فخامة الرئيس… المطلوب تغيير اتجاه دفة الدولة… منعاً للانهيار والانتحار: ناصر قنديل
– أتوجّه إليك فخامة الرئيس بهذه الرسالة التي تعبر عما يختلج نفوس الكثيرين من الذين آمنوا بصدق مسعاك لبناء دولة مدنية والسير بخطى حثيثة لإصلاح نظامنا الفاسد، ووثقوا بأنك فرصة ربما لن تتكرر بسهولة لتكون لنا دولة قوية قادرة، ودولة مؤسسات وقانون يتساوى فيهما الناس في الحقوق الواجبات، ومجتمع يتعافى من العصبيات ويتماسك في ظل هوية وطنية تتعاظم مكانتها في نفوس أبنائه، وتتعزّز وحدته الوطنية، ورسموا في ذهنهم صورة عما سيكون مع رئاستكم للدولة من إخراج لاتفاق الطائف من كونه إطاراً للمحاصصات الطائفية ليتحوّل خريطة طريق نحو بناء الدولة، وفقاً لما نصّ عليه من سعي لإلغاء الطائفية، وإعادة صياغة دور لبنان في المنطقة انطلاقاً من علاقة لبنانية سورية تتخطى كل الأمراض والعقد والتلاعب السياسي والمصلحي، لكون هذه العلاقة وفقاً لاتفاق الوفاق الوطني في الطائف الركن الأساس في هوية لبنان العربية، ولكون المصالح الاقتصادية اللبنانية تبدأ وتنتهي عند الإجابة عن سؤال ماهية العلاقة بالعمق الجغرافي الذي تمثله سورية، وحجم وعود إعادة الإعمار فيها، وموقعها المفصلي جغرافيا كرئة يتنفس عبرها الاقتصاد اللبناني، عدا عن الحاجة الملحّة في حلول شاملة ونوعية لملف النازحين لا تفي به إلا بعلاقة متعافية بين لبنان وسورية .
– ها نحن فخامة الرئيس، أمام استحقاقين يتجمّعان معاً يطال كل واحد منهما كشف حساب حول عنوان من عنوانَيْ بناء الدولة والعلاقة اللبنانية السورية. وفي كليهما نشعر أن بلدنا يسير بالاتجاه العكسي لما كانت عليه آمالنا وتطلعاتنا ووعد وصولكم إلى رئاسة الجمهورية، وليس سواكم من يستطيع تصويب المسار، بعدما اختبرتم الفرضيات التي ظننتم أنها تصون لبنان، وتحقق استقراره وتقدمه نحو مشروع الدولة، وتضع العلاقة بين لبنان وسورية حيث يجب أن تكون، والقضية بالتأكيد ليست شأناً تقنياً في العنوانين، بل فعل ثقافة وسياسة وتوجهات ورسم خريطة أولويات، فخلال سنتين من عهدكم كان الجهد على إنتاج قانون للانتخابات النيابية أعقبته الانتخابات ومساعي تشكيل الحكومة، وكانت إدارة للعلاقة مع سورية تتظلّل ما سُمّي بخيار النأي بالنفس، وخير طريقة للحكم على صواب الخيار من عدمه هو ما حصدناه. وها هو المشهد الذي نراه مع مسار ولادة الحكومة يكفي للحكم على ما حصدناه في مسار بناء الدولة، بالفشل والخيبة والتراجع، حيث العصبيات أشدّ حضوراً من الوطنية بأضعاف، والمحاصصات أكثر فجوراً وفكرة الدولة يُصيبها الضعف والإضعاف، والناس من يأس إلى مرارة فوق مرارة تضاف. وفي الاستحقاق الثاني، نحن على أبواب القمة الاقتصادية العربية في بيروت، والعرب يتسابقون إلى دمشق، ودمشق غائبة عن بيروت، وبيروت غائبة عن دمشق، وفي الغياب يسقط النأي بالنفس لينضم لبنان إلى عرب بلا سورية، ويكون آخر وأسوأ لحظات التعبير عن القطيعة العربية لسورية، التي التزم لبنان بالنأي عنها، وها هو يستعدّ ليصير عنوانها، والعرب يستعدّون لإنهائها، ولبنان الاقتصاد غائب في القمة الاقتصادية، فماذا عساه يشتري وماذا عساه يبيع بدون علاقته بسورية، فالعناوين المقرّرة عن فتح الأسواق والربط الكهربائي والانفتاح على الفرص المقبلة، كلها تترجم بالنسبة للبنان بكلمة واحدة هي سورية.
– فخامة الرئيس، إن الكلام الصادق وحده ما يحتاجه نجاح العهد وما تحتاجه قيامة الوطن، ومن قلب صادق وعقل حريص، لا يبدو للحظة أن خيار قانون الانتخابات المبني على معادلة الاستنخاب الطائفي بفرضية الجمع بين تحسين التمثيل الوطني والتمثيل الطائفي كان خياراً موفقاً، فقد نهش القانون نفوس الناس وأضعف حسها الوطني وأيقظ العصبيات النائمة وشحذ اليقظة منها بمصادر القوة، وشقّ الطريق الواضح نحو فدرالية تنتظر الفرصة لتطل برأسها، فتحوّلت الطوائف إلى إقطاعيات يتقاسم تمثيلها قادة يفرح الطائفيون منهم بما حازوه، ويتأقلم الوطنيون منهم مع الطائفيات التي لا بقاء لهم دون الخضوع لمقتضياتها، وغاب كل حساب للهوية الوطنية والمصلحة الوطنية والحسابات الوطنية، وتهمش كل مؤمن بالوطن العابر للطوائف وازداد إحساسه بالغربة، وكأننا اليوم عشية النقاش حول اتفاق الطائف، نرتضي الفدرالية التي بني الطائف كله على السعي لدفنها، ونهض على روح عنوانها إسقاط خطر التقسيم وكل أنواع الفدرالية والتمسك ببديل واضح هو السير نحو إلغاء الطائفية، هذا بدلاً من أن نكون ونحن نتنافس ونتبارى بالحديث عن الطائف نضع روحه سقفاً ممنوع تخطيها أو تجاوزها، فكيف بنا نطعنها في الصميم.
– فخامة الرئيس، كيف يستقيم السعي لتنقية العلاقات اللبنانية السورية وإعادة صياغتها على أسس تحقق المصالح المشتركة ويسودها الاحترام المتبادل، وتجسّد مفهوم الأخوة والتعاون والتنسيق الذي شكل ركناً رئيسياً في اتفاق الطائف، وكل يوم يخرج مسؤول في الدولة يتبجّح بالعداء لسورية والتطاول على رموزها ورئيسها، وتربط الدولة كلها توقيت علاقاتها الطبيعية بسورية، بساعة الذين ناصبوها العداء، ونحن ندرك أن رهان الآخرين يسقط ورهانكم على قيامة سورية ينتصر، فكيف يستقيم أن يحكم لبنان رهان المهزومين، وأن يتحكّم هذا الرهان الخاسر بمصالح اللبنانيين الحيوية المتعلقة باستثمار لبنان لعلاقة مميزة مع سورية، في تطوير حياته الاقتصادية وحل قضية النازحين، وإرساء قواعد تبادل الفرص والمنافع، وكيف يستقيم أن ينعقد في لبنان آخر مؤتمر قمة عربية تغيب عنه سورية، مراعاة لداخل مريض أو خارج بغيض، أو حساباً لمصالح الآخرين على حساب مصلحة لبنان.
– اضرب بيدك على الطاولة يا فخامة الرئيس منعاً للانهيار ووقفاً للانتحار، فها نحن نخسر آخر ما تبقى لنا من رصيد هوية وطنية في الداخل، وهوية عربية في الخارج، وليس للهوية العربية من تجسيد وفقاً لاتفاق الطائف إلا العلاقة المميزة بسورية، وليس للهوية الوطنية من مقياس إلا التقدم نحو إلغاء الطائفية، والطريق واضح ويشبه الصلابة التي تجسّدونها، وفيه مفهوم الرئيس القوي، القوي بالموقف، والقوي بتلبية طموحات شعبه، ولك بين اللبنانيين الكثيرين الذين سيقفون خلفك عندما تقدّم، والمطلوب موقف وللموقف عنوان، إن لبنان سيوجّه الدعوة للرئيس السوري لحضور القمة وليرضَ مَن يرضى ويغضب من يغضب، ويشارك مَن يشارك ويقاطع مَن يقاطع، وعلى ضفة موازية تماماً، موقف لا يقل صلابة، أن الدولة اللبنانية لن تسير نحو الفدرالية، وقانون الانتخاب المريض يجب أن يسقط ومعه تسقط كل ثقافة المحاصصة، وها نحن ذاهبون إلى قانون انتخاب نصّت على مضمونه المادة 22 من الدستور بمجلس نيابي خارج القيد الطائفي معه يمكن تطبيق التمثيل النسبي واللوائح الحزبية في لبنان دائرة واحدة، ومجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف ويقدّم الضمانات لطمأنة الهواجس الطائفية المشروعة فقط.
– فخامة الرئيس، أنتم الأعلم أن الموقف سلاح، وأن رسالة تحمل توقيعكم كرئيس للقمة الاقتصادية العربية تتوجّه للملوك والأمراء والرؤساء العرب تعلن عزمكم على دعوة رئيس الجمهورية العربية السورية لكل الأسباب العربية واللبنانية، إلى القمة العربية الاقتصادية في بيروت، ستنقل لبنان من موقع الملعب المفتوح للاعبين الآخرين إلى اللاعب الذي يدير قواعد المرحلة العربية الجديدة ويصون مصالح لبنان، وأن رسالة موازية للقادة اللبنانيين المشاركين في هيئة الحوار الوطني برئاستكم، تقول إن مسار التآكل والإنهيار يجب أن يتوقف وأن المطلوب تطبيق بنود اتفاق الطائف الإصلاحية والسير قدما بقانون انتخاب يستوحيها ويلتزم معاييرها، وبناء عليه تتم الدعوة لانعقاد هيئة الحوار لمناقشة الانسداد السياسي، كنتيجة للخراب الوطني الناتج عما جلبناه من تعاظم الحال الطائفية، وجعل البحث في المسار الحكومي ترجمة لهذا التوجّه وتلبية لاحتياجاته ومقتضياته، هذه خريطة طريق وحيدة نحتاجها، وتعيد رسم الأمل في السواد المقيم، ووحدها ستشكل الباب لوقف حال الإحباط والخيبة التي يعيشها اللبنانيون وتخيم على النخب الحاضرة للوقوف وراءكم كرمز لمشروع بناء الدولة عندما تقدمون وأنتم أهل العزم، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.