هذا هو اللعب بالنار: ناصر قنديل
– عندما تحدّث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن التحذير من اللعب بالنار، كان واضحاً بقصده تحذير فريق المحكمة الدولية من أن يكون في حساباتهم الرهان على اللعب بالأمن من بوابة الاستفزاز السياسي والقانوني. وها نحن اليوم الذين انتظرنا لنكتشف اللعب بالنار الذي كان على جدول أعمال هذا الفريق نراه ماثلاً أمامنا. فالقضية باتت واضحة منذ الانتخابات النيابية، وما حملته من حقائق سواء ما كرّسه توزع المقاعد النيابية أو ما حملته النتائج التي لم تنتج مقاعد نيابية، حيث ظهر التعدد داخل الطائفتين الدرزية والسنية قدراً لا مفر منه، واتجاهاً متنامياً يصعب وقفه. ففي الطائفة السنية لم تكن النتائج التي حملتها هذه الدورة الانتخابية سوى البداية لما سيحمله ما سيليها لجهة تأكيد تراجع احتكار تيار المستقبل الطائفة، واستحالة الاحتماء وراء فزاعة تيار المستقبل وإلا داعش أو النصرة. وبالتوازي مع هذا بدت النتائج في الطائفة الدرزية مجرد رأس جبل الجليد الذي سيكبر تلقائياً في دورات مقبلة لكسر احتكار الحزب التقدمي الاشتراكي للطائفة، فوحدة المعارضة السنية لتيار المستقبل وتوحّد حلفائها من ورائها، كما توحد المعارضة الدرزية للحزب التقدمي الاشتراكي وتوحّد حلفائها من ورائها، باتت كافية لتزخيم النتائج التي تقول إن الاحتكار صار شيئاً من الماضي. وقد تم تحجيم هذه النتائج بفعل التسرّب من شقوق عدم وحدة المعارضتين من جهة، وعدم توحّد الحلفاء من ورائها من جهة أخرى .
– لقد تلاقت إرادة داخلية لقوى فاعلة عنوانها إنكار الحقائق اللبنانية الجديدة التي حفرت عميقاً في الواقع وتكرّست بفضل اعتماد قانون قائم على النظام النسبي، مع إرادة خارجية عنوانها إنكار المتغيرات الإقليمية والدولية الكبرى التي قالت إن زمن احتكار واشنطن للقرار الدولي صار شيئاً من الماضي، وإن الهيمنة الجوية الإسرائيلية على سماء المنطقة صارت هي الأخرى شيئاً من الماضي، وإن الرهان التاريخي الذي قاله مارتن أنديك بلسان واشنطن وتل أبيب معاً منذ خمس وعشرين سنة، وعنوانه السعي لاستعمال ما أسماه بالجهادية السنية ونسميها بالإرهاب، لضرب الجهادية الشيعية الصاعدة ونسمّيها بالمقاومة، هو رهان قد تم اختباره ولم يفلح في تعويض العجز عن خوض الحروب بالجيوش الغربية والإسرائيلية، وبفعل هذا التلاقي بين حالتي الإنكار وما يسببه الإنكار من هذيان سياسي وعدم توازن في الحركة والقرار، تدخل المنطقة ويدخل لبنان مرحلة الفوضى السياسية والأمنية.
– يتلاقى الذين يجمعهم الإنكار للحقائق الجديدة، فلا يُحرج التطبيع مع إسرائيل دول الخليج وحكامه، كما لا يُحرج واشنطن وتل أبيب التطبيع مع تنظيم القاعدة، واللعب بالنار تحكي عنه حرب اليمن الكثير وتجسّده البنسلمانية أفضل تمثيل، واحتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري نموذج لهذا اللامألوف، وقتل جمال الخاشقجي نموذج آخر. فالقضية كما قال ثامر السبهان في التمهيد لاحتجاز الحريري، إن قانون الانتخابات سيغير المشهد السياسي والدستوري، ومن يقرأ الصحافة الإسرائيلية سيكتشف الكثير من المقالات التي تتحدّث عن خطورة الشرعية الدستورية التي ستنالها المقاومة عبر الانتخابات واعتبارها خطراً يوازي خطر الصواريخ الاستراتيجية، وتعطيل الحكومة عبر تجاهل مطالب التمثيل المتواضع لحلفاء المقاومة حتى لحظة ما قبل ولادة الحكومة كان خطة، لتحميل المقاومة مسؤولية التعطيل من جهة، واتخاذ الأمر مبرراً للتصعيد من جهة أخرى، وهو اللعب بالنار دون مواربة. فالحلف الدولي العربي اللبناني رغم الضياع والارتباك يحتاج ساحة مشتركة للعب بالنار، وهو لعب لا يخلو من الضياع والارتباك.
– مَن يقرأ في الاستراتيجيات، ويعلم معنى حروب الطاقة، يجب أن يتساءل، عن سرّ التسارع في التعاون الخليجي الإسرائيلي لإنشاء أنبوب غاز إسرائيلي نحو أوروبا، وينتبه أن أهم المطلوب اليوم هو حماية هذا المشروع، عبر خطوتين، تأخير حضور لبنان في سوق الغاز ولو بتأخير ولادة الحكومة، وإرباك المقاومة أمنياً لمنعها من التصدّي للمشروع الإسرائيلي الخليجي والأنبوب الاستراتيجي نحو أوروبا. ومَن أجدر للقيام بذلك سوى الذين يضيقون ذرعاً بحكومة تعترف بالتوازنات الجديدة ويخشون ما سيليها من توازنات أشد خطراً، والذين يرون في هذا الكلام تكبيراً ومبالغة في القراءة والتفسير، أن يفسّروا ما جرى في الجاهلية بغير الكلام الذي لا يقبله عقل عن هيبة الدولة، التي وقفت تتفرّج على مجرزة حلبا ومرتكبيها، ووقفت تتفرج على الدفرسوار الأمني المفتوح لشهور لحساب أحمد الأسير بعنوان شرعي، وأن يفسّروا ما جرى في الجاهلية بغير الاحتماء وراء كلام قاله الوزير السابق وئام وهاب وأتبعه باعتذار، ولم يلقَ التأييد بالتالي من وهاب نفسه ومن حلفائه وخصوصاً حزب الله، فيما الكلام البذيء يملأ الشاشات بحق الرموز والقادة في المقاومة ومحورها وحلفائها ولا مَن يحرّك ساكناً أو يتحرّك.
– اقتحام الجاهلية لعب بالنار، وسقوط الشهيد محمد أبو دياب كاد أن يكون مدخلاً لفتنة كبرى، لولا تدخّل المقاومة. فهل يقتنع اللاعبون بالنار داخلياً وخارجياً بالتراجع، أم يستعدون لتكرار الخامس من أيار عام 2008، باعتبار ما جرى يشبه كثيراً الاستفزاز الأمني الذي جسّده قرار حكومة فؤاد السنيورة بدعم سعودي أميركي لتفكيك شبكة اتصالات المقاومة، وحلفاء المقاومة هم بمكانة ومهابة شبكة اتصالاتها، فلينتبه مَن لا ينتبه ولينبّه مَن ينتبه مَن لم ينتبه: «لا تلعبوا بالنار!».. باقية وقائمة فانصتوا لها جيداً.