حملة لتحصين مسلمي روسيا من التطرف احمد حاج علي
موسكو
حالفني الحظ لحضور إفتتاح أول مركز ثقافي إسلامي في حوض الفولغا في مدينة سارانسك عاصمة جمهورية موردوفيا في الإتحاد الروسي، لبيت دعوة مفتي جمهورية موردوفيا فضيلة الشيخ فهيم شفاييف الكريمة .
المركز بُنِيَ بتمويل مشترك قسمه الأكبر من ميزانية جمهورية موردوفيا إضافة لتبرعات جمعها صندوق الثقافة الإسلامية و تقديمات رجال أعمال محليين.
لمست بشكل فعلي الهدف الأساسي من بناء و تأسيس المركز و هو تعزيز التفاهم بين قوميات و أديان مواطني جمهورية موردوفيا خصوصاً و حوض الفولغا و الإتحاد الروسي عموماً، و هو هدف دعا إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال إجتماعاته مع القيادات الروحية للبلاد، فوفقاً لتوجيهات الرئيس بوتين يجب أن تصبح تلك المراكز و النوادي الثقافية و التعليمية مصدراً للتنوير الروحي و المعارف و القيم الدينية الحقيقية في مواجهة الأفكار الفتنوية الراديكالية التكفيرية.
رئيس جمهورية موردوفيا فلاديمير فولكوف أكد في حفل الإفتتاح على أن المركز سيسمح ليس فقط في جذب الشباب بل و حمايتهم من الإيديولوجيات الدخيلة و سيساعد على توحيد الجهود التي تصب في الصالح العام لروسيا و موردوفيا بشكل خاص. و أشار فولكوف إلى أن الإسلام التقليدي يُعتبر جزء لا يتجزأ من الثقافة الوطنية في الجمهورية المتعددة القوميات حيث يقطنها ممثلوا أكثر من 120 قومية، من الجدير بالإهتمام الحفاظ على تقاليدهم و عاداتهم و ثقافاتهم.
و أكد رئيس المركز مفتي جمهورية موردوفيا فضيلة الشيخ فهيم شفاييف أن أبواب المركز مفتوحة لجميع الراغبين الزائرين من كافة القوميات و الأديان للإستفادة من خدمات الأقسام الثلاث التي يشملها المركز و هي القسم الثقافي، القسم التربوي التعليمي و القسم الترفيهي الهادف، كما سيتم إستخدام المركز لإقامة الإحتفالات الوطنية و المناسبات الإجتماعية و فيه مكتبة قيمة و قاعة مؤتمرات مزودة بأحدث وسائل التواصل إضافة لمتحف تراثي للثقافة الإسلامية و مشغل تطوير و إبداع و غرف دراسية و مطعم يؤمن الوجبات اللازمة للطلاب و المشاركين في الدورات المختلفة و الزائرين.
تم توقيت إفتتاح المركز الإسلامي بالتزامن مع فعاليات المنتدى الروسي: ” مسلمو روسيا _ الهوية المدنية والأشكال الحديثة للتفاعل بين الثقافات” أو دور الدين في تعزيز وحدة شعوب الإتحاد الروسي. الذي إنعقد في جمهورية دغستان و شكل مساحة واسعة للتفاعل بين ممثلي قيادات روحية بارزة لطرح أفكار و مناهج مواجهة التطرف و التكفير المنتشر في أوساط الشباب المسلم في روسيا عموماً.
خلال يومين كان لنا محطات حوارية و ورش عمل تناولت البحث في تطوير سبل مواجهة التطرف و التكفير الذي غزا جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق و مجتمعات إسلامية روسية.
مفتي شوفاشي عيرات حظرات خيبولوف ذكَّر بدعوة مفتي تتارستان كاميل سميئولين للقيام بخطوات تشريعية لازمة لمنع الفكر الوهابي من التغلغل في روسيا، الفكرة تم تبنيها خلال مؤتمر غروزني الشهير الذي إعتبر الفكر الوهابي فكراً إرهابياً و أصدر توصيات بمنعه. إلا أنه حتى الآن لم تُستكمل الخطوات التشريعية اللازمة على المستوى الفدرالي لوضع حد للوهابية في روسيا، و يقول عيرات حظرات ان الإدارات الدينية منها إدارة تتارستان الروحية التي تقف في مواجهة الوهابية على المستوى الإيديولوجي و التعبوي، لا تملك القدرات و الإمكانيات اللازمة لوضع حد للغزو الفكري الوهابي لأوساط الشباب المسلم في المنطقة. فالمواجهة واقعاً مع دول تقف خلف تلك الإيديولوجية الوهابية و تغذيها و تدعم غزوها للمجتمع المسلم في روسيا و جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق و تلك الدول هي الولايات المتحدة الاميركية، بريطانيا، إسرائيل و المملكة السعودية و قطر و وو… التي تضخ أموال هائلة و توظف مؤسسات و معاهد و موارد غير محدودة ، فمنذ بداية التسعينيات تم إرسال آلاف الشباب المسلم من مردوفيا و غيرها للدراسة في معاهد تلك الدول و الذين عاد 80 بالمئة منهم يحملون الفكر الوهابي المتطرف! .
و يعتبر خيبولوف أن المهمة تفوق قدرات الإدارات الدينية المحلية و لا بد للسلطات الفدرالية المركزية من التدخل و وضع حد لهذه الظاهرة.
و حمل المفتي الشوفاشي المروجين لفكر إبن تيمية الذي قلب مقاييس و مفاهيم الإسلام رأساً على عقب مسؤولية محاولات تدمير الإسلام من الداخل عبر تسميم العقيدة. و مهما تباين الوهابيون في مدارسهم الثلاث الأساسية إلا أن عقيدتهم تسمح لهم بالقضاء على جميع المختلفين معهم في تلك العقيدة و هم جميع البشر الآخرين.
سألني أحد الصحفيين حول أسباب تدهور و توتر الأوضاع في الشرق الأوسط فأجبت: يمكن إعتبار ما يحصل من أحداث دراماتيكية في الشرق الأوسط إستمرار لمحاولات الغرب لإخضاع العالم كله لهيمنته، و طالما رأس المال العربي و الإسلامي بمعظمه موجود في بنوك الولايات المتحدة الأميركية و الغرب لا يمكن الكلام حول تجفيف منابع دعم الإرهاب و التكفير و التطرف. هذا لا يعني أنه لا يمكن مقاومة هذا المشروع بل فقط قوى المقاومة هي التي واجهت و تواجه بشكل مستمر هذا المشروع و أفشلت مخططاته و منعته من تحقيق أهدافه من أفغانستان إلى العراق و سوريا و اليمن و غيرها من دول المنطقة.
و يجب الإعتراف أنه خلال العقود الماضية كادت الولايات المتحدة و حلفائها أن تحقق هيمنتها على العالم بنجاح، ساعدها على ذلك تناغم مصالحها مع مصالح رأس مال المشايخ و المملكات العربية في الخليج الفارسي التي وظفت إستخدام الراديكالية و التطرف و التكفير لتحقيق خطط و برامج سياسات الهيمنة الأحادية القطبية على العالم. إلا أن هذه السياسات بدأت مع الوقت تتعثر و تواجه قوى ثورية صاعدة ممانعة رافضة كان لها محطات تاريخية مفصلية أبرزها الثورة الإسلامية في إيران التي قادها الإمام روح الله الموسوي الخميني و نزع العلم الصهيوني من على سفارة في طهران و وضع العلم الفلسطيني مكانه و إستمرت المواجهة إلى أن جمعت معركة مقاومة العدوان الإرهابي الكوني على سوريا الإتحاد الروسي و قوى محور المقاومة في خندق و حلف واحد قرر وضع حد لغطرسة قوى الهيمنة في المنطقة و العالم.
دون أدنى شك تولي القيادة الروسية إهتماماً كبيراً بمسألة بناء نموذج الفكر الديني المنسجم مع الطبيعة الديموغرافية الإجتماعية المتعددة على أراضيها، و تُعتَبَر قضية مكافحة التطرف و الإرهاب على رأس سلم أولويات الإدارة التي ساهمت إلى حدٍ كبير في تأسيس تلك المراكز الثقافية و دعمت عقد الندوات و المؤتمرات و ليس آخرها إفتتاح المركز الثقافي الإسلامني في سارانسك عاصمة موردوفيا و مؤتمر دغستان بعنوان دور الدين في تعزيز وحدة شعوب الإتحاد الروسي الذي إستضاف مجموعة من العلماء و الخبراء و فعاليات إجتمناعية على رأسهم مفتي دغستان الشيخ أحمد حجي عبداللايف، مفتي تتارستان كاميل حظرات سميعولين، مفتي الشيشان صلاح حجي ميجييف و مفتي إدارة ضواحي منطقة فولغاغراد باتا عبدالله كفاح و نائب مفتي تتار القرم أسدالله بأيروف و من بين ممثلي الدول العربية و الإسلامية شارك فضيلة الشيخ النائب الدكتور همام حمودي رئيس حزب المجلس الاعلى الاسلامي في العراق و دكتور الشريعة الإسلامية سيف علي الأسري من اليمن و غيرهم من العلماء، شاركوا في وضع منهجية مكافحة التطرف و الإرهاب إلا أن هذا الهدف يبقى بحاجة لقرار سياسي حازم و تشريعات قانونية صارمة في منع الوهابية على الأراضي الروسية كفكر إرهابي تكفيري متطرف يعمل على تفتيت المجتمع و تحريض مكوناته بعضها على البعض الآخر.