بقلم غالب قنديل

الحرص السوري والانفصام اللبناني

غالب قنديل

وفق أي معيار منطقي لايمكن لبلد كلبنان ان يتنكر لعلاقته الطبيعية بسورية وهي علاقة يفرضها الجوار الجغرافي والتشابك السكاني والعائلي وحساب المصالح الذي يسود العالم المعاصر وبات يفرض على كل دولة وخصوصا الدول الصغيرة كلبنان النظر إلى محيطها الحيوي المباشر بما يتيحه من مصالح وفرص وما يقتضيه من شراكات إقليمية لتعزيز القدرة على تأمين الموارد والأسواق الضرورية لأي تنمية او تقدم ناهيك عن الاستقرار الأمني والسياسي.

حتى لو نحينا جانبا وجود نصوص دستورية وميثاقية تلزم الحكومات اللبنانية باحترام مبدأ العلاقة المميزة الذي تعرض لتدمير منهجي بناء على الإيعاز الأميركي السعودي المرتبط بخطة الانقلاب الاستراتيجي في المنطقة التي انطلق تنفيذها منذ العام 2000 ردا على انتصار المقاومة وفرضها لتقهقر الاحتلال الصهيوني ونجاحها بفضل الاحتضان السوري والدعم الإيراني في تحقيق ما يسميه الباحثون تغيير البيئة الاستراتيجية ونزع هيبة الردع الإسرائيلية.

يمكن لنا بمعاينة الوقائع إدراك حجم المصالح اللبنانية والفرص الكامنة في أي علاقات ثنائية متقدمة مع سورية وقد كان فتح الطرق البرية للترانزيت عبر سورية من خلال معبر نصيب بعد الإنجازات الميدانية الكبرى التي حققها الجيش العربي السوري على الأرض التي حررها من عصابات العدوان اختبارا اتاح تعرف اللبنانيين على حجم المصالح المشتركة مع سورية فقدرت غرف التجارة والصناعة والزراعة حجم الصادرات اللبنانية السنوية المحكومة بسلوك طريق البر السوري إلى الداخل العربي بملياري دولار من المنتجات اللبنانية وقد برهنت التجربة على ان تحكيم الكيد والأحقاد في توسل طرق بديلة عن سورية لتصدير تلك المنتجات ترتب اكلافا باهظة وتخفض القدرة على المنافسة مع وجود بدائل عديدة للسلع اللبنانية المصدر في أسواق المنطقة.

تعاملت سورية مع هذا الملف من خارج السياسة واعتبرت انها معنية بتغليب منطق الحياة اللبنانية السورية المشتركة وبمخاطبة المصالح المشتركة للبلدين والظهور في موقع التجاوب مع رغبة شعبية لبنانية مصرح عنها بلسان الفعاليات والمواطنين العاديين الذين احتفلوا في البقاع والشمال والجنوب بفتح معبر نصيب وزاد هذا النبل السوري من رصيد حلفاء لبنانيين صادقين وقفوا مع سورية في وجه العدوان وما زالوا ثابتين وسط الصمت والذهول الأخرس الذي ران على جبهة خصوم سورية.

آثرت سورية فتح شرايين الحياة على التجاوب مع إلحاح معاكس من بعض قطاعات من الرأي العام السوري المجروح نتيجة فجور وصلافة وعدوانية قوى وأحزاب لبنانية دعمت عصابات التكفير وامدتها بكل انواع المساعدة وهكذا عزلت سورية ملف استئناف التصدير اللبناني عبر أراضيها مع فتح معبر نصيب عن حيثيات الرد السياسي الذي تفرضه مماحكات واحقاد بعض الساسة اللبنانيين المشعوذين بنتيجة خيبات رهاناتهم الأميركية الصهيونية او اولئك الصغار المحكومين باحقادهم وارتباطاتهم والعاجزين عن مراجعة حساباتهم بعد كل ما جرى وبعضهم ما يزال معتدا بتوجيه الفتاوى الديمقراطية بحق سورية وهو مثال للتخلف في ولاءاته وعلاقاته العربية والدولية وفي تركيبة حزبه او فريقه السياسي الذي يقوده بتعسف إقطاعي بطريركي قبيح ويعبئه بعصبيات طائفية ومذهبية قروسطية متخلفة ناهيك عن كون بعض هؤلاء مدينا بوجوده السياسي وبكل ما راكمه من مكاسب سياسية وثروات منذ الطائف لما حظي به من رعاية ومساندة سورية مباشرة لتمكينه من التغلب على قوى منافسة اظهرت التجربة انها من صفوة الحلفاء والمخلصين لسورية ونهجها القومي.

يكتشف اللبنانيون العاديون في يومياتهم ما تحققه العلاقة بسورية من حاجات تمليها الجغرافية ويحتمها امنهم القومي فطوق الحماية من غدر عصابات التكفير والإرهاب كان طوقا لبنانيا سوريا فرضه حزب الله بالشراكة مع الجيشين اللبناني والسوري كما برهنت السنوات الدامية والعاصفة التي تورط فيها بعض الأطراف اللبنانية بالشراكة في مؤامرة تدمير سورية وتخريبها وفرضوا على لبنان دفع كلفة باهظة لارتداد بؤر الإرهاب والعمالة التي زرعوها في طول البلاد وعرضها ولولا يقظة الجيش والمقاومة واستنفار الحلف الوطني المقاوم لأحرق لبنان عن بكرة أبيه بين يدي داعش والقاعدة وبإشراف حلف من العملاء والمرتزقة تقوده الاستخبارات المركزية الأميركية وشريكتها الوثيقة الموساد والباقون تفاصيل بمن فيهم بعض الزعماء اللبنانيين الذي لا يتعلمون من التجارب.

حقيقة الحياة اللبنانية السورية تتقدم بإرادة دمشق ومن دون أي تحرك لبناني مقابل لتطوير العلاقات بمنطق المصالح الحيوية وذلك يناقض أي قدر من الواقعية والحكمة فالبون شاسع بين المصالح اللبنانية العليا وأساليب إدارة الظهر ورفع العتب المطبقة فعليا مع سورية على الصعيد الرسمي الذي يحكمه حرص بعض المواقع في الدولة على فتح خطوط اتصال خجولة في ظل الإحجام عن أي مبادرات تتخطى سقف التعامل المضبوط من خلال السفراء أوعبر مبادرات متجددة ومتعددة المستويات يقودها اللواء عباس ابراهيم وعدم الانتقال إلى مراحل متقدمة من التعاون الرسمي هو امر مفروض بدفتر شروط فرنسي اميركي سعودي تحت شعار النأي الكاذب والخادع.

أسوأ مما تقدم تغلب جهات لبنانية عديدة منطق العصبيات والعداء لسورية في تعبئة جمهورها بينما هي في الكواليس تتحدث بلغة اخرى وبعض من ينفثون الأحقاد ويجاهرون بالعداء لسورية يرسلون الموفدين لجس النبض حول فتح صفحات جديدة في العلاقة ويستنبشون ما يمكن الظفر به من مغانم وصفقات نتيجة استعادة علاقاتهم الخاصة مع سورية اقتصاديا ويحاولون التذاكي والمرور بوسطاء من روسيا او عبر شراكات في الباطن مع مؤسسات صينية ترتقب دورا رئيسيا في ورش الإعمار السورية … إنها الانفصامية اللبنانية مرة اخرى وهي عقلية الخبث والنفاق التقليدية المتوارثة في الأداء السياسي اللبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى