التحديات الجديدة لمحور المقاومة
غالب قنديل
بعد سنوات صاخبة من الحروب والمعارك يمكن الاستنتاج ان محور المقاومة حقق نجاحات هائلة في مجابهة الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وهو ما يلمسه الخبراء والمتابعون في حصيلة الاعترافات الأميركية الصهيونية المتلاحقة بفشل عشرين عاما من الحروب المتواصلة تخللتها عمليات الحصار الاقتصادي والسياسي واستخدام عصابات الإرهاب وحملات مكثفة بتقنيات متطورة وبتكاليف باهظة لممارسة التضليل الإعلامي في حملات حشدت لها الإمبراطورية الأميركية أفضل خبرائها في سائر صنوف الكذب والاختلاق والدجل المنظم والروايات الافتراضية وأضخم عمليات التمويل بالبترودولار العربي وقد نظمت تلك الحملة لتسميم الوعي عبر شبكات اخطبوطية عالمية.
أفضل توصيف لتلك الحصيلة هو وقوع المركز الإمبريالي الأميركي الذي قاد الغزوة العسكرية المستمرة لمنطقتنا منذ احتلال أفغانستان والعراق في حالة تشوش وارتباك بينما تعصف به نزاعات داخلية بعد الفشل المدوي لمغامرات الإمبراطورية في الشرق وهي حقيقة تعبر عنها حالة التخبط السياسي وانشقاقات مستحكمة في صفوف النخبة الأميركية الحاكمة بينما تسود الخلافات التجارية والريبة السياسية علاقة الولايات المتحدة بجميع حلفائها التقليديين في أوروبا وفي المنطقة ويستدعي كل قرار يصدر في واشنطن لاحتواء الفشل جولات مكوكية ومؤتمرات خطابية لمحاولة طمأنة الشركاء الذين تقلصت أعدادهم بين جولة وجولة خلال السنوات العشرين الماضية.
تمكن محور المقاومة من الصمود ضد الغزوة وأفشل الحروب الاستعمارية الصهيونية والحرب بواسطة فصائل الإرهاب التكفيرية ورسخ انكسار السطوة الصهيونية في جميع فصول الدفاع والمقاومة في حروب متلاحقة ومتنقلة واستطاع هذا المحور نسج شراكات وتحالفات عالمية اقتصادية وسياسية وعسكرية كان لها تأثير كبير على ميزان القوى الفعلي وقد شكلت ملحمة الدفاع عن سورية نموذجا لتبلور نواة كتلة شرقية تحررية متناغمة شرعت تغير البيئة الاستراتيجية في المنطقة والعالم بفضل صمودها وفاعليتها الدفاعية انطلاقا من سورية التي يسجل لرئيسها ولشعبها وجيشها فضل كبير في جميع هذه النجاحات.
التحدي التاريخي الذي يجابه محور المقاومة بعد ما جرى هو كيفية الانتقال من السلوك الدفاعي لصد الغزو إلى تقديم نموذج إيجابي خلاق في الشراكات العابرة للحدود والتحول إلى كتلة شرقية متكاملة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ومن أفدح الأخطاء التصرف الانتصاري بافتراض انتهاء المواجهة مع الحلف المعادي بمجرد كسب جولة أو اكثر فالتجربة التاريخية تقول العكس تماما لأن الاستعمار لا يرضخ إلا مكسورا ومهزوما وهو يعاود الكرة مرات ومرات والنموذج الذي يقدم البرهان هو ان إيران ومنذ انتصار ثورتها ما تزال هدفا للمؤامرات ولمحاولات الحصار والعزل وهي دائما معرضة لخطر المغامرات العدوانية وكذلك سورية العربية التي اجتازت بالكاد سنوات معدودة من الهدوء النسبي على جبهات الصراع ضد التهديدات العدوانية والمؤامرات طيلة نصف قرن وهي مستهدفة وما تزال في عين العاصفة لأن الحلف الاستعماري الصهيوني يسعى لترويضها وإخضاعها بشتى الوسائل ورغم استعصائها وصلابة قيادتها وانتصاراتها الدفاعية الكبيرة في السنوات الصعبة الماضية لابد من القول: ما تزال المعارك مستمرة.
ان طموحات الشراكة الإقليمية في منطقتنا تصطدم بعقبات وقيود تفرضها الإمبريالية عموما وخاصة في ساحات المساكنة بين المحورين وهذا ينطبق على لبنان والعراق وإلى حد ما على اليمن حيث ستكون المساكنة هي قاعدة أي تسوية مقبلة يفرضها ميزان القوى بعد هزيمة العدوان .
لكن العلاقة السورية الإيرانية الراسخة منذ أربعين عاما سياسيا وعسكريا والتي تطورت بنسب عالية في السنوات الأخيرة هي التي تشكل نواة محور المقاومة والاستقلال ويمكن تحويلها إلى قوة الجذب القادرة على المساهمة في حسم الخيارات داخل الدول الأخرى بجهود مشتركة وممكنة مع الحلفاء في روسيا والصين والهند عندما تتخطى تلك العلاقة حدودها الراهنة كحلف سياسي عسكري دفاعي إلى كونها شراكة اقتصادية كاملة في شتى فروع الإنتاج الصناعي والزراعي والنفطي ويمكن للبلدين صناعة النموذج المتميز لهذه الشراكة انطلاقا من الخطط اللازمة لإعادة بناء سورية بعد الحرب.
تستدعي المرحلة المقبلة جرأة وإقداما في تطوير الشراكة السورية الإيرانية في جميع المجالات الاقتصادية والتكنولوجية وخصوصا في خطوط حديثة لسكك الحديد ولنقل النفط والغاز ولتوليد الطاقة الكهربائية ولشبكات النقل الكهربائي العابر للحدود وفي مجالات الإنتاج الصناعي والزراعي المشترك والشراكة المصرفية الإقليمية وتبادل الخبرات الزراعية وتطوير التصنيع الزراعي والصيد البحري وتوسيع مجالات التخصص العلمي في المجالات الاقتصادية المختلفة ويمكن لسورية وإيران الاستعانة بكل من روسيا والصين والهند في هذه المجالات وتوسيع الشراكات العابرة للحدود.
إن الحملات الإعلامية والثقافية البعيدة عن الترويج الإيديولوجي والشعاراتي هي التي تؤسس في البلدين ركائز وعي جديد لأهمية تطوير العلاقات السورية الإيرانية بعيدا عن مفردات تبادل المجاملات السياسية بل انطلاقا من فهم مضمون الشراكة كخيار استقلالي تحرري ضد الاستعمار والصهيونية ورسم أبعاد ونتائج تلك الشراكة وشرح مزاياها على المستوى الشعبي لتنمية التفاعل الحضاري والفهم المتبادل يجب ان تواكب إقامة هذه الجسور الاقتصادية والمجتمعية السورية الإيرانية الجديدة بعد دحر الغزوة الاستعمارية كما ستقدم للعراق واليمن ولبنان ولسائر البلاد العربية نموذجا لمزايا وإنجازات نهج التحرر والمقاومة وتسهم بقوة النموذج البديل في التحرر من استلاب قدر التبعية للغرب المهيمن على العديد من النخب الاقتصادية والسياسية في المنطقة إنه التحدي الجديد الذي تفرضه جميع إنجازات معارك الدفاع عن الشرق.