بقلم غالب قنديل

تهويل نتنياهو ومغامرة الجاهلية

غالب قنديل

اكتشفنا مع مرور الزمن ان الكثير من خفايا اوضاعنا الداخلية وسجالاتنا الصعبة والعاصفة تم ربطها وتحريكها خلال عقود طويلة برزنامة العدو الصهيوني ولصالحه من خلال أدوات ربط وتحكم تقودها الولايات المتحدة ودول الغرب ومعها منظومة الحكومات العربية الخاضعة للهيمنة وهذا ما شهدناه فعليا عشية حروب إسرائيل الكبرى ضد لبنان منذ العام 1993 فقد تأسست مجموعة شرم الشيخ وجندت اجهزتها السياسية والاستخباراتية في تدخلات وضغوط مكثفة داخل لبنان لخدمة العدوان الصهيوني في التمهيد له وعبر مواكبته وهذا الإيقاع تصاعد بكثافة وبقوة منذ حرب تموز 2006 .

يقف الكيان الصهيوني عاجزا وحائرا امام تنامي طوق الردع المقاوم على جبهاته مع سورية وغزة ولبنان وبعدما احكم الجيش العربي السوري جدران الدفاع الجوي الصاروخي وأغلق الأجواء السورية في وجه طيران العدو وإثر تأكيد توازن الردع المقاوم في قطاع غزة باتت فكرة التحرش بلبنان تراود بعض الجنرالات الصهاينة وتلاقي نزوع رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو لافتعال موجة تهديد واستعراض قوة ضد لبنان يمكن ان يلجم بها التحركات القضائية والسياسية التي تنال من وزنه ومكانته تحت شعار الوقوف على حافة الهاوية وتقديم التصدي للتهديد الوجودي على قضايا الفساد التي تطارده او على معضلة تصدع ائتلافه السياسي.

يدرك نتنياهو وجنرالات الجيش مدى رسوخ معادلات الردع وهم يعترفون بخيبة كبيرة امام نجاحات حزب الله في مضاعفة قدراته وإمكاناته الكافية لتحويل المغامرة بالعدوان إلى كارثة على الكيان الصهيوني الغاصب بفعل ما تمتلك المقاومة من قدرات الدفاع وروافد القوة ونتيجة صعوبات ومخاطر كثيرة يثيرها احتمال الانزلاق نحو مواجهة كبرى تدفع اطراف محور المقاومة برمته إلى الانخراط في معركة وجودية ضد الكيان الصهيوني لايمكن حصر ساحاتها وتداعياتها بأي شكل كان من مضائق البحر الحمر حتى شواطئ المتوسط وامتدادا إلى سواحل الخليج.

مرارا رحبت تل أبيب بكل ما يستهدف حزب الله وحلفه الوطني العريض في الداخل اللبناني وهي تعمل باستدامة على تسعير موجات العداء للمقاومة بأي ثمن وتتحرك في شتى المجالات الإعلامية والسياسية للتحريض ضد حزب الله ومخاطبة الشعب اللبناني بعبارتها القديمة ضد المقاومين ” إنهم يورطونكم وستدفعون الثمن “.

لقد سعت إسرائيل دائما للاستثمار في شقوق الواقع السياسي اللبناني لتفعيل عناصر تطويق حزب الله وتقييد حركته وقامت بذلك دائما بمعونة الولايات المتحدة وسائر دول الغرب وعدد من الحكومات العربية التابعة وبالتالي ليس مما يثر الاستغراب أي تساؤل عن سر تزامن التهويل الصهيوني ضد لبنان مع فتنة الجاهلية التي قدر لها لو تمادت ولم تردع في الوقت المناسب ان تثير حالة استنزاف خطيرة في خاصرة المقاومة والجيش اللبناني.

سواء كان تصرف الفريق اللبناني المتورط نتيجة الغباء السياسي وسوء الحسابات المعروف عنه تقليديا او بفعل استجابته لإشارات اميركية سعودية غربية كالعادة فالحصيلة واحدة وهي خدمة إسرائيل من حيث النتائج والانعكاسات ويبدو عقيما تجديد الرهان على صحوة ضمير بعد تكرار الانزلاقات الخطيرة بعناوين مختلفة ومتعددة.

الأغبياء وحدهم يمكن ان يفترضوا القدرة على عزل أي شاردة او واردة في الواقع اللبناني المحلي عن مسار الصراع الضاري في المنطقة وهو صراع خيارات ومحاور متطاحنة دوليا وإقليميا.

ما يريده أصحاب شعارات النأي هو إبعاد لبنان عن محور المقاومة وعن مناهضي الهيمنة الأميركية الصهيونية في المنطقة والعالم وهذا ما تؤكده الوقائع الاقتصادية والمالية والسياسية والأمنية ومحاولات نسف التوازن الداخلي بمغامرة مجنونة تستدرج حمامات دم في الجبل تكشف نزقا خطيرا وضيقا من المعادلات والتوازنات وعجزا عن هضم التحولات والتكيف معها رغم كل التواضع السياسي الذي يبديه حزب الله وحلفاؤه الحاضنون للمقاومة وللعلاقة بسورية.

لقد شهدنا جس نبض فاشل لمحاولة انقلاب سياسية وامنية ضد المقاومة وحلفائها من خلال غزوة الجاهلية وأثبتت المقاومة قدرتها على ضبط الوضع الداخلي ومنع انفلاته فتحركت إسرائيل على الفور لمنعها من التقاط الأنفاس وأطلقت محاولة إرباك جديدة ودشنت بحملة التهويل فصلا سياسيا وإعلاميا غايته تصعيد الضغوط على المقاومة بكل الوسائل المتاحة.

إن هذا النوع من المعارك الداخلية والتهديدات الصهيونية قد يتكرر مستقبلا بفعل الترابط الأميركي الغربي السعودي الصهيوني ومع تصميم فرقاء لبنانيين على تغليب ارتباطاتهم الخارجية دون اعتبار لمصالح لبنان الفعلية ومن غير اتعاظ بعبر تجاربهم السابقة والفاشلة مع رهان النيل من المقاومة وحلفها السياسي والشعبي الحاضن والعابر لجميع الطوائف والمناطق وهو حلف خرج من هذا الاختبار أشد قوة وبأسا بعدما التم شمل اطرافه في وجه التحدي وضد النهج المغامر الذي يهدد السلم الأهلي بكل خفة واستهتار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى