موسم العودة إلى سورية
غالب قنديل
الرئيس عمر البشير في دمشق خبر كان عاديا فيما مضى لكنه غير عادي في ظل ما طرأ من تحولات في السياسة السودانية وبعد ما تراكم من ضغوط وتهديدات مرهقة على الخرطوم التي جمعتها قبل سنوات العدوان على سورية علاقة جيدة ومميزة مع دمشق كما سواها العديد من العواصم العربية وحكوماتها التي ابتعدت عن دمشق استجابة للاملاءات الأميركية الغربية ومسايرة للمملكة السعودية او لوقوعها في الغواية المالية القطرية وأحيانا لوقوع الأمرين معا أو بالتناوب.
هزيمة العدوان على سورية باتت حقيقة تفرض ذاتها يكرسها نهوض الدولة الوطنية وانتصارات الجيش العربي السوري وصمود الشعب العربي السوري بقيادة الرئيس الأسد الذي قاوم بشجاعة أعتى حروب العدوان الاستعماري المباشرة وبالواسطة في آن معا واستطاع ببراعة وصلابة وبذكاء استراتيجي أن يقود ملحمة صمود أسطورية في وجه العدوان الكوني على بلاده.
تكسر الجبروت الأميركي الصهيوني وسقطت الغطرسة وتهاوت امام القائد بشار الأسد وارادته الصلبة وبصيرته النيرة فشرع الكثيرون في مراجعة حساباتهم وهكذا تواصل حكومات عديدة في الغرب مد الجسور في الخفاء وتسعى انقرة بتصريحاتها التي تسير كالسلحفاة إلى التمهيد للاعتراف بانتصار القائد الأسد الذي تلقى الطعنات الغادرة رغم مبادراته السخية لاختبار فرض الجوار والشراكة مع تركيا.
تدفع العنجهية العثمانية المسؤولين الأتراك إلى تغطية الخيبة وسترها بذرائع واهية ومختلقة وهم يستشعرون انطلاق موسم العودة إلى سورية في المنطقة ويحسون حجم الارتباك داخل منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية التي هم طرف رئيسي فيها مع ظهور رغبات غربية وخليجية متعددة بإعادة فتح السفارات في العاصمة السورية وبروز كلام يتردد بكثافة عن سعي بعض الدول العربية لتثبيت عودة سورية إلى الجامعة التي أخرجت من سورية فخرجت من عروبتها.
يعلم الجميع أن قرار التواصل مع دمشق واللقاء بالرئيس بشار الأسد لا يتخذ بمعزل عن الولايات المتحدة التي يراجعها البعض في شؤون أقل أهمية وليس فحسب في قرارات سياسية كالعلاقة مع سورية التي قادت الولايات المتحدة حملة شرسة لمحاصرتها بالتزامن مع انطلاق العدوان قبل سنوات.
القيادة السورية المقاومة تمسك اليوم بنتيجة صمودها بالعديد من الأوراق الدولية والإقليمية بعد انتصارها غير المكتمل على العدوان وقد بات في مخاض ربع الساعة الأخير فسورية هي رأس الجسر العربي والمتوسطي للشرق الكبير وقواه العملاقة روسيا والصين والهند وإيران مع خط التشديد اللازم وسورية هي دولة المواجهة الكبرى التي ردعت العدوان الصهيوني وقلعة العروبة المقاومة ولذلك فهي تهب زوارها وأصدقاءها بعضا من القوة والسمعة التي تعينهم على مجابهة ما يحيق بهم لقد عادت العلاقة بسورية مطلبا فيه حاجة ومصلحة.
تتسم المنهجية السورية بواقعية ظاهرة وباستعداد دائم لملاقاة المبادرات بكل مرونة وبتفهم للتمايزات والاختلافات وهي واقعية تقوم على مفهوم المصالح المشتركة واحترام المبادئ وتظهير مسائل الاختلاف دون مداراة أو مواربة فلم يتردد الرئيس بشار الأسد مؤخرا في تأكيد رفض سورية لهرولة المطبعين مع العدو إلى جانب ترحيبه بالعائدين منهم إلى دمشق وهذه هي سورية بواقعيتها ومبدئيتها.
ما قاله الرئيس السوداني من دمشق كان تشديدا على مكانة سورية القومية كدولة مواجهة وتأكيدا على أهمية دور سورية العربي في هذه المرحلة ويكشف ذلك حاجة الحكومات العربية للعودة إلى سورية بمن في ذلك من لا يجرؤون على قولها بوضوح ما أفصح عنه الرئيس البشير وهم يعلمون ان حضور سورية يساعد في معادلات أكثر توازنا ومن المرجح ان نشهد قريبا خطوات عديدة قادمة غايتها التمهيد لتراجع المتورطين عن اوهامهم ورهاناتهم المدمرة التي تكسرت على صخرة الصمود السوري.
بين الخرطوم والرياض تحالف وثيق وشراكة في الحرب على اليمن والسؤال الذي طرح نفسه بقوة هو هل كانت في جعبة الرئيس البشير رسالة سعودية إلى القائد الأسد لطلب مساهمة او مبادرة عاجلة في احتواء المأزق اليمني بعد المواقف الأميركية المتحولة التي تنحو إلى رفع الغطاء عن المملكة وتحميلها المسؤولية الكاملة عن حرب بشعة زجتها بها مشيئة واشنطن نتيجة تهور القادة السعوديين وابتعادهم عن التعقل والرصانة بل ولهاثهم خلف الرضى الأميركي والصهيوني الذي دخلوا لأجله في أخطر حلقات الابتزاز الدولي المعاصرسياسيا وماليا حتى تعاظمت الأخطار الوجودية على نظامهم الذي زجوا بكل قدراته في خطة تدمير سورية.
السباق السعودي التركي يستعر في المنطقة وسورية هي مركز الثقل الصاعد الذي يحظى بثقة الحلفاء وبقدرة فريدة على التأثير والتفاعل في علاقة الرئيس بشار الأسد الوثيقة بقادة إيران وروسيا والصين بعد معمودية الشراكة في النضال ضد الهيمنة الأميركية وأي احتواء للصدوع والأزمات المشتعلة في المنطقة قد يتطلب دورا او مبادرة او وساطة يقوم بها الرئيس بشار الأسد الذي لديه رؤيته وموقفه القومي في جميع الملفات وهو صاحب نظرة بعيدة المدى لمستقبل المنطقة العربية وللعروبة ويعرف قادة الخليج قبل سواهم ان صمام الأمان الذي منع تفاقم خلافاتهم مع إيران نتيجة رضوخهم للمشيئة الأميركية امسكت به سورية خلال العقود الماضية تحت سقوف واقعية وبالتفاهمات الممكنة بما أعلن منها أو ما بقي طي الكتمان في أرشيف الرئاسة السورية.