لماذا يكرهون المقاومة؟ رفعت سيد أحمد
لعلّ من أبرز وأشهر مشاريع المقاومة العربية التي أصلّت قِيَم المقاومة الحقّة وغير المرتبطة بمخطّطات الغرب يأتي المشروع الناصري في زمن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ويأتي مشروع حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين منذ أسّسها الشهيد القائد فتحي الشقاقي، ثم يأتي – كما سبق وأشرنا_حزب الله كأحد أبرز تلك المقاومات وأكثرها نصوعاً وتأثيراً. هذه النماذج وغيرها ممَن ركّز على استراتيجية المقاومة المسلّحة ولم يناور أو يزاوجها مع السياسة بمعناها المبتذل استحقت أن تنتصر وأن تبقي حية في ضمير أمّتها .
إن من نعنيهم هنا بـ(الكارهين للمقاومة) هم كل مَن يقف اليوم مع الحروب الطائفية والمذهبية في المنطقة العربية، وكل مَن يؤيّد التطبيع مع العدو الصهيوني، ويبارك الإرهاب الأميركي ومخطّطاته في تفجير البلاد المركزية في المنطقة بإسم ثورات الربيع، وفي مقدمها العراق وسوريا وليبيا وربما تلحق بهم مصر؛ كل هؤلاء من حيث يعلمون أو لا يعلمون، يعدّون بحكم الدور والوظيفة، كارهون للمقاومة العربية والتي قلبها فلسطين وأجنحتها في لبنان وسوريا، حول دلالات تلك الكراهية ومآلاتها ينبغي أن نتوقّف ونتأمّل الواقع العربي بكل مراراته. إن التاريخ يحدّثنا أن ثمة لحظات تاريخية تتميّز بأنها كاشفة ويتحقّق بها قدر كبير من الفرز على النقيض من مراحل تاريخية أخرى، تتداخل فيها الخيوط وتصبح الصوَر غائمة فتكون المناورات بها ممكنة وتكون اللحظات التاريخية بها مُلتبسة والمواقف – حتى ولو كانت مُخزية- سيجد أصحابها من المهزومين داخلياً، تبريراتها وتستخدم لها الغطاءات اللازمة، أما المراحل الحاسمة مثل المرحلة التي تمر بها الأمّة حالياً، فعلى الرغم من حدّة وتشابك الصراعات فإن الصوَر والحقائق المتّصلة بالمقاومة مفهوماً وقيماً، واضحة ولا تجوز فيها المناورات ولحظاتها التاريخية من النوع الكاشف فلا يوجد سماح لأي قدر من الإلتباس أو المبرّرات فالاستقطاب حاد، إما (مع) وإما (ضد) ونظراً لأن العدو الصهيوني والأميركي أصبح في قمّة فجاجته في العدوان، فإن الأمّة تبدو ضعيفة ومُستكينة وفاقدة لقدرتها حتى على الاستنكار والشجب، إلا من بؤر مُضيئة هي البؤر المقاومة والتي تحظى رغم محاولات شيطنتها، بتأييد غالبية الشعوب المقهورة تحت نير الاستبداد، إن الفرز الآن وبعد إنتصار سوريا على داعش الموظّفة من قِبَل تل أبيب وواشنطن، أصبح بين معسكرين، إما معسكر المقاومة وإما معسكر التخاذل وربما التواطؤ ولا يوجد طريق ثالث.
إن المقاومة الآن (2018) في منطقتنا العربية تعني بالأساس التمسك بالثوابت والحقوق العربية في فلسطين وتعني استكمال مشروع مواجهة داعش وأخواتها ومَن يقف خلفهم من أنظمة عربية ودولية، وتعني أيضاًعدم الرضوخ لأية قوة مهما كانت شدّة ضغوطها للتخلّي عن هذه الثوابت وتلك الحقوق. والمقاومة تاريخياً- وبخاصة المقاومة العربية- تتنوّع أساليبها وأدواتها بداية من المقاومة السلمية والممانعة ووصولاً إلي المقاومة المسلّحة ومجابهة القوّة بالقوّة حتى في حال تفاوت موازين القوى ، وهناك اصطلاح سبق وأصّله الكاتب الراحل “محمّد حسنين هيكل” يختصّ بـ “الحروب غير المتوازية” ويتعلّق بأنه مهما تفاوتت موازين القوى فهناك أساليب في يد القوى الصغيرة يمكن من خلالها إيلام القوى الكبرى والجيوش المسلّحة بأرقى وأقوى الأسلحة التكنولوجية والفتاكة وربما دحرها وهزيمتها، ولعل حزب الله في قصة جهاده الطويلة ضد العدو الصهيوني منذ 1982 وحتى اليوم ، خير مثال على ذلك . وقد عرف التاريخ على مداره الأشكال المتنوّعة للمقاومة لأن الصراعات من الثوابت التاريخية ، وهناك دائماً قوى مهاجمة وغاصبة تتحرّك بدافع الطمع وغرور القوّة للاستيلاء على حقوق الغير ، وهناك دائماً قوى ممانعة ومقاومة تعمل على مقاومة تلك المطامع، وتدافع عن الحقوق والثوابت مهما ضحّت في سبيل هذه الحقوق وتلك الثوابت ، ومهما اختلفت أيديولوجياتها ومهما اختلفت أدواتها .إن تاريخ الإنسانية يؤكّد عبر تجاربه أنه كما أن هناك أنصاراً للقوى الغاصبة من الغاصبين أمثالهم للدفاع عن المشروع الغاصب والإمبريالي كمشروع فى حد ذاته أو للحصول على منافع ووجود مصالح مشتركة،هناك دائماً أنصار لمشروع المقاومة ، وكما أن ثمة صغاراً متحالفين مع المشاريع الاستعمارية كما جري في الربيع العربي الزائف وكما تبدّى واضحاً في قطاع واسع ممَن أسموا انفسهم بالمعارضة السورية ، وكانوا في الوقت نفسه يمدّون اليد في خنوع لفضلات إحسان أنظمة ملكية خليجية فاسدة ، ومخابرات غربية تعمل لصالح الكيان الصهيوني . في المقابل كان لمشروع المقاومة أنصاره من الشرفاء الذين أرادوا الإصلاح والتغيير ولكن ليس عبر البوابة الخليجية والأميركية والإسرائيلية ، فاستحق هذا المشروع المقاوم وأنصاره أن ينتصروا على عدوين في آن واحد ،العدو الصهيوني والعدو الداعشي.
ولعلّ من أبرز وأشهر مشاريع المقاومة العربية التي أصلّت قِيَم المقاومة الحقّة وغير المرتبطة بمخطّطات الغرب يأتي المشروع الناصري في زمن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ويأتي مشروع حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين منذ أسّسها الشهيد القائد فتحي الشقاقي، ثم يأتي – كما سبق وأشرنا_حزب الله كأحد أبرز تلك المقاومات وأكثرها نصوعاً وتأثيراً .هذه النماذج وغيرها ممَن ركّز على استراتيجية المقاومة المسلّحة ولم يناور أو يزاوجها مع السياسة بمعناها المبتذل استحقت أن تنتصر وأن تبقي حية في ضمير أمّتها، ولذلك كرهها أنصار التبعية ومشاريع التسوية في وطننا العربي؛ لماذا ؟لأن مقاومتها كانت صافية وجذرية ومتطهرّة من دنس التسوية البائسة والسلام المدّنس، وطبيعي أن هكذا مقاومة حتماً تخلق لنفسها أعداء ، وهؤلاء هم أعداؤها وسيظلّون كذلك، لأن تلك المقاومة النقية، تعرّيهم وتفضح ألاعيبهم وتناقضاتهم، ولأنها وهذا هو الأهم دائماً تنتصر رغم التضحيات والأثمان. وهل تحرّر فلسطين وتحمي الأوطان، من غير ثمن؟