بقلم ناصر قنديل

تذكروا: الانسحاب الأميركي نهاية 2018: ناصر قنديل

ليست القضية في تواريخ مفصلية كنهاية عام وبداية عام آخر، بل في ما سبق وقلناه مراراً عن الربط بين مستقبل الحرب على سورية، ومصير القوات الأميركية في أفغانستان، التي مدّد بقاؤها من نهاية عام 2016 إلى نهاية عام 2018 إفساحاً في المجال للبقاء في سورية، رهاناً على ما بعد معارك حلب والانتصارات التي حملتها لمحور المقاومة وروسيا، على تسوية تنتهي بخروج إيران وحزب الله يرتضيها كل من الرئيسين الروسي والسوري، وتستخدم لفرضها الضربات الإسرائيلية والعقوبات الأميركية، وعقدة الوصل بينهما صفقة القرن التي تنهي القضية الفلسطينية بتوقيع فلسطيني على بيع القدس، وتفتتح عهد التحالف المعلن بين الخليج و«إسرائيل» بوجه إيران. أما وقد سقط الرهان، فالقرار بين إثنين، تمديد جديد لرهان جديد أو انسحاب. فالاستحقاق يدق باب القرار .

لماذا الربط مع الوجود الأميركي في أفغانستان؟ لأن هذا الوجود بات عديم الفائدة عسكرياً وعاجزاً عن توليد حلول سياسية، والحضن الروسي الصيني الإيراني الباكستاني بات هو البيئة الإقليمية لأفغانستان، ولم يعد للبقاء الأميركي هناك سوى حجز الجغرافيا منعاً للتواصل البري عبر أفغانستان بين الصين وروسيا من جهة، وبينهما عبر أفغانستان مع إيران براً، وعبرها مع العراق فسورية فالبحر المتوسط. والانسحاب من أفغانستان وسورية مترابط، لأنه إفراج جغرافي عن فرص التواصل الروسي الصيني مع البحر المتوسط عبر جسر برّي يمتد من افغانستان فإيران فالعراق فسورية، بعدما يتم تحويل العراق إلى مصفاة رقابة وتحكم وتفاوض في حدود الحضور الروسي الصيني على المتوسط، وحدود الحركة الإيرانية نحو سورية ولبنان، مصفاة نظرية لن تستعمل إلا لتبرير التفاوض على التسويات الكبرى، كي لا يتحوّل الوجود الأميركي في العراق هدفاً يستدرج المواجهة غير المرغوبة مرة أخرى.

ها هو الأميركي يعلن بدء الانسحاب، ويمنح مئة يوم للآخرين لترتيب الأمور يتمّ خلالها السحب التدريجي للقوات، فيمنحنا التفسير المنطقي لتساقط الفيتوات الأميركية، التي أراد الرئيس التركي إيهامنا أنه يقوم هو بإسقاطها بالإعلان عن نيته دخول منطقة شرق الفرات، بينما هو يجسّ نبض المسموح وحدود الوراثة المتاحة أمامه للوجود الأميركي. وها هي الزيارات الرئاسية العربية المتدفقة على دمشق وما يليها من تسارع البحث في إعادة مقعدها المسلوب من الجامعة العربية ودعوة رئيسها لحضور القمة العربية في تونس، تجد تفسيرها هي الأخرى، بمعادلة أميركية للحلفاء في تركيا والبلاد العربية وأولاً «إسرائيل»، رتبوا أموركم خلال مئة يوم فنحن راحلون، وها نحن نعرف سراً جديداً لبهلوانيات بنيامين نتنياهو على الحدود ودرع الشمال وصور الأنفاق، كلها محاولات تأقلم مع الجديد المتمثل بإعلان نصر سورية وحلفائها، بتوقيع العدو رقم واحد، وهو أميركا صاحبة قرار الحرب على سورية، وعبرها على إيران وروسيا.

تساقط الفيتوات واحداً تلو الآخر كان لافتاً، من فيتو على تسوية يمنية تكرس مكانة محورية لأنصار الله كقوة مقاومة، إلى فيتو على الزيارات الوزارية والرئاسية إلى دمشق، إلى فيتو على تشكيل حكومة تريح قوى المقاومة في لبنان والعراق، حجارة دومينو تتهاوى مع سقوط مصدر الفيتوات، قيادة القوات الوسطى في الجيوش الأميركية ليست على السمع بعد الآن، والجنرال ماكفورك يترك مهامه، تدبّروا أموركم، تماماً كالمجيب الآلي، الخط غير موضوع في الخدمة، راجع الاستعلامات، أليس هذا هو حال حلفاء واشنطن الآن؟

ماذا سيفعل قادة الجماعات الكردية الذين طالما خاطبناهم بالدعوة للرهان على وطنيتهم السورية، وليس على مستجدّ خارجي قابل للزوال وحاضر للمتاجرة؟ وماذا سيفعل الأتراك الذين راهنوا على الإفادة المتبادلة بينهم وبين الأميركيين من التذرع بعضاً ببعض؟ وماذا سيفعل الإسرائيليون الذين ظنوا انهم أقنعوا واشنطن بصورة نهائية بشراكة في المصير في مستقبل سورية؟ وماذا سيفعل العرب الذين ربطوا عداءهم لسورية وإيران وقوى المقاومة بوهم نيات حربية أميركية؟

وحدهم في سورية وروسيا وإيران وقوى المقاومة يعرفون ما سيفعلون، فالصورة واضحة، لا انتقام، لكن لا نسيان، لا جوائز ترضية لأحد، والتسامح مشروط بالمراجعة المعلنة، والتراجع العملي.

– الذين كانوا يجادلوننا بأن لا انسحاب أميركي، سيجادلون اليوم بالقول إن الانسحاب مؤامرة، فلا تصغوا إليهم، فهم في كل مرة يسيئون التقدير ويجلسون بيننا للتحدث بلغة المصلحة عن سورية والمقاومة، ولكن بسبب طبيعة مهمتهم أو ضعف بصيرتهم، تراهم ينصرفون لتدمير المعنويات وتنغيص كل نصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى