الوصاية الأميركية وسبل الحد منها ؟!
غالب قنديل
ربما اعتبر البعض أنني أبالغ في التصميم على توصيف الوصاية الأميركية السعودية الذي استعملته في التعبير عن انضباط السياسات والخيارات اللبنانية الرسمية بلائحة ممنوعات تتصل بالصراع الدائر في المنطقة بين محور الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية ومحور المقاومة والاستقلال
.
قادني منهجيا إلى التركيز على هذه الحقيقة المتراكمة توافر مجموعة مؤشرات خطيرة وفاضحة أبرزها إدارة الظهر لجميع الفرص المتاحة اقتصاديا وسياسيا ودفاعيا امام بلد كلبنان عبر علاقات التعاون مع كل من سورية وإيران وروسيا والصين وكان لبنان الرسمي يبرر ذلك بما سمي بتفاهمات النأي بينما النهج الذي مارسته الحكومة اللبنانية فعليا هو انحياز كلي لأحد المحورين وشبه قطيعة مع المحور المقابل.
يتيح لنا المشهد السياسي اليوم التقاط ما تسرب عن زيارة ديفيد هيل والوفد المرافق لبيروت وتصريحاته منها وما صاحب ذلك من مؤشرات:
أولا التمسك الأميركي الوقح بتشديد العقوبات المصرفية ضد لبنان ومجاهرة الولايات المتحدة بان غايتها إضعاف حزب الله ومحاصرة جمهوره أي انها عقوبات أميركية في خدمة الكيان الصهيوني بينما القرار اللبناني هو الخضوع لتلك المشيئة والتكيف معها علما ان الرئيس ميشال عون وصف ذلك الأمر بالاستعمار المالي لكن أيا يكن في الجمهورية لم يتعب نفسه في السؤال ما هي التدابير السياسية والعملية التي يجب اتخاذها في مقاومة هذا الاستعمار؟.
ثانيا ما كشفته تقارير صحافية عن مراسلات السفارة اللبنانية في واشنطن مع الخارجية الأميركية يؤكد ان طرح موضوع دعوة سورية إلى القمة الاقتصادية ممنوع اميركيا بشكل قاطع والسؤال هل تقوم دولة ذات سيادة بطلب رأي الامبراطورية الاستعمارية المعروف أنها داعمة للكيان الصهيوني حول موقف لبنان او تصرفه اتجاه الشقيقة سورية؟
ثالثا صرح ديفيد هيل محذرا من وقوع لبنان تحت المظلة الروسية وهذا يؤكد ان مسايرة الرغبات والشروط الأميركية عطلت تجاوب لبنان مع عرض روسي لتوقيع اتفاق تعاون رسمي مع وزارة الدفاع الروسية لمنح تسهيلات مرفئية للأسطول الروسي الذي بات جارنا على الساحل السوري بينما لا ضير عند السلطت اللبنانية من تحول السفارة الأميركية في عوكر إلى قاعدة بحرية وجوية للنشاط الاستخباراتي العابر للحدود وخارج أي رقابة لبنانية فعلية.
رابعا تبين ان ديفيد ساترفيلد الذي رافق هيل في الرحلة إلى لبنان حمل معه مشروعه السابق للترسيم البري والبحري لمصلحة العدو الصهيوني وجاء ليسوقه مجددا بعدما رفضه لبنان ورفض الاقتراحات الأميركية التي تكرس ما تريد فرضه دولة العدو على حساب الحقوق اللبنانية وسعى هيل إلى ترويج التفاوض مع العدو من خلال لجنة ثلاثية لبنانية اميركية صهيونية.
خامسا ليست العبرة بكلام التصريحات السياسية بل في المواقف الفعلية والنهج الفعلي للسلطة القائمة وهنا بالذات نحن امام خضوع لبناني للوصاية الأميركية وهو مفروض علينا في الشاردة والواردة ومن الضروري الاعتراف بأن بنية النظام السياسي الطائفي انتجت توازنات سياسية هي قاعدة منتجة للوصاية الأجنبية وهذا ما حكم الواقع اللبناني منذ ما بعد الانتداب والمساكنة الراهنة بين محوري الهيمنة والمقاومة في هياكل السلطة اللبنانية لا تقود إلى سياسة استقلالية حرة بل هي تنتج نهجا سياسيا متكيفا مع شروط الوصاية الأميركية المكرسة لخدمة مشاريع الهيمنة الصهيونية على المنطقة ولسنا في موقع التشكيك بخيارات المسؤولين أو بنواياهم وخصوصا من حلفاء المقاومة والحريصين عليها.
سادسا السؤال الذي نطرحه على جميع المعنيين أليس ممكنا التفكير بكيفية سياسية معينة لتعديل شروط المساكنة بحيث تتحول سياسة لبنان الرسمية إلى إنشاء معادلات وتوازنات توسع من هامش حرية القرار والخيار وتنهي أحادية التحكم الأميركي السعودي في القرار اللبناني سواء نتيجة حجم الفريق المرتبط بهذا المحور ومواقعه في الحكم ام بفعل التزامات مجحفة تنبغي إعادة النظر بها؟
ألا يمكن للبنان الرسمي تبني نهج اكثر توازنا وتوازيا بين المحورين المتصارعين في العالم والمنطقة ؟ وهذا نهج سوف يتيح فرصا جدية لتقليل حجم الخسائر ولتوسيع هوامش استقلال القرار اللبناني عن الإملاءات والشروط مثلا فليوقع بروتوكول التعاون مع الأسطول الروسي ولتقبل الهبات الروسية والإيرانية الدفاعية دون عرضها مسبقا على عوكر او على مكتب الارتباط الأميركي ولنبحث عن الفرص الاقتصادية مع موسكو وطهران ولنحمل ملفاتنا إلى الصين لنبحث في فرص التعاون والمساعدة التنموية والمالية ولنبادر إلى تطوير العلاقة السورية اللبنانية ومعها علاقاتنا الاقتصادية بالعراق وإيران ونحن نتحدث هنا عن توجه لبناني اقتصادي يمكن أن يشمل بالمقابل استمرار العلاقات مع المملكة السعودية وغيرها من دول الخليج ومع سائر دول الغرب ولتكن في لبنان ساحة المساكنة الفعلية بين المحورين فهل القرار بتحقيق ذلك مستحيل ؟