كرامي: لم تعد لدينا مبادرات.. ونقطة على السطر
“اللقاء التشاوري”.. تجسّر بعد تعثّر
شهد مجلس 1972 الذي استمر 20 سنة، تجربتان لتحالفات نيابية ذات طابع مذهبي :
الأولى، هي تجربة “تجمّع النواب الموارنة المستقلين” الذي ضمّ 11 نائباً من موارنة الأطراف، ثم استقال منهم رينيه معوّض والأب سمعان الدويهي بعد مجزرة إهدن التي ذهب ضحيتها النائب طوني فرنجية وعائلته وعدد من أبناء زغرتا، ليرسو عدد نواب هذا التجمّع على 9 نواب لعبوا دوراً بارزاً في مراحل مهمة من تاريخ لبنان على الرغم من الاصطفاف السياسي الحاد الذي كان يقوده حزب “الكتائب” ثم “القوات اللبنانية”، وخرج من بينهم رئيسا جمهورية: رينيه معوض (عضو سابق في التجمع) والياس الهراوي. وقد استمر هذا التجمّع قائماً وفاعلاً وكان له دور بارز في صياغة اتفاق الطائف، وحتى حصول الانتخابات النيابية الأولى بعد الحرب في العام 1992.
الثانية، هي “اللقاء الإسلامي” الذي نشأ في العام 1983 وضمّ رؤساء حكومات سابقين ونواب سنّة، تحت مظلّة دار الفتوى. لكن هذا اللقاء لم يستمر طويلاً، ولم ينجح في تكوين قوة نيابية، على اعتبار أن المرحلة التي نشأ فيها كانت الحياة النيابية معطّلة في ظل الاجتياح الإسرائيلي للبنان وانتخاب أمين الجميل لرئاسة الجمهورية بعد اغتيال شقيقه بشير.
محاولة أخرى جرت بعد العام 2000، بإنشاء لقاء نيابي سنّي، لكن التجربة لم تستمر طويلاً أيضاً، على اعتبار أن كان له هدف سياسي محدّد. بعد ذلك لم تقم أي محاولة إنشاء تجمع نيابي سنّي، لسبب وحيد هو أن تيار “المستقبل” احتكر التمثيل السنّي، ومَن كان من النواب خارج “المستقبل” كان حليفاً له، باستثناء عدد محدود جداً من النواب، خصوصاً بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005.
في هذه التجارب، وحده تجمّع النواب الموارنة المستقلين تحوّل إلى كتلة نيابية، أما التجربتين الاسلاميتين فبقيتا في إطار سياسي، ولم تتحول أي منهما إلى كتلة نيابية.
هذه المراجعة التاريخية تثبّت واقعتين: الأولى، أن التجمعات النيابية ذات الطابع المذهبي، ليست جديدة. والثانية، أنه ليس بالضرورة أن تتحوّل تلك التجمعات إلى كتل نيابية.
في الانتخابات الأخيرة، انكسرت حصرية التمثيل السني التي كانت بيد تيار “المستقبل” الذي أصبح فعلياً يشكل نحو ثلثي النواب السنّة، واستعاد ما كان يسمّى “سنّة 8 آذار” مواقعهم التمثيلية في مجلس النواب بعد 13 سنة من الإقصاء.
لكن هؤلاء النواب لم يأتلفوا بعد الانتخابات في كتلة واحدة ولا في تحالف واحد، باستثناء النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد، وذلك لأسباب متعددة. وعند انطلاق مشاورات تشكيل الحكومة، اكتشف هؤلاء النواب أن تمثيلهم سيضيع في طاحونة التمثيل الطائفي الذي يختصر التمثيل الوزاري، وهو ما دفعهم إلى المسارعة للإئتلاف السياسي تحت مسمّى “اللقاء التشاوري” بعد ان كانوا بداية “السنّة المستقلين“.
سريعاً تبيّن أن اجتماع هؤلاء النواب الستّة السنّة كان مرتبكاً، على الرغم من أنهم متجانسون في الموقف السياسي، مما أوقعهم في أخطاء عديدة ساهمت في تعثّر تظهير صورتهم كإطار سياسي ناضج. وثمة من يقول عن سرعة التقائهم هي التي تسببت بهذه الأخطاء التكتيكية.
لكن الخطأ الجسيم الذي وقعوا فيه لاحقاً هو في عدم اتفاقهم على إسم واحد فقط لتمثيلهم في الحكومة، على الرغم من أن النائب جهاد الصمد كان مصرّاً على تسمية إسم واحد وعندما لم يتم الاتفاق على هذا الأمر كان الوحيد الذي رفض تسمية أي شخص، فوقع اللقاء التشاوري في كمين تعدّد الأسماء، فسُحب البساط من تحت أقدامهم وكاد أن يكون جواد عدرا “فلتة الشوط”، وكذلك رصاصة الرحمة على التجربة اليافعة لمجموعة “اللقاء التشاوري”، لولا أن تم الاستدراك واستعاد هذا اللقاء حضوره أقوى مما كان عليه، حتى صارت حركته أنضج، ومواقفه مدروسة أكثر، ومفاوضاته تحاذر الكمائن والسقطات، بعد أن نجح النائب فيصل كرامي في إدارة دفّة هذه المفاوضات.
في حديث لـ”الرقيب” يكشف فيصل كرامي أنه كان بداية ضد فكرة الإصطفافات ذات الطابع الطائفي والمذهبي، لكنه اكتشف أن قانون الانتخابات وطريقة تشكيل الحكومة تفرض هذه القاعدة للتمثيل السياسي، سواء النيابي أو الوزاري، ولذلك وجد نفسه محكوماً بالتعامل مع الواقع على أمل تغييره لاستعادة الانتماء الوطني كأولوية على كل الانتماءات الأخرى.
يشير كرامي إلى أن النواب الستة التقوا ضمن مفهوم سياسي واحد يجمعهم ورؤية واحدة تجاه القضايا المحلية، من حيث محاربة الفساد والهدر، فضلاً عن رؤية إقليمية فيها تجانس أيضاً.
يعترف كرامي أن اللقاء لم يلفت الأنظار بداية إلى واقعه ووزنه التمثيلي، لكنه سريعاً بدأ يرسم صورته وهويته السياسية ويمارس دوره، مما أزعج الكثيرين الذين حاولوا تصوير “اللقاء التشاوري” على أنه ملتصق بحزب الله والثنائي الشيعي والصراع الإقليمي. لكن اللقاء كان في مكان آخر من حيث دوره وموقعه وهويته المستقلّة. “كنّا نطالب بحقنا في التمثيل، ولم نلقَ آذاناً صاغية، والمفاجأة أننا لم نلقَ الدعم من حلفائنا، مع أن الاتهامات موجهة إلينا أننا مرتبطين بهؤلاء الحلفاء.. وعندما اقترب أوان تشكيل الحكومة صارحنا حلفاءنا بأننا عاتبون، وشرحنا لهم رؤيتنا التي لا يستطيع أحد إلا الاقتناع بها لأنها تنطلق من حق مشروع. كان موقفنا واضحاً وقلنا إننا أصحاب حق في التمثيل داخل الحكومة، وإذا لم نتمثّل فإننا نسأل لماذا حصلت الانتخابات وماذا سيتغيّر في الحكومة الجديدة عن الحكومة السابقة؟ فقط أسماء وزراء لذات الكتل السياسية. اللقاء التشاوري، أو هؤلاء النواب السنّة المستقلين هم الإضافة الوحيدة للحكومة، وتمثيلهم هو العامل الوحيد الجديد في الحكومة.. وغير ذلك فهو استمرار لمرحلة ما قبل الانتخابات، وفيه إساءة للناس الذين أعطونا وكالة لتمثيلهم ولا يحق لنا التنازل عن هذه الوكالة“.
يتابع كرامي في حديثه إل “الرقيب”: “كيف يمكن محاربة الفساد إذا كان الأطراف السياسيون هم أنفسهم؟ الحكومة من دون اللقاء التشاوري هي امتداد للحكومة السابقة. أما اللقاء التشاوري فيكاد يكون الوحيد الذي لم يتلوّث بالفساد والهدر“.
يكشف كرامي أن “اللقاء” تلقّى اقتراحاً بأن يذهب إلى المعارضة ويتنازل عن تمثيله الوزاري، لكنه رد على هذا الاقتراح بالتأكيد أنه في ظل حكومات الوحدة الوطنية التي تضم 90 بالمئة من مجلس النواب ليس هناك مكان للمعارضة من خارج التركيبة، والمعارضة لا تكون فاعلة في ظل مشاركة كتل سياسية تمثّل 110 نواب في الحكومة من أصل 128 نائباً. لذلك يرى كرامي أن المعارضة من الخارج لن تكون مؤثرة، في حين أنها من الداخل ستكون فاعلة بالتعاون مع القوى الأخرى المؤمنة بمواجهة الفساد ووقف الهدر “خصوصاً أن السلطة تعمل منذ اليوم على التحضير للانتخابات المقبلة وتستغل كل إمكانات الدولة لتوظيفها في خدمة هذا الهدف”، بحسب كرامي.
هل يعتبر أن تجربة اللقاء التشاوري أصبحت ناضجة بعد النكسة التي أصابته؟ يجيب كرامي “نعم.. هذه تجربة نضجت يوماً بعد يوم، وبدأ اللقاء يأخذ مكانه في الحياة السياسية اللبنانية ككيان سياسي مستقل له موقعه ودوره على الرغم من مكابرة البعض برفض الاعتراف بهذا الأمر، وسيكتشفون أن هذا اللقاء هو حاجة وضرورة ويشكل إضافة مهمة في الحياة السياسية“.
يكشف كرامي أنه شخصياً يؤيّد توسيع اللقاء التشاوري الذي هو من كل المناطق، ليضم شخصيات سياسية غير نيابية ولها حيثياتها في مناطقها. “أنا مع تحويل اللقاء التشاوري إلى جبهة سياسية يكون لها برنامج عمل واضح، بغض النظر عن الانتماءات لبعض الأعضاء، فنحن نلتزم بالقرارات التي نتفق عليها، وأنا شخصياً ألتزم بكل قرار صدر عن اللقاء التشاوري على الرغم من أن هناك قرارات لم أكن موافقاً عليها”، يقول كرامي.
هل تعتقد أن لسوريا علاقة بتأخير تشكيل الحكومة؟ يجيب فيصل كرامي “بحسب معلوماتي لا توجد أي علاقة لسوريا لا من قريب ولا من بعيد بالملف الحكومي في لبنان. سوريا في سوريا تدير أزمتها نحو برّ الأمان. كل من يذهب إلى سوريا ليسأل عن أي شيء يخص لبنان يأتيه جواب واحد: راجعوا السيد حسن نصر الله… ثم ماذا يتغيّر على سوريا إذا تشكّلت حكومة في لبنان أو لم تشكّل؟ بماذا أزعجت حكومة الرئيس الحريري الحالية سوريا؟ وزيرا الخارجية التقيا، وتعاون مشترك، وحرب مشتركة في جرود عرسال، واستجرار كهرباء وندفع ثمنها… أين الموقف المعادي لسوريا؟ أكثر حكومة تعاملت مع الدولة السورية هي حكومة الرئيس الحريري الحالية!”.
هل يمكن أن تتألف الحكومة من دون اللقاء التشاوري كأن تحصل تسوية على حسابكم؟ يؤكّد كرامي بثقة تامة أنه لن تكون هناك حكومة من دون تمثيل اللقاء التشاوري “نحن خيار نيابي ربح معركته على الرغم من كل السلطة والمال.. فلماذا يريدون إلغاءنا وشطبنا من المعادلة؟“.
ما هي العروض والمبادرة الحالية؟ يجيب كرامي “شخصياً، أنا مع العودة إلى المربّع الأول، أي أنا مع العودة إلى تمثيل اللقاء التشاوري بواحد من أعضائه النواب. المبادرة التي عرضوها علينا لم تعد موجودة، فلماذا نتمسّك بها؟ لكن هذا رأيي الشخصي، هناك الآن من اللقاء 9 أسماء هم النواب الستة والشخصيات الثلاثة التي قدّمنا أسماءها، وخارج هذه الأسماء ليس لدينا أي إسم إضافي“.
يختم كرامي بحزم “لا توجد عندنا مبادرات.. هذا ما عندنا وانتهى.. ونقطة على السطر“.