الإحتجاجات الشعبية في فرنسا أحمد مصطفى
باختصار – لم يكن السبب في هذه الإحتجاجات الفرنسية الأعنف في تاريخ فرنسا منذ احتجاجات 1968 وايضا في 2006 هو فرض تلك الضريبة البيئية من قبل ماكرون على الشعب الفرنسي، والتي تضررت منها الطبقات الدنيا، وخصوصا السائقين والذين دائما ما يرتدون الصدريات الصفراء (ومن هنا جاء اسم الحركة – الصدريات الصفراء) في فرنسا هي السبب .
والتي للاسف جعلت ترامب الرئيس الأمريكي يسخر من فرنسا، واتفاقية باريس للمناخ، والتي انسحب منها كالأبله – قائلا بكل غباء هذه نتيجة إتفاقية باريس – في حين لم تنسحب منها لا الصين ولا الهند الدولتين صاحبتين اكبر تعداد سكاني ونشاط صناعي – على أساس أن ترامب يريد زيادة فرص العمل، حتى لو على حساب تلوث البيئة – مع وجود منظومة صحية أمريكية متهالكة لا تقارن بفرنسا، لعدم وجود قانون واضح – وفرض ترامب ضرائب على الامريكان العام الماضي تصحيحية لسد عجز الميزانية الكبير لديه.
تعديل قانون العمل الفرنسي – إلا ان ما حدث له جذور تمتد للقيام بتعديل قانون العمل الفرنسي، وجعله في صالح أصحاب المال والأعمال، كما هو القانون في مصر مثلا، وكنت أنا شخصيا أحد المضارين منه عند تعديله من قانون 187/1981، الى قانون 12/2003 والتعديلات التي أتت بعدها ولم تنصف العامل أو الموظف ابدا – وللاسف غالبية وسائل الإعلام الغربية والعربية لم تسلط الضوء على هذا السبب الخطير.
في دولة كانت إلى عهد الرئيس المحترم “جاك شيراك” بها توازن بين اليمين واليسار، وهناك تيار اشتراكي كبير كان موجودا داخل فرنسا – ولكن للاسف عمل كل من “ساركوزي وهولاند والحالي ماكرون” خونة فرنسا على طحن اليسار، إرضاءا للبيت الأبيض واللوبيات الأمريكية والعولمة الشرسة – وأصبحت فرنسا تلك الدولة الكبرى مجرد تابع لسياسات الولايات المتحدة.
وسائل التواصل الإجتماعي – كما نلاحظ ما يحدث في فرنسا يعيد إلى اذهاننا “حركة 6 ابريل” و “كفاية” (اتفقنا او اختلفنا) في مصر – و”احتلوا وول استريت” في امريكا – وكيف لعبت وسائل التواصل الإجتماعي دورا كبيرا في التشبيك ثم حدوث ثورات فيما بعد في كل من “تونس ومصر واليمن والبحرين” وبشكل سلمي – لأن وسائل التواصل الإجتماعي كانت اكبر منصة لجمع الغاضبين والمهمشين – ونفس وسائل التواصل الإجتماعي قد وحدت بين الغاضبين الفرنسيين، والذين رأوا أن ماكرون جعل فرنسا بلد محكوم من قبل الأغنياء وأصحاب النفوذ، مثله للاسف كمثل بلداننا العربية حاليا مع ضياع الحقوق الإجتماعية والاقتصادية.
إلى اين وصلت مطالب المحتجين – بعد الغاء ماكرون للضريبة البيئية على الديزل – تواصلت الاحتجاجات بالرغم من دعوة مجلس الوزراء والبرلمان للقاء ممثلين عن الصدريات الصفراء – الا أن هناك تهديدات بالقتل خفية وردت إلي البارزين في هذه الحركة (لأن الحركة دون قيادة معلومة للآن) واتهموا الحكومة والأمن الفرنسي بذلك – وايضا طلبت الجهات الرسمية في فرنسا حجب الإعلام عن تلك الحوارات مع الحركة – الأمر الذي اقلق المحتجين وجعلهم يرفضون اللقاءات مع البرلمان ومع الوزراء.
ومع انخفاض شعبية ماكرون لدون الثلاثين بالمائة – تصاعدت مطالب المحتجين والتى وصلت ليس فقط الى حل البرلمان او الجمعية الوطنية ولكن الى المطالبة باستقالة ماكرون من الرئاسة والذي للاسف لم يكن اهلا من البداية لهذا المنصب وهناك علامات استفهام كثيرة حول مصادر تمويل حملته من بعض الدول الخليجية وهذا امر غير مفصح عنه الى الآن.
لا زال البعض يرى من شبابنا العربي، أن ما يجري في فرنسا هو انتقام إلهي عادل، لما قامت به فرنسا في دولنا العربية والإفريقية، من دعمها لجماعات إرهابية بالتنسيق مع كل من أمريكا وبريطانا وفرنسا واسرائيل وأيضا بإثارة الفوضى في دول مثل ليبيا وسوريا على وجه الخصوص – وضرب إسفين الخلاف بين المغرب والجزائر – ودعم ثم محاربة الإرهاب في الدول الفرانكوفونية ذات الموارد الطبيعية الغنية كمالي وتشاد والنيجر وغيرها.
باحث وكاتب عربي من مصر / رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة وعضو كودسريا، ومجموعة رؤية استراتيجية – روسيا والعالم الإسلامي