هل يوقف «الشورى» مرسوم «الفايبر»؟: إيلي الفرزلي
كل المؤشرات تدل على أن مجلس شورى الدولة لن يتأخر في بتّ الطعن المقدم في المرسوم الذي يعطي الحق للشركات الخاصة باستعمال شبكة الألياف الضوئية الخاصة بـ«أوجيرو». وتشير المعلومات المسرّبة إلى أن المجلس يتجه إلى إبطال المرسوم المطعون فيه. فهل يختم رئيس «الشورى» مسيرته بـ«إنجاز» كهذا؟
لم يبتّ مجلس شورى الدولة، حتى اليوم، الطعن المقدم من الاتحاد العمالي العام بالمرسوم الرقم 3260 الذي أقره مجلس الوزراء، خلسة، في الجلسة الأخيرة قبل الانتخابات النيابية (26 نيسان)، ونُشر في الجريدة الرسمية في 14 حزيران الماضي. ينص المرسوم على إعطاء شركات في القطاع الخاص حق استعمال شبكة الفايبر أوبتيك والمسارات العامة الخاصة بالشبكة، في تأكيد على مضمون قرارات «قريبة الشبه به» سبق لوزير الاتصالات أن أصدرها وأوقف «الشورى» تنفيذها، ثم عاد الوزير مجدداً وأصدرها معدلة (طُعن بها أيضاً ولم يصدر قرار «الشورى» بشأنها بعد).
المراحل الثلاث التي أصر فيها وزير الاتصالات على إمرار مضمون المرسوم، كفيلة بتقدير حجم الضغوط التي يتعرض لها «الشورى» لثنيه عن وقف تنفيذ المرسوم، بعدما بدا أن رفض الطعن غير ممكن قانوناً، على ما تجزم مصادر متابعة لمسار القضية. فبالنظر إلى كل المعطيات القانونية التي رافقت الملف، صارت الغرفة الناظرة في الدعوى، والتي يرأسها رئيس المجلس القاضي هنري خوري، بأغلب أعضائها، على اقتناع بعدم قانونية المرسوم. وقد سبق لخوري أن كاشف وزير العدل سليم جريصاتي بهذا التوجه، علماً بأن المعلومات تؤكد أن وزير العدل كان واضحاً في دعمه لحرية قرار المجلس واستقلاليته. كما ذكّر بإصرار رئاسة الجمهورية على مكافحة الفساد والتأكيد على أن لا أحد فوق القانون. وفيما عُلم أن خوري سيلتقي الوزير سليم جريصاتي مجدداً صباح اليوم، فقد وُصف اللقاء بأنه يأتي في إطار سعي رئيس المجلس إلى تحصين نفسه سياسياً وإدارياًُ تمهيداً للإعلان عن وقف تنفيذ المرسوم.
وهذا يعني أن المجلس يوضع للمرة الثالثة أمام اختبار الاستقلالية، الذي نجح فيه في الطعن الأول، فيما تؤكد مصادره أن قراره بشأن الطعن الثاني سيصدر بالتزامن مع قراره المتعلق بالمرسوم الحكومي.
وليس الدعم الذي تلقاه خوري للسير بقرار يعبّر عن قناعاته القانونية ولا يتأثر بالضغوط المحيطة وحده السبب في إصراره على إعلان القرار قبل تأليف الحكومة الجديدة، بما يسمح لها بإعادة تصويب المسار، إن أرادت. فهو يُصر قبل إحالته على التقاعد بعد نحو شهرين، على إنهاء مسيرته القضائية بقرار سيكون بمثابة الإنجاز. ولذلك لا يكترث حتى إلى الحرج الذي يمكن أو يواجهه من جراء تراجعه عن رأي استشاري أعطاه «الشورى» لمجلس الوزراء في 29 آذار 2018، يؤكد فيه قانونية البند المطروح على جدول الأعمال، واعتمدته الحكومة في بناءاتها للمرسوم الذي أقرته. بالنسبة إلى رئيس «الشورى» الرجوع عن الخطأ فضيلة، علماً بأن مصادر مطلعة أشارت إلى أن ذلك الرأي سبق أن صدر تحت نوعين من الضغط، الضغط السياسي وضغط الوقت.
يرتكز معظم أعضاء الغرفة الناظرة في الدعوى في توجههم هذا إلى كون المرسوم يُخالف المبدأ القانوني العام الذي يقول بعدم جواز «الوكالة عن وكالة».
فالقرار الحكومي لم يعط التراخيص للشركات، إنما أعطاها الحق بأن تتقدم بطلبات إلى وزارة الاتصالات تمهيداً للموافقة عليها من قبل الوزير. وفي ذلك مخالفة للمراسيم التي تحكم هذا النوع من العقود. إذ إن القرار الرقم 144/S الصادر في 1925/6/10 في مادته الرقم 16 ينص على أنه «تعطى إجازات الإشغال المؤقت على الأملاك العمومية بموجب قرار من رئيس الدولة وفقاً لأحكام هذا الفصل. وتعطى إجازات الإشغال المؤقت على الأملاك العمومية الخاصة بالبلديات وفقاً للقوانين والشرائع المتعلقة بالبلديات».
كما أن المرسوم الاشتراعي الرقم 126 الصادر عام 1959 والقانون الرقم 431 الذي ينظم قطاع الاتصالات والصادر عام 2002 أوكلا حصراً إلى مجلس الوزراء مجتمعاً مهمات إصدار التراخيص والامتيازات للقطاع الخاص والسماح باستعمال أو استثمار البنية التحتية للاتصالات وأملاكها العامة كالمسالك العائدة للشبكة أو التمديدات الهاتفية أو الألياف الضوئية.
الاتحاد العمالي: لوقف استباحة المال العام بقرارات ومراسيم غير قانونية
واستناداً لذلك، يكون المشرّع، ممثلاً بمجلس النواب، قد منح مجلس الوزراء (رئيس الجمهورية قبل الطائف) حصراً الحق في منح التراخيص بإشغال الممتلكات العامة، وفي الحالة موضوع الطعن هي مسالك وزارة الاتصالات التي تديرها وتصونها هيئة أوجيرو، وبالتالي فإنه لا يجوز لمجلس الوزراء مطلقاً أن يعود فيفوّض هذه الصلاحية الى وزير ليقوم بها بدلاً منه.
وهذه المقاربة يميل إليها رئيس مجلس شورى الدولة القاضي هنري خوري، ويؤيده فيها وزير العدل الذي كان في السابق عضواً في المجلس الدستوري ويدرك تماماً أبعاد هذه القاعدة القانونية الدستورية.
ليس توكيل الوكالة هو المبرر الوحيد لقبول الطعن، بحسب مصادر قانونية، فالطعن المقدم من قبل المحامي علي عباس بوكالته عن الاتحاد العمالي العام، يورد عشرة أسباب للإبطال، منها مخالفة الدستور في المادتين 7 و89، ومخالفة قانون الاتصالات الرقم 431/2002 وقانون الخصخصة الرقم 228/2000، وقانون المحاسبة العمومية…
إلغاء القطاع الخاص؟
لكن في المقابل، فإن وكيل شركة «جي دي أس» الوزير السابق شكيب قرطباوي، يستغرب الهجمة المعلنة على الشركات الخاصة، سائلاً: «هل يريد الاتحاد العمالي العام إلغاء القطاع الخاص؟». يشير إلى أن القرارات الوزارية كما المرسوم الحكومي، تعتمد على مراسيم نافذة، وآخرها المرسوم الرقم 956/2017، المتعلق بإطلاق خدمات الإنترنت عبر الألياف الضوئية. ويوضح قرطباوي أن الإيحاء بأن الشركات تراكم الأموال على حساب المال العام هو قول في غير محله، إذ إن الشركات تدفع بدل استعمال الشبكة (دولار عن كل متر)، وكذلك بدل خطوط الـ E1 وبدل مقطوع لكل عملية ربط بالشبكة. كما فُرض عليها، حيثما تمد الألياف الضوئية الخاصة بها، أن تمد بموازاتها أليافاً لأوجيرو وعلى نفقتها. ويوضح أن هذه الإمكانية ليست محصورة بشركة أو اثنتين إنما مفتوحة لأي شركة تتقدم بطلب. وأكثر من ذلك يذهب قرطباوي إلى التذكير بأن القانون 431 يشرّع دخول القطاع الخاص إلى قطاع الاتصالات، وسبق أن قامت الهيئة الناظمة للاتصالات بالترخيص لعدد من الشركات، وبالتالي، فإن عدم تشكيل الهيئة مجدداً لا يعني تجميد القطاع.
معدّو المرسوم لا ينفّذونه
بعيداً عن وجهة قرار «الشورى» المتوقع، فإن المحامي عباس يؤكد أن المرسوم الذي يعتبره الطعن مخالفاً للقانون، لم ينفذ حتى اليوم، بل ما ينفذ هو قرارا الوزير، اللذان أوقف مجلس الشورى تنفيذهما وجاء المرسوم ليؤكد مخالفتهما للقانون. فالأسباب الموجبة للمرسوم تتضمن إعلاناً صريحاً بأن القرارات التي أصدرها الوزير «لم تساو بين الشركات المرخص لها إن من حيث الحقوق أو من حيث الواجبات».
وينص المرسوم على وجوب أن تتقدم الشركات بطلبات ترخيص جديدة للوزارة. وهذا تأكيد إضافي على أن الآلية التي نصت عليها قرارات وزير الاتصالات صارت ملغاة. وبالتالي، يجزم المحامي عباس بأن كل ما يُنجز من أعمال حالياً هو مخالف للمرسوم الذي أُقر. وحتى لو رد «الشورى» الطعن، فهو سيكون مضطراً إلى إلغاء القرارات الوزارية اعتماداً على المرسوم الحكومي. فمن يضمن أن تحصل الشركات على ترخيص عندما تتقدم بطلب وفقاً للمرسوم، ومن يضمن أن تكون مستوفية للشروط؟ وإذا لم تكن كذلك، فكيف ستُغطى الأعمال، التي نفذت سابقاً، قانونياً؟
رحلة الطعون
ليس الطعن في المرسوم الحكومي معزولاً عما سبقه من أحداث. بدأت القضية في 11 أيار 2017. في ذلك اليوم، أصدر وزير الاتصالات قراراً مفاجئاً رقمه 365 يعطي فيه شركة «جي دي أس» حق تمديد ألياف بصرية في المسالك الهاتفية العامة، وكذلك حق الاستفادة من شبكة الألياف الضوئية الخاصة بأوجيرو، لتمديد اشتراكات للمواطنين. وفي 13 حزيران من العام نفسه، عاد الجراح وأصدر قراراً مشابهاً يعطي الحق نفسه لشركة Waves، مع فارق يتعلق بتحديد حصة الدولة من الاشتراكات التي تحصّلها الشركتان. لكن بعدما تقدم المحامي علي عباس بدعوى إبطال، موكلاً من الاتحاد العمالي العام ونقابة عمال أوجيرو، أصدر مجلس شورى الدولة قرارين يوقفان تنفيذ قراري الوزير.
لم يهتم وزير الاتصالات لوقف التنفيذ، وذهب في 5 آذار 2018 إلى استصدار ثلاثة قرارات جديدة تحمل الأرقام 82 و83 و84 تحمل مضمون القرارين الموقف تنفيذهما نفسه، مع تعديلات طفيفة ومع إدخال شركة ثالثة إلى القطاع هي tri sat. لكن الاتحاد العمالي عاد وقدم ثلاث مراجعات إبطال في 25 نيسان، أي قبل يوم واحد من إصدار المرسوم، الذي لم يحد عن مضمون القرارات الموقف تنفيذها، وإن وضع آليات جديدة للترخيص.
(الاخبار)