اسرائيل عاجزة ومطوقة بالردع
غالب قنديل
شكلت حملة البحث عن الأنفاق قرب الخط الأزرق في شمال فلسطين المحتلة وما صاحبها من ضجيج إعلامي واستعراضات سياسية مخرجا افتراضيا لبنيامين نتنياهو من اختناقه الداخلي وخط حماية من متابعة إجراءات محاكمته على شفير عزله.
ما لبث الكيان الصهيوني ان مني بإحباط شديد نتيجة صمت حزب الله وغموضه كالعادة واضطرار رئيس وزراء العدو لإصدار تطمينات للداخل الصهيوني بأنه لا ينوي الذهاب إلى حرب ضد لبنان تبارت وسائل الإعلام العبرية وسائر الخبراء الصهاينة في تقدير تكاليفها وخسائرها الجسيمة وما سيلحق بنتيجتها بالجبهة الداخلية التي ستكون تحت وابل عشرات آلاف الصواريخ بجميع مرافقها الاقتصادية ومنشآتها العسكرية وتجمعاتها السكانية وفقا لما اجمع عليه كبار الكتاب والمحللين الصهاينة الذين حذروا من المغامرة في الأيام القليلة الماضية واستصرحوا المصادر الحكومية والعسكرية التي هدأت تلك المخاوف وحصرت الحملة واستثمارها في الشقين الإعلامي والسياسي للضغط على السلطات اللبنانية ولمطالبتها بالتضييق على حزب الله وهو ما لم يكن بعيدا عن الترتيب الأميركي السعودي للتضييق على حلفاء الحزب ومناصري المقاومة في سائر الطوائف اللبنانية وتهميشهم بمنع تمثيلهم في الحكومة الجديدة عملا بخطة التعرية السياسية المطبقة منذ العام 2000 ضد المقاومة لحصرها ومحاصرتها مذهبيا وسياسيا.
أخفى نتنياهو الحقيقة المرة عن جمهور الكيان الصهيوني واعترف بالعجز ضمنا بعد فشل حملته العسكرية الأمنية في القطاع وبرضوخه لمعادلة الردع في غزة وقال يومها ان لديه اعتبارات لا يمكنه كشفها للرأي العام وتلك الاعتبارات ترتبط فعليا بسقوط ما كان يسمى بالهيبة الصهيونية والتفوق العسكري الصهيوني في المنطقة فالعدو بات محاصرا من جميع الجهات.. وتبدّت عند رئيس وزراء العدو حاجة ملحة لترميم معنويات الكيان المتصدعة فأين المفر؟
جبهة غزة لم تكن تحتمل المغامرة باختبار جديد بعد نجاح المقاومة في إحباط عملية استخبارية ضخمة بينما برزت قدرات الفصائل المستندة بوحدتها المتينة هذه المرة إلى حاضنة شعبية ظلت تخرج لعشرات الأسابيع في مسيرات العودة غير آبهة بكلفة الغدر الصهيوني من الشهداء والجرحى.
منذ ما بعد إسقاط الطائرة الصهيونية ومن ثم وصول منظومات الدفاع الجوي الروسية الحديثة وتجهيزات القيادة والسيطرة المتطورة أغلقت بالردع جبهة سورية التي شكلت مجالا مفتوحا للعربدة الصهيونية خلال السنوات الماضية بفضل العصابات الإرهابية التي كشفت الأحداث عمق ارتباطها بالكيان المعادي واستخباراته وفضحت خيوط التشغيل والإمداد والدعم اللوجستي عبر خط فك الاشتباك الذي استرجعه الجيش العربي السوري دون قيد أوشرط وقد حاول نتنياهو بعد تثبيت الردع في غزة تلمس مخرج لعرض العضلات في سورية انطلاقا من الأجواء اللبنانية والفلسطينية وسقطت محاولاته بفعل يقظة الدفاع الجوي السوري وفاعليته وقد أسقطت الصواريخ السورية جميع المقذوفات المعادية في العدوان الأخير الذي شنه الصهاينة.
هكذا التفت نتنياهو مجددا صوب جبهة لبنان لينفذ عملية إعلامية ينسب عبرها لجيشه إنجازا تحت عنوان اكتشاف انفاق لحزب الله تشكل هاجسا مزمنا من سنوات لمخابرات العدو ولجبهته الداخلية وظهرت مؤشراته في وسائل الإعلام الصهيونية مرارا في السنوات التي اعقبت هزيمة تموز 2006 وخصوصا عندما شرع العدو بالإعلان عن اكتشاف انفاق بين قطاع غزة وفلسطين المحتلة وكان معلقوه يرددون إن كنا نكشف انفاقا مع غزة فماذا يفعل حزب الله في الجليل المنطقة التي صرح السيد نصرالله بانها قد تكون هدفا مباشرا في أي حرب مقبلة مع العدو وردا على أي عدوان صهيوني يستهدف لبنان.
ما أراده رئيس وزراء العدو لحجب مأزقه السياسي المكشوف داخل الكيان و لطمأنة مخاوف الجمهور هو عراضة إعلامية على الحافة وعند الخط الأزرق فجلب الكاميرات والسفراء والمراسلين إلى مقربة من حفرة يزعم انها فوهة نفق تم اكتشافه وغايتها تحفيز صراخ بعض اللبنانيين ضد المقاومة بادعاء انها تعرض البلد لحرب كبرى وتصعيد الضغوط الأميركية على السلطات اللبنانية لتفعيل ادوات الحصار السياسي والمالي لقوة حزب الله وبالتالي فهي في حدود التهويش السياسي.
راهن نتنياهو بالتأكيد على تطمينات اميركية عن تجاوب بعض الجهات اللبنانية مع مساعيه بل وبكل أسف إن بعض القوى اللبنانية لم تتعلم الدروس من رهاناتها الخائبة والمكشوفة عشية حرب تموز وخلالها وبعدها. فظهر في الداخل اللبناني وتحركاته ما كان يستدعي الشك فاستوجب من قيادة حزب الله رسائل تحذير وتأديب لكبح المغامرين انفسهم الذين تورطوا في المرات الماضية ولم يكفوا عن استكشاف فرص التخلص من المقاومة وحلفها في لقاءاتهم مع الموفدين والسفراء وعبر جولاتهم الخارجية ودسائسهم في الداخل وهم لم يكفوا عن تدبير الانقلابات الفاشلة على الرغم من سلوك حزب الله السياسي المتواضع والاحتوائي.
طبعا يعرف نتنياهو وجنرالات الجيش ما هي كلفة المغامرة في لبنان وهم يعرفون أيضا ان انزلاق المواجهة العسكرية مع حزب الله نحو حرب شاملة قد تشعل طوق النار حول فلسطين المحتلة وداخلها هو احتمال مرجح سيدخل إلى التوازنات عناصر جديدة ومرجحة لكفة محور المقاومة ولن تكون تبعات ذلك التحول الكبير سهلة الوقع على إسرائيل والحكومات العربية التابعة في المنطقة بل هي ستفتح بوابات جهنم.