إيران غيرت الكثير في أربعين عاما
غالب قنديل
تقترب الذكرى الأربعون لانتصار الثورة الإيرانية التي أسقطت نظام الشاه وأحدثت تغييرات كبرى في معادلات المنطقة وتوازناتها بينما تواجه هذه الجمهورية الشرقية الحرة هجوما شاملا تقوده الإمبراطورية الأميركية بهدف كسر الإرادة الاستقلالية للشعب الإيراني ولقيادته الوفية لأهداف الثورة التي تجدد شبابها وترسخ مسارها في كل عام بمزيد من التصميم والقوة.
خلال أربعين عاما كسرت إيران جميع جدران الحصار وزعزعتها بذكاء ودهاء كبيرين واستطاعت بناء تحالفات واسعة وراسخة اقتصاديا ودفاعيا فكسبت شركاء موثوقين في العالم يساندونها ويتشاركون معها برامج البناء الصناعي ونقل التكنولوجيا وترسيخ التحالف الشرقي المناهض للهيمنة وقد اختبرت إيران من خلال الصمود السوري حجم الفرص الجديدة التي تتيحها تلك الشراكة المتينة والواثقة مع روسيا والصين.
مثلت الشراكة السورية الإيرانية نموذجا قويا لحلف التحرر الذي انطلق منذ انتصار الثورة وإغلاق سفارة الكيان الصهيوني في طهران وحيث وقفت سورية مع الجمهورية الوليدة وقدمت لها العون السياسي والاقتصادي في مجابهة الحلف الرجعي العربي من أتباع واشنطن وأصدقاء الشاه الذين ناصبوها العداء.
ذاك الحلف مثل نواة لما يعرف اليوم بمحور المقاومة وقد رمت إيران بثقلها في دعم وتطوير الشراكة بينها وبين سورية وفي احتضان حركات المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة وقدمت لها الدعم بلا حدود او تحفظ وأفضت تلك الجهود الجليلة السورية الإيرانية المشتركة إلى تطور جديد وثوري في توازن القوى الذي يحكم الصراع العربي الصهيوني من خلال توازن الردع الذي سحب زمام المبادرة من يد العدو الصهيوني.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كان خيار القائد الراحل حافظ الأسد هو الشراكة الاستراتيجية مع إيران ونقل التكنولوجيا من كوريا الشمالية لتطوير صناعة الصواريخ السورية التي عززت القدرات الدفاعية السورية بعد الغزو الصهيوني للبنان كما زودت فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية بأدوات الردع المؤلم بينما تطور برنامج إنتاج الصواريخ السوري الإيراني المشترك في عهدة المهندسين والخبراء السوريين والإيرانيين وبات اليوم مصدرا لقلق أميركي صهيوني كبير منذ نجاح المقاومة في لبنان وفلسطين بفرض توازن الردع ضد العدو وإجباره على وقف العدوان مرات عديدة خلال حروب الغزو عبرالعقود الثلاثة الماضية ومنذ إبرام الاتفاق النووي وبعد الانسحاب الأميركي منه ما تزال صواريخ إيران البالستية مصدرا للرعب الأميركي الصهيوني من تعاظم قوة الردع الاستراتيجية الإيرانية.
ركزت إيران على تبنيها واحتضانها لقضية تحرير فلسطين منذ قيام الثورة وهي تثبت جدية التزامها يوما بعد يوم بمزيد من التصميم ولم يكن الهدف الإيراني من ذلك هو مجرد التمايز عن نهج الأنظمة العربية المستسلمة للمشيئة الصهيونية الأميركية في نظر سائر العرب والفلسطينيين لترسيخ نفوذها كما يزعم خصوم إيران وأتباع الولايات المتحدة المذعنون لهيمنتها.
إيران الدولة الكبرى بإمكانتها وثرواتها وبموقعها الجغرافي والدولة المستقلة المتحررة من أي ارتهان ومن أي تبعية للغرب هي غاية الثورة الإيرانية منذ قيامها ولذلك فالجمهورية تأسست على عقيدة استراتيجية محورها إسقاط منظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة وهذا ما وضعها على تناقض وجودي ضد مركز المنظومة أي الكيان الصهيوني وجعل بالتالي من قضية فلسطين محور سياستها الإقليمية.
العقوبات الاقتصادية والحصار والحروب الإعلامية المتواصلة جميعها تعبيرات عن جذرية التناقض بين إيران ومنظومة الهيمنة ومركزها الإقليمي اسرائيل وهذا هو أصل التحالف السوري الإيراني الذي ترسخ في الأعوام الأربعين الماضية وبلغ درجات متقدمة في ملحمة الدفاع عن سورية مؤخرا وثمة جذور سياسية واستراتيجية لتصنيف إيران في مصاف كتلة العدو رقم واحد في مراكز التخطيط الأميركية إلى جانب روسيا والصين.
تمكن الحلف السوري الإيراني خلال أربعة عقود من تعطيل مسارات تصفية قضية فلسطين ومنع تعميم نموذج كمب ديفيد للهيمنة الأميركية الصهيونية على البلاد العربية ومنذ إسقاط اتفاق 17 أيار في لبنان ومن ثم دحر الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان دون قيد أوشرط تعثرت غزوات الحلف الاستعماري في الشرق ودخل الكيان الصهيوني في مرحلة غروبه الاستراتيجي الذي استدعى حضور الجيوش الأميركية والأطلسية إلى المنطقة واستنفار جميع الدول التابعة للغرب خلال العشرين عاما الماضية وها هي الحصيلة تؤشر إلى اندحار الغزوة وتحطمها على صخرة صمود سورية مع شركائها الكبار من دول الشرق وفي مقدمتهم الشقيقة إيران التي لم تبخل بأي تضحية وقدمت دماء عزيزة على أرض سورية في التصدي للعدوان.
منذ انتصار الثورة الإيرانية تغير الواقع السياسي والاستراتيجي في الشرق العربي وبرزت شراكة سورية إيرانية حول قضية فلسطين ومشروع التحرر والاستقلال ورفض الهيمنة الاستعمارية واستندت سورية في صمودها ومقاومتها إلى حليف موثوق وقوي يعتمد عليه.