الحصاد اللبناني عشية القمة والجدار الحدودي وزيارة هيل: ناصر قنديل
– للحظة يكاد المرء أن يصدّق أن سورية في حال مأزومة وهي تنتصر، وأن لبنان كان فرصتها للخروج من أزمتها، وكانت تترقب لحظة بلحظة تطورات المشهد اللبناني، خصوصاً ما يتصل منه بمسار القمة العربية الاقتصادية وفرص توجيه الدعوة لدمشق للمشاركة في أعمالها، بل ربما كانت تدير لحظة بلحظة ما يصدر من مواقف وما يُقال من كلام وما يجري من اتصالات. والحقيقة التي ربما يصعب تقبلها مع الأنا القاتلة لدى الكثير من اللبنانيين هي أن شخصية لبنانية قريبة جداً من القيادة السورية كانت في زيارة لدمشق وفي لحظة حديث جانبي قالت سنرى ما سيحدث بعد القمة، فكان جواب المسؤول السوري البارز الشريك في الحوار، «أي قمّة؟»، ليس لأنه لا يعلم بوجود القمة العربية الاقتصادية في بيروت أو بموعدها، بل لأنه لا يعيشها هاجساً يحضر في بديهته عفوياً، ليستدرك بعدها بالقول، «حسناً إلى ما بعد خلاصكم بخير من القمة ».
– سورية لا تعيش هاجس القمة ولا تشعر بها استحقاقاً، لا بل إن الكلام الأشد وضوحاً لدى الكثير من المعنيين بالملفات الدبلوماسية السورية هو، أن سورية تميّز بقوة بين أمرين مختلفين، الأول هو إعادة فتح سفارات الدول التي أغلقت سفاراتها دون أسباب تتصل بالعلاقات الثنائية مع سورية، بل كترجمة لقرار شاركت في تنفيذه لإسقاط سورية ودولتها وجيشها ورئيسها، وكترجمة للإعلان عن موقف طلبته واشنطن بالتعامل مع الحكومة السورية كحكومة غير شرعية، وما يعنيه القرار الذاتي لهذه الدول بإعادة فتح سفاراتها دون أي تطوّر في مسار العلاقة الثانية، خصوصاً في الموقف السياسي للدولة السورية، من اعتراف بالفشل في الحرب التي استهدفت سورية، ومن اعتراف بشرعية الحكومة السورية، دون مقابل تدفعه سورية، وهذا لا يخصّ السفارات العربية فقط بل كل الدول التي أقفلت سفاراتها في دمشق في قلب خطة الحرب عليها، وبدأت في طريق التراجع اعترافاً بنصر سورية، أما الأمر الثاني المختلف فهو مستقبل علاقة سورية بالجامعة العربية، وهو أمر لم تتمّ مناقشته في سورية بعد، وليس هناك من جواب كامل حول احتمالاته، ولن يكون هناك جواب إلا إذا تلقت سورية دعوة لمناقشة الأمر أو لحضور مستوى من مستويات عمل مؤسسات الجامعة، فعندها ستناقش ما يعرض عليها وتقرّر المناسب، علماً أنها تطعن بشرعية قرار تعليق عضويتها الذي خالف النظام الداخلي للجامعة، وتعتقد أن لها الحق في التفكير ملياً بمستقبل الجامعة ودورها، والإيجابيات والسلبيات للعودة من عدمها، لكن كل شيء في أوانه.
– من هنا نصل للقول إن النقاش اللبناني اللبناني حول دعوة سورية، ليس نقاشاً بين فريق لبناني مع سورية بالواسطة، فسورية ليست طرفاً في هذا النقاش، واللبنانيون الذين ينظرون للحاجة الملحة لدعوة سورية وتعليق مستقبل عقد قمة بيروت على المشاركة السورية ينطلقون مما يرونه مصلحة لبنانية، بعدم الاستجابة لما يرونه فخاخاً منصوبة للبنان، ليست القمة إلا واحدة منها. فالنصيحة الأميركية لكل العرب سارعوا بتحسين علاقتكم بسورية، وللبنان والعراق وحدهما النصيحة فرملوا أي اندفاعات في العلاقة بسورية، ومحاولة إغراق للبنان والعراق بالإيحاءات التي تؤسس لمناخات سلبية نحو سورية، وإلا ما معنى الرفض العربي لأن يكون لبنان الأكثر تأثراً بين العرب بالعلاقة مع سورية مَن يستضيف أول قمم المصالحات، ولو بعد حين، وإصرارهم على تلبيسه الثوب القبيح لآخر قمم المقاطعة؟
– الخشية هي من أن ينزلق لبنان من حيث لا يدري إلى الوقوع في فخ أولوية الاستقرار على الثوابت التي ترسم مصلحة لبنان العليا، وأن يكون وقع ضحية الابتزاز الأميركي بالعقوبات لتلبية النصائح، تحت شعار البراغماتية، والخوف مما يمكن لأميركا أن تفعله بالنظام المصرفي اللبناني، مع رئيس هائج كالرئيس دونالد ترامب لا يتورّع عن التهديد بتدمير الاقتصاد التركي، لكن دون أن ننتبه أن هذا الرئيس الأميركي نفسه هو الذي يتناسى كلامه عندما يجد أنه أمام رئيس تركي يطرد مستشار أمنه القومي جون بولتون، فيعود ليتصل بالرئيس التركي العضو في حلف الأطلسي أو يتلقى منه اتصالاً ويناقشان التعاون، ويذهب الرئيس العضو في الأطلسي لشراء منظومة الدفاع الجوي الروسية الـ»أس 400»، بينما لبنان دون كل دول العالم ممنوع أن يفكر بغير السلاح الأميركي، وقد بات للسيادة عند دول العالم تعريف يرتبط بتنويع مصادر تسليح جيوشها، ولبنان أشدّ حاجة من تركيا لما يحمي أجواءه ولا يجرؤ على مجرد التفكير بأقل مما يزعج «إسرائيل» من السلاح، فيعجز رئيس حكومته عن تأمين فتح اعتماد بعشرة ملايين دولار لصفقة ذخيرة كانت مقرّرة بمئة مليون دولار خلال زيارته لموسكو وتم تخفيضها خشية الغضب الأميركي، وهو غضب لا يرافقه الاستعداد لتقديم ما يحتاجه لبنان تحت شعار لا فيتو سياسي على أي سلاح نوعي للجيش، بل عقبات مالية، كما قال قائد الجيش، بل قيود حقيقية تتصل بطلب الموافقة الإسرائيلية المسبقة على كل سلاح نوعي تبيعه أميركا لأي دولة في المنطقة بما فيها السعودية، وفقاً لقرارات الكونغرس التي لم تتغير، والتي عطلت حصول السعودية على طائرات الـ»أواكس» منذ سنوات.
– الخشية أن يكون ديفيد هيل الذي حمل ترجمة كلام وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو بالتهديدات بالنيل من لبنان ما لم ينخرط رسمياً في العمل ضد المقاومة، قد نجح عبر التهويل في نقل لبنان من مناخات مواقفه الصلبة في شباط العام الماضي عندما رفض أي بحث في نقاط الجدار الحدودي الذي يبنيه جيش الاحتلال على أراضٍ لبنانية، تحت شعار البحث عن تسوية وترسيم نهائي للحدود البرية والمائية، إلا إذا توقفت «إسرائيل» عن وضع أي قطعة من الجدار في النقاط التي يتمسك بها لبنان كجزء من أرضه، وما تبع ذلك في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع يومها، من إعلان إعطاء الأوامر للقوات المسلحة للتصدي بالقوة لكل محاولة إسرائيلية لفرض أمر واقع، إلى مناخ التراخي بقبول البحث، والإحجام عن التصدي الميداني لمنع فرض الأمر الواقع، وقبول التفاوض غير المباشر بوعود أميركية معلوم سلفاً تخديمها للمصالح الإسرائيلية، و«إسرائيل» تبني وتقوم بتركيب قطع الجدار على الأراضي اللبنانية، ويكتفي لبنان بتقديم الشكوى لمجلس الأمن الدولي، خشية أن يهتز الاستقرار، وهذا هو الاسترهان الخطير الذي يتسبب بالخشية.
– الخشية ألا يكون لبنان قد انتبه لكلام هيل عن «من غير المقبول وجود ميليشيا خارجة عن سيطرة الدولة، ولا تحاسب من كل أطياف الشعب اللبناني، وهي تقوم بحفر أنفاق هجومية عبر الخط الأزرق في «إسرائيل» أو تجميع أكثر من 100 ألف صاروخ تهدّد الاستقرار الإقليمي، والمجتمع الدولي يراقب عن كثب وضع الحكومة اللبنانية، لكن نوع الحكومة المختارة يهمنا جميعاً نحن المهتمين بلبنان مستقر ومزدهر، وكذلك هو الحال حيال عدم القدرة على الاختيار، ونشجع حكومة تصريف الأعمال على المضي قدماً حيث يمكنها، وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي، لتجنب المزيد من الضرر والحفاظ على الثقة الدولية» ومعاني هذا الكلام لجهة الإعلان الوقح حول التدخل في الشؤون الداخلية، بكلام لو صدر عن سواه لقامت قيامة أدعياء السيادة ولم تقعد، والكلام الحكومي لديفيد هيل يمر، مع معرفة ما يعنيه من مسؤولية مباشرة عن تعطيل تشكيل الحكومة منعاً لحكومة «نوعها يهم المهتمين بلبنان» و«تشجيعاً لبقاء حكومة تصريف الأعمال»، والسبب الحرص على الاستقرار، فهل بتنا رهائن الوهم الخطير؟