حكومة «الغلَبة»… على وقع الانسحاب الأميركي: هيام القصيفي
يمكن لأي سياسي معارض لحزب الله أن يقرأ تسهيل ولادة الحكومة على أنه نتيجة تسوية محلية، من دون ربطها بالمتغيرات الاقليمية والعراقية ضمناً. صحيح أن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أصرّ في إحدى إطلالاته على نفي اي علاقة للحكومة بالعراق او بالتطورات الاقليمية، لكن كثرة هذه العوامل التي انفجرت دفعة واحدة، لا يمكن ان تقرأ بعيداً عن الحدث اللبناني .
فالمشهد نفسه تكرر مع حكومة الرئيس تمام سلام التي صيغت في الساعات الأخيرة بعد انتظار شهور طويلة، وها هي حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية في عهد الرئيس ميشال عون، تولد تقريباً في الظروف نفسها. خلال ساعات، تمت معالجة كل العقد، وبدأت تتوالى المواقف الدولية المرحبة بإنتاج لبنان حكومته بعد انتظار سبعة اشهر. ورغم أن كل فريق سياسي يريد في الوقت الراهن استثمار تشكيل الحكومة في الحسابات الداخلية الصرف، الا أن العناصر المحلية تبقى دائماً الاقل حضوراً في صدور قرار التأليف في حدّ ذاته، وليس في المناورات الداخلية لتحصيل الحصص والحقائب.
كان واضحاًً أن واشنطن غضّت الطرف عن تسهيل تشكيل الحكومة، ولو اختلّت فيها موازيين القوى. لم تخرج الولايات المتحدة عن سياسة إشاحة نظرها، تجاه ما يحصل في لبنان، لأن تعاطيها منذ انتخاب الرئيس ميشال عون لا يتعدى الحفاظ على الحد الادنى من الاستقرار من دون المبالغة في رفع مستوى الاحاطة الاميركية بلبنان، كما كانت حالها قبل سنوات. صحيح أن القرار الاميركي بالانسحاب من سوريا لم يصدر بناءً على مجريات الوضع اللبناني، الا ان تأثيراته ستكون مباشرة، لأنها ستعني من الآن فصاعدا ترجمة عملية سياسية لهذا التخلي السياسي، وليس العسكري بالمعنى الضيق، عن «الشرق الادنى»، وكيفية تعامل لبنان مع هذا الواقع. فمندرجات الانسحاب الاميركي ستطاول ايضاً سوريا والعراق واليمن، بعدما بدأت الاصوات الاميركية المعترضة على قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب تنذر بغلبة النفوذ الروسي الايراني في المنطقة. من هنا يمكن قراءة الموقف الاميركي المتخلي عن التورط فعلياً في تشكيل الحكومة، وترك ظروفها تنضج على ايقاع التطورات الاقليمية. وكل التحذيرات من إعطاء وزارة الصحة أو غيرها لحزب الله، لم تجد متنفساً لها سوى تصعيد كلامي وتلويح بمزيد من العقوبات، علماً بأن واشنطن لن تتخلى عن تعاونها مع حكومة لبنان ولو كانت حكومة ترجح فيها كفة حزب الله وحلفائه.
فحكومة العهد الثانية، حكومة وحدة وطنية في الشكل أكثر مما هي في المضمون، لأن الارجحية فيها باتت، منذ بداية المفاوضات حتى اليوم، لفريق واحد. وقد يكون رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط اول من التقط اشارات التحول الاقليمي، فبادر الى «تسوية» أوضاعه مع رئيس الجمهورية ومع حزب الله. وإذا كان خصوم حزب الله باتوا يسلمون بأنه تمكن من فرض إيقاعه على مسار التشكيل، فإن الافرقاء المشاركين في الحكومة غير قادرين على أن ينسبوا لأنفسهم واقع المعارضة من ضمن الحكومة الجديدة، بعدما دوّروا كل الزوايا الممكنة للمشاركة فيها. فهناك تحديات تقبل عليها الحكومة الجديدة لها صلة بالوضع الاقليمي والعلاقة مع سوريا وكل ما يترتب على ذلك من يوميات، ستبدأ بالظهور تباعاً، ستنعكس في واقع الحكومة ومناقشاتها، ولو تخطّت عقبة البيان الوزاري. ولا يمكن وفق ذلك لأي فريق معارض لحزب الله أن يحول الحكومة ساحة تجاذب سياسي، لأن قدرة التعطيل لم تعد في أيدي هؤلاء. وفق ذلك يمكن السؤال كيف ستكون مشاركة تيار المستقبل والقوات اللبنانية في هذه الحكومة، على ايقاع التحول الاميركي. فاذا كان الحريري استبق انتاج هذه الحكومة من خلال عقد تفاهم متين مع العهد والوزير جبران باسيل وانتاج تفاهمات لها صلة بملفات مالية واقتصادية، الامر الذي يجعله قادراً على صياغة ترتيبات سياسية لا تحرجه، الا أن اتجاهات سوريا والمنطقة قد تفتح الباب أمام مزيد من الملفات والضغوط الدولية والعقوبات المالية، التي ستضع الجميع تدريجاً أمام واقع جديد غير مألوف. وهنا يصبح الحريري في مواجهة تحديات اكثر جدية، من الصعب القفز فوقها، حتى عبر تحالفه مع العهد وباسيل، إلا إذا أراد حزب الله إنقاذ شركائه في الحكومة، الامر الذي سيجعله يحمل بنفسه ميزان التوازنات، فلا يدفع الوضع الحكومي على الطاولة الى المواجهة السريعة. وما دام الحزب أفرج عن الحكومة، فهو قادر على أن ينتج حلولاً لأزمات قد تستجد لها صلة بسوريا، اذا اقتضت المصلحة عدم تعطيل حكومة، ما دام مفتاح الحل والربط في يديه، ويستطيع استخدامه حين يريد.
(الاخبار)