميركية سعودية تبلغها من الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون فور عودته من محبسه السعودي ويأتي في صلبها حظر أي خطوات إيجابية نحو سورية شعبا ودولة ورئيسا ومهما كان مقدار المصلحة اللبنانية في ذلك عظيما.
جاءت حملة مقاطعة قمة بيروت من الرؤساء والملوك والأمراء تكشف كلمة السر الوحيدة القادرة على فعل ذلك خصوصا عندما سجل بعض وزراء الخارجية والسفراء المشاركين في تمثيل دولهم اعتراضا صريحا على أي دعوة لإعادة الأشقاء السوريين الذين هجرهم الإرهاب التكفيري وداعموه المعلومون من بلدهم وعلى الرغم من الوقائع التي تفقأ العيون حول سيطرة الدولة السورية وقواتها المسلحة وفرضها للاستقرار في معظم المناطق السورية.
الملاحظ ان لغة المعترضين على الطرح اللبناني لهذا الملف هي ذاتها لغة واشنطن وباريس ولندن حول ربط العودة بما يسمونه بالحل السياسي وقد لفت الانتباه شراء مساحات إعلامية بالتزامن مع الاجتماعات العربية المنعقدة في بيروت للتحريض ضد عودة المهجرين السوريين إلى وطنهم وفقا للموقف اللبناني الرسمي الذي يعبر عنه وزير الخارجية.
هذا أمر آخر يرتبط بالضغوط الأميركية كذلك وقد سبق للبنان ان كشف أكثر من مرة تدخلات وضغوطا اميركية مباشرة او من خلال اجهزة الأمم المتحدة لعرقلة جميع مبادرات العودة التي نظمها الأمن العام اللبناني كما سبق لوزير الخارجية ان ادان تصرفات مفوضي الإغاثة في مخيمات اللجوء السورية لقيامهم بتحريض الأشقاء السوريين اللاجئين ضد العودة إلى بلدهم وتم استخدام وسائل الترهيب والتخويف التي عملت بعض المؤسسات الإعلامية اللبنانية في خدمتها خلال اليومين الماضيين بكثافة واضحة وهي غير بريئة في محتواها وتوقيتها.
السعي الأميركي لإفشال القمة يتخطى حدود الاختلاف مع النظرة اللبنانية إلى العلاقة بسورية ومنطق لبنان اتجاه التعامل مع ملف النزوح السوري بل ثمة امر ثالث هو في صلب الاستهداف الوقح يتعلق بموقف لبنان ورئيسه المساند لقضية فلسطين والمتبني لحق لبنان في الحفاظ على مقاومته كضرورة للدفاع عن البلاد في وجه التهديد الصهيوني المتواصل ولأن الرئيس ميشال عون كما يعلم المخططون الأميركيون يتمسك بخياره المقاوم بصلابة فقد صمم الأميركيون على حرمان لبنان الرسمي بجميع رموزه وخصوصا رئيس الجمهورية من الحصاد المعنوي والسياسي لنجاح قمة عربية تعقد في بيروت وسيكون نجاحها نجاحا للرئيس اللبناني ولجميع أركان السلطة في لبنان خصوصا لو صدر عن القمة ما يدعم منطق لبنان بضرورة مساندة سورية وموقفها ومبادراتها لاستعادة أبنائها النازحين ولرفض العدوان الصهيوني ولتأكيد التضامن بدعم تمسك الدولة السورية باستقلالها وسيادتها وبوحدة ترابها الوطني وبكل جهودها لإعادة بناء ما دمرته الحرب الغادرة الآثمة التي يعرف الحضور العربي في بيروت جميع فصولها التي تآمروا من خلالها على قلب العروبة وقلعة المقاومة.
يستدل البعض من حصاد القمة على صواب الدعوة للتأجيل وهذا ربما يكون التقدير الأصح قياسا إلى بعض السجالات الهامشية التي صاحبت الحدث الذي شهدته بيروت وعملت واشنطن على إجهاضه من خلال التوصية بغياب من غابوا وهم الغالبية من رؤساء وأمراء وملوك لم يسبق ان اخطأ لبنان الرسمي بحق احد منهم لكنهم ياخذون على لبنان إنتاجه لمعادلة حكم تفرض توازناتها التمسك بخيار التصدي للعربدة الصهيونية وعدم الخضوع لابتزازها وهذا ما يعاقب عليه الرئيس ميشال عون.
بدا تصميم الرئيس عون على عقد القمة بمن حضر بدلا من السعي لتأجيل انعقادها ريثما تتبلور صيغة مقبولة لمشاركة سورية في المؤتمر موضع استغراب البعض لكن الجوهري الذي يفترض الاعتراف به هو ان التصميم نفسه تجسد في الموقف اللبناني كما عبر عنه الوزير جبران باسيل والأرجح انه سيكون بالقوة ذاتها في خطاب الرئيس ميشال عون.
العبرة التي ينبغي التوقف عندها هي ان القمة كشفت مقدار الضغوط الأميركية والسعي الأميركي لحرمان لبنان من أي فرصة إيجابية في محيطه العربي وفي حدود نجاحه بعقد قمة عربية مكتملة وكذلك لفرض الوصاية على لبنان ولمنع التحرك اللبناني دفاعا عن السيادة والحقوق والمصالح اللبنانية التي تهددها حروب اميركا وإسرائيل المتنقلة في المنطقة ولاسيما العدوان المجرم على سورية وهي برهنت كذلك على ان المجاملات والملاطفات مع بعض الحكومات الشقيقة لا تبدل شيئا في حرارة انصياعها للأوامر الأميركية على حساب لبنان وهو ما يفرض على لبنان التمسك بعناصر قوته وفي مقدمتها المقاومة والتحرر من عقدة مراعاة القيود والاملاءات الأميركية البائسة والخشية من معاندتها والتمرد عليها.