بقلم غالب قنديل

النظام الريعي والتبعية قرينان

غالب قنديل

شكلت ولادة المقاومة بفصائلها المختلفة اول تمرد سياسي شعبي فعلي يزعزع قواعد المستعمرة التي ورثها اللبنانيون منذ ما يسمى بعهد الاستقلال وشكل إنجاز التحرير على يد المقاومة بقيادة حزب الله وبدعم من سورية وإيران اول زلزال ينسف أحد العناصر الحاسمة لطوق الهيمنة الاستعمارية التي استمرت راسخة متينة رغم كل ذلك بفضل تبعية النظام الريعي المديون والمشبوك بمنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية في المنطقة والذي بات منصة خاضعة للوصاية الغربية الخليجية منذ انطلاق العهد الإعماري.

الجوهري في كل ما يدور على الساحة اللبنانية في السنوات الأخيرة وكل ما يتعرض له الواقع السياسي اللبناني من تدخلات وضغوط هو تجسيد للمشيئة الاستعمارية بمنع تمرد لبنان واستقلاله الفعلي من خلال الانضمام إلى محور المقاومة وشبكته الإقليمية السياسية والاقتصادية العابرة للحدود والتي تضم إيران وسورية وتطمح إلى ضم العراق ولبنان واليمن حيث تتواجد قوى مقاومة استقلالية تناضل من اجل التحرر النهائي من الهيمنة.

من الواضح ان نهج الالتحاق بالهيمنة الاستعمارية ما يزال راسخ الجذور في التركيبة السياسية والاجتماعية اللبنانية وحتى المقاومة التي قدمت اعظم الإنجازات الوطنية في مسيرة تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة وألحقت هزيمة سافرة وواضحة بالكيان الصهيوني ومؤخرا بالغزوة التكفيرية التي اطلقها الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي بقيادة الولايات المتحدة وسائر حكومات الناتو ما تزال تجد نفسها مضطرة لمجاراة الرأسمالية الطفيلية التي سبق ان تآمرت عليها وسعت إلى التخلص منها بشتى الوسائل وصولا إلى التآمر مع العدو في حرب تموز.

تتجمع التناقضات والمؤثرات اللبنانية بجميع عناصرها عند عقدة الخضوع للهيمنة الاستعمارية الصهيونية فالنظام الريعي اللبناني هو نموذج حديث لنمط استعماري مالي تفرضه الولايات المتحدة في البلدان التي تبحث نخبها الرأسمالية التابعة الحاكمة عن عمولاتها في الكوارث المالية والاقتصادية التي يدبرها ويديرها خبراء صندوق النقد والبنك الدولي وقادة عصابات المضاربة وصناديق القروض المعولمة في نادي باريس.

تستخدم الولايات المتحدة مكانتها العالمية المقررة سياسيا ومصرفيا وعسكريا لإخضاع المستعمرات ومنع تمردها وهي تجمع بين ادواتها المالية المصرفية بسلاح العقوبات وبين تدخلاتها السياسية والمخابراتية في سعيها المحموم لتثبيت هيمنتها في شتى المجالات.

يتجلى استتباع لبنان للهيمنة الاستعمارية الرجعية الصهيونية بمجموعة من المظاهر التي يتوجب على أي وطني فطين ان ينتبه إليها جيدا ليهتدي إلى سبل المقاومة والتحرر التي ينبغي سلوكها في الوطن الصغير وهذه المظاهر تفصح عن نقائضها التي تستوجب توافر إرادة سياسية صلبة بمستوى قرار التمرد الفعلي ولتغيير الاتجاه جذريا.

أولا شكلت مفردات سياسة النأي وتعبيراتها مضمون الخضوع السياسي للهيمنة والوصاية الأميركية السعودية بحيث تبدت من خلال خيار استراتيجي سياسي واقتصادي بإدارة الظهر لجميع مبادرات قوى الشرق الصاعدة والتصميم على التحاق لبناني دائم ومتجدد بقوى الهيمنة الغربية والخليجية .

هذا مع العلم ان تجسيد النأي يفترض نظريا عدم التخندق في أي من المحورين المتصارعين في العالم والمنطقة وهذا يعني انفتاحا وعلاقات تعاون متوازية ومتوازنة مع الولايات المتحدة واوروبا مقابل روسيا والصين وسائر دول البريكس كما يعني علاقات متوازية ومتوازنة مع كل من المملكة السعودية ومحورها الإقليمي مقابل الشراكة مع سورية وإيران وحلفائهما.

ثانيا تتكشف الوقائع عن خطورة النهج اللبناني عندما ندرس كيفية التعامل مع العقوبات الأميركية الموجهة جهارا ضد المقاومة أي ضد عنصر القوة الحاسم في ردع العدو الصهيوني وحماية لبنان وسيادته الوطنية كما برهنت التجربة ويتذرع القادة والساسة بحجم ومتانة الهيمنة الأميركية على النظام المصرفي العالمي لكنهم يشطبون سلفا من قائمة الخيارات ما يتيحه الواقع الدولي الجديد من فرص اختبرتها دول اخرى للحد من تأثير العقوبات الاستعمارية من خلال تنويع الشراكات الاقتصادية والتجارية والمصرفية والحد من تأثيرات الهيمنة الأميركية الأحادية في العالم.

ثالثا إن من اخطر مظاهر الخضوع للوصاية الاستعمارية تقيد الدولة اللبنانية بأحادية الارتهان للولايات المتحدة في شروط ومواصفات تسليح الجيش اللبناني وإدارة الظهر لفرص التعاون في هذا الملف مع روسيا والصين وإيران وعدم البحث جديا في فرص التعاون الدفاعي اللبناني السوري ضد مصادر التهديد الواحدة.

رابعا بينما يشغل ملف النضوب المالي جميع قوى النظام الريعي المتهالك والخاضع للهيمنة يدار الظهر اللبناني كليا لفرصة إعادة هيكلة الدين بالشراكة مع جمهورية الصين الشعبية الدولة الأكثر ملاءة في العالم وذات الاقتصاد الأنشط نموا في العالم ويضع اللبنانيون رقابهم بيد سماسرة القروض في نادي باريس وتحت سكين جشعهم الكبير مع وصفات وتوصيات مركزي الشؤم الاقتصادي : صندوق النقد والبنك الدولي مخربي جميع الدول الفقيرة والمديونة في العالم الثالث.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى