لبنان وفخ الهيمنة والنهب
غالب قنديل
ما يكتمه أصحاب المصارف ومهندسو السياسات المالية عن الشعب اللبناني اننا قد نشهد انتهاء الفقاعة العقارية والريعية التي عاش عليها لبنان منذ دخوله في حلقة الاقتراض والفوائد الربوية ومع انتفاخ أسعار العقارات قياسيا منذ بدعة سوليدير التي قامت على المظالم واغتصاب الحقوق ونفخ أسعار العقارات والتلاعب بالتخمينات.
باتت هوامش التلاعب الريعي أضيق بكثير مما سبق فكل المتداول من وصفات هو مواصلة الاستدانة وتمكين الهيمنة والوصاية الغربية بواسطة نادي باريس ومضاعفة سبل التحكم بالوضع اللبناني وتحويله إلى رهينة في قبضة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة من خلال مشاريع خصخصة شاملة تخرج مرافق عديدة من أيدي السلطة السيادية للدولة اللبنانية.
وثمة سؤال بالمناسبة لم يطرح على حاكم المصرف المركزي فما الذي منعه من تنفيذ وصفات هندساته المالية لصالح تمويل قروض الإسكان بدلا من وقفها أو لصالح الضمان الاجتماعي الذي يتحدثون عن عجزه رغم وفرة ما لديه من أرصدة وممتلكات بهدف عرضه للبيع على شركات التأمين متعددة الجنسيات وبعض وكلائها المحليين فقد استفادت من عمليات الهندسة المحكي عنها جهات مالية وسياسية محددة ولم تكن عمليات شاملة او متكافئة بل انتقائية في حدود ما نعلمه وفقا لما نشر حتى الآن.
حلقة رهن البلد مفتوحة ومعها لحس المبرد وسحق المزيد من الشرائح الوسطى والفقيرة والرصيد الواقعي الوحيد في ميزان المدفوعات هو تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج كما الرصيد في الميزان التجاري هو قيمة ما يصدره الصناعيون والمزارعون الذين لا يحظون بأي دعم او حماية في سياسات الحكومات المتعاقبة ومنذ عقود طويلة يعني يعتاش اللبنانيون على كدح أبنائهم في الوطن والمهجر والمصادر الأخرى المحققة في عمليات المضاربة الريعية ورفع الفوائد آخذة في التقلص ويتقلص الحجم الاجتماعي للمستفيدين منها بينما يطبق الركود الخانق على جميع اللبنانيين.
الهوامش والتدابير التي كانت مكرسة لتلطيف حدة الانعكاسات الاجتماعية على الطبقات الوسطى والفقيرة سيجري إلغاؤها ونسفها بإشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين يفاخر بعض مخططي فريق الرئيس المكلف بأنهم سيشرفون مباشرة على الشاردة والواردة وتقدم الفكرة إلى المواطن العادي على طريقة “الفرنجي برنجي ” ولا من يدلنا على بلد سلم من الخضات والمشاكل التي اورثتها توصيات ورقابة خبراء “الصندوق والبنك” المفوضين بفرض وصاية على البلدان الخاضعة للهيمنة الاستعمارية لزيادة إفقارها وتفعيل وتائر نهب ثرواتها ومتى كانت مساهماتهما في تخطيط السياسات الاقتصادية لصالح نمو واستقلال الدول المستهدفة؟؟.
من يدقق يكتشف ان خطة سيدر هي تعبير عن برنامج غربي لاستنزاف ما ينتجه اللبنانيون في الوطن والمهجر ووضع اليد على ما يمكن استغلاله من الموارد الاقتصادية في البلد وعين الغرب على مكتشفات النفط والغاز التي سيمنع استثمار عائداتها لبناء قطاعات إنتاجية تدعم استقلال الإرادة السياسية بذريعة اولوية إدارة المديونية وسداد القروض والفوائد.
لبنان دولة مستنزفة الموارد مستباحة لهيمنة المصارف الدولية والحكومات الغربية وستخضع لإدارة اقتصادية متعددة الجنسيات كسلطة منتدبة من نادي باريس وهذه الإدارة هي التي ستقرر الأولويات بدلا من أي سلطة سيادية لبنانية وستحدد الشروط والمواصفات وسوف تضمن مراقبة الشاردة والواردة في جميع المرافق الاقتصادية والمالية اللبنانية لمنع تمويل المقاومة المستهدفة بعقوبات تفرضها الولايات المتحدة وهذا ما زفه إلى اللبنانيين بابتهاج رئيس الهيئات الاقتصادية المرشح إلى منصب وزاري اقتصادي رئيسي في الحكومة العالقة على رجاء الولادة.
يتضح من الآليات المعتمدة تنفيذيا انه سيجري تحضير فرق فرنسية بريطانية من الخبراء للتمركز في مفاصل القرار السياسي الاقتصادي والمالي بناء على توصيات سيدر وستكون هذه الفرق جاهزة لغزو مفاصل الإدارة ومرافق الاقتصاد للتدخل ولممارسة الإمرة في التفاصيل الاقتصادية والمالية اللبنانية بإتقان شيلوكي خلاصته “نريد التأكد من حسن التصرف بأموالنا التي أقرضناها لكم ” وبالأصل فقد شرع لبنان يستباح منذ اعتماد وصفات الاستشاريين الأجانب في إدارة المشاريع التي تنفذها الدولة وهي مكرسة لخدمة الخرائط والخطط الأجنبية والحصيلة بعد ثلاثين عاما أنه لا بنية تحتية مؤهلة ولا خدمات مؤمنة بالحد الأدنى وتكفي الفضائح المتلاحقة للطرق والجسور والعجز عن ضمان تغذية كهربائية شاملة وكاملة في بلد بالكاد يوازي عدد سكانه مع النازحين واللاجئين قوام سكان مدينة حلب او نصف سكان مدينة دمشق وضواحيها.
الخطة الاستعمارية لتثبيت الهيمنة على لبنان تقضي باستنفاذ رصيدي تحويلات اللبنانيين وعائدات منتجاتهم المصدرة في حلقة لحس المبرد لسداد الديون والفوائد المتراكمة منذ التسعينيات وإغراق البلد في المزيد من المديونية والنمط الريعي غير المنتج والتابع لوضع اليد تدريجيا على العائدات المتوقعة لمكتشفات النفط والغاز المتوقعة لاحقا والمنتظرون لفتات العمولات حشد من الساسة والمتمولين هم اهل هذا النظام وحراسه.